حوار اجرته – نجوي ابراهيم
مجمع الحديد والصلب تحول من مجرد حلم إلى قلعة ساهمت فى بناء مرحلة اقتصادية مهمة من تاريخ مصر، وساهمت في بناء اقتصاد الستينات .
وكانت الخامات والألواح والكمرات الصلب التى تم استخدامها فى بناء جسم السد العالي من الإنتاج المحلى لمجمع الحديد والصلب، وهو ما يكشف اهمية صناعة الحديد والصلب كصناعة مغذية للعديد من الصناعات .
برأسمال 21 مليون جنيه اسس الزعيم الراحل جمال عبدالناصر شركة الحديد والصلب ، كاول مجمع متكامل لانتاج الصلب في الوطن العربي ، وبعد مرور 65 عاما علي الشركة التي تأسست بالاكتتاب الشعبي بقيمة جنيهين للسهم ، ترتفع اصوات البعض لتدعو لتصفية الشركة بزعم الخسائر .
العدوان الثلاثي علي مصر لم يستطع ان يجهض الحلم في اقامة هذا الصرح ، وفي وقتنا الحالي تعبث الايادي لتدفن ما تبقي من قلعة الصناعة التي انشأها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر .
خلال ايام تنعقد الجمعية العمومية لشركة الحديد والصلب ، وعلي جدول اعمالها مناقشة استمرار الشركة او تصفيتها ، بعد تجاوزها لنسب الخسائر .
“بوابة العمال ” حاورت المؤرخ العمالي صلاح الانصاري احد قدامي العاملين بالحديد والصلب ، والمدافع عن هذه القلعة الصناعية ، للتعرف عن رؤيته حول البدائل المتاحة لانقاذه الشركة من التصفية ، والاضرار الناتجة في حالة اتخاذ هذا القرار.
بداية قال “الانصاري “يحزنى ما اسمعه من اخبارتتناول انهيار شركة الحديد والصلب بحلوان ، لاننى ببساطة عملت بها طيلة اربعين عام ، تدرجت فيها حتى وصولى الى مدير عام .
تعلمت فيها الصنعة فى احلك الظروف وتعلمت فيها ايضا معنى الوطنية ، ففى السبعينات كان يعمل بالشركة 26 الف عامل وحققت الشركة انتاجا يساوى مليون و 200 الف طن وهى اعلى معدلات انتاج تساوى الطاقة التصميمية لانتاج الشركة ، بدأت الشركة بتكنولوجيا المانية من شركة ديماج وهى تكنولوجيا ما قبل الحرب العالمية الثانية وتطورت الشركة فى السبعينات بزيادة عدد الافران العالية الى اربعة افران وشهدت المزيد من التوسعات من الصب المستمر والدرفلة وغيرها بمساعدة روسية وبقروض ميسرة وبفترات سماح طويلة .
ارجع الانصاري اسباب الخسائر التي تواجهها الشركة لعدم اعادة الهيكلة والاحلال والتجديد والاغراق ، لان اخر فرن عالى تم اقامته فى عام 1979، اى ان عمر الافران العالية الافتراضى انتهى من حيث زمنه ومن حيث عدد الصبات وبذل مهندسى الحديد والصلب وعماله الجهد الكبير فى العمرات لهذه الافران ؛ حتى وصل الامر الى انه لا يوجد غير فرن عالى واحد يعمل وبغير طاقته ، نظرا لعدم توفير فحم الكوك بالقدر اللازم – علما بأن شركة الكوك اقيمت اصلا لخدمة صناعة الحديد والصلب .
اضاف المؤرخ العمالي ان كل ما يتردد من ان المصنع يخسر باعتبارها مزاعم لاغلاقه ، غير مقبول ، مؤكدا انها ليست اول مرة المصنع يخسر ، وكانت الشركة تسحب من البنوك علي المكشوف من قبل وجود الشركات القابضة ، وكانت الدولة تغطي القروض ، والشركة اخدت قروض من الاتحاد السوفيتي ايام عزيز صدقي بفائدة 5’2%، وفترة سماح ١٢سنة .
وعن الاضرار المحتملة في حالة اتخاذ قرار بتصفية شركة الحديد والصلب ، حذر الانصاري من عدة خسائر قائلا : انها الصناعة الوحيدة القائمة علي صناعة الصهر ، بمعني تسييح الحديد بمكونات ثلاثة ، ونأتي بالخام من منجم الواحات البحرية الذي تمتلكه الشركة ، وليس مجرد منجم وفقط ، ولكنه منجم ومدينة سكنية وعاملين ، ومعيشة كاملة ومعدات ، وفي حالة الغلق
يصبح لدينا طاقات للثروة المعدنية مهدرة علي الارض
مضيفا ان محاجر بني خالد في المنيا ستتوقف لو توقفت الحديد والصلب ، بعمالها ومعداتها ، لانه محجر ملكية الحديد والصلب .
اضاف الانصاري انه من الخسائر الاخري التي تنتج عن اغلاق الحديد والصلب ، توقف شركة فحم الكوك، فلن تستطيع تصريف منتجاتها الا عن طريق التصدير، فمحليا يشترك الكوك في مكون صناعة الحديد، و التصدير ١٠٠٪ لم يعد الفحم الوسيلة الامثل له ويتجه العالم للاستغناء عنه .
اوضح صلاح الانصاري ان اهمية صناعة الحديد والصلب تأتي لكونها صناعات تنتج علي منتج الشركة ، وانها صناعة مغذية ، تغذي صناعات اخري ، مثل الانتاج الحربي ، المواسير ، النصر للمطروقات ، العامة للمعادن ، فاعمدة كهرباء الريف من منتجات الحديد والصلب ، لافتا الي انه في حالة التصفية لن نوقف الحديدوالصلب فقط ، ولكن نوقف الصناعات المغذية .
وقال الانصاري ان البعض ربما تكون مزاعمه بالحصول علي هذه المنتجات من القطاع الخاص، ولكن السؤال هل بنفس السعر ونفس المعمل ؟ شارحا بان كل منتج للحديد والصلب به كارت للمعمل والمواصفات ، غير موجود باي شركة اخري.
ومن الخسائر التي تحدث عنها الانصاري ، خسارة الاارضي ، ومكونات انتاج المصنع من افران وصلب و درفلة ، وان جميعها سيباع خردة .
وقال الانصاري ان مصنع الحديد والصلب هو حلم ثورة ٢٣ يوليو ، بان يكون بمصر صناعة ثقيلة ، والحديث عن تصفيتها هو اهدار لطاقات قائمة عليها صناعات اخري لصالح من؟
و طرح الانصاري تساؤلا ، ماذا لو مصر دخلت حرب ، وطلبت من اي مصنع قطاع خاص حديد لمساعدة الجيش لبناء دشم صواريخ ، فهل بمقدور الدولة ان تلزم القطاع الخاص بذلك ؟ مجيبا بالطبع لا .ولكنها الزمت الحديد والصلب في حرب الاستنزاف لانتاج مائة الف طن، واعطت الشركة مهلة ٤ اشهر للانتهاء منه ، ولكن الشركة انتهت منهم في ٤٠ يوم .
وقال الانصاري نحن نتحدث عن امن قومي وليس صناعة ، انها صناعة وطنية تساهم في تعزيز الامن القومي المصري وهو حقيقة مثبتة تاريخيا اثناء حرب الاستنزاف في بناء حائط الصواريخ .
اضاف المؤرخ العمالي صلاح الانصاري ان ما تم ذكره هو ما يتعلق بالبعد الصناعي ، ولكن هناك بعد اخر يجب الالتفات اليه ، قائلا لماذا اعددنا طبقة عاملة صناعية والان نسعي لتسريحها، احضرنا عمالة من الحقول ودربناها لتقف علي المكينة .
اشار صلاح الانصاري الي ان تصفية الحديد والصلب وتأثر الصناعات المغذية، يعني تقليص لحجم الطبقة العاملة الصناعية ، وهو ما يعني تقليص العضوية النقابية ، لان خروج كل عامل يؤثر علي العضوية النقابية وخاصة انها صناعة مرتبطة بصناعات اخري .
واكد ان فتح المعاش المبكر اثناء عاطف عبيد وخروج ٥ الاف عامل من الحديد والصلب ، خسرت بذلك نقابة الصناعات الهندسية ٥ الاف عضوية نقابية ، ونقيس علي ذلك كافة العمالة المرتبطة بالحديد والصلب ، اذن فالخسائر بشكل عام تشمل الصناعة والايدي العاملة والعضوية النقابية .
وعن البدائل المقترحة لحل ازمة الحديد والصلب قال صلاح الانصاري : علاقتنا الان ايجابية مع روسيا ، وهي دولة متقدمة جدا في صناعة الحديد والصلب ، و روسيا يهمها كدولة ان تعزز تواجدها مرة اخري في مصر عن طريق التعاون الصناعي ، مؤكدا ان الحل يتطلب ارادة سياسية ، اذا تم التوافق والاتفاق بين الدولتين علي بعث الحديد والصلب سيكون الطريق الامثل ، الاتفاقية مع روسيا لا بديل عنها لاحياء صناعة الحديد والصلب .