أميرة عبد الله تكتب: مذكرات عاشق

أنت خامل وكئيب ولا تتغير يا “أصيل” وما عاد يمكنني أن أحبك هكذا”
قالت لي هذه الجملة؛ فصفعت بها قلبي الذي امتلأ بها ومضت، وأنا أنوس بنظراتي كالذي أصيب بصدمة أصابت كل ما فيه بالشلل التام! قالتها بعد محاولات عديدة للتشكيك في نفسي بعدما كانت في أتم ما يكون محب في انبهار بحبيبه، حاولتْ أن تفقدَني ثقتي بنفسي، وكان ذلك مما لا يستعصي أبدا عليها، وقد نجحت في ذلك، ولم لا؟ وقد وجدتني ضعيفا، هشا، سذجا، ولعبة في يد الرياح، فكان سهلا جدا أن تنبذني بالعراء وتمضي غير مودعة، أو ملقية عليّ سلام المودعين أولاد الأصول حين يضطرون للمغادرة لظروف قهرية، لم تترك لي أدنى فرصة للدفاع عن نفسي، أو للدفاع عن نفسها في نفسي! نعم، فهي لو قالت لي نصا: أنا أكرهك يا “أصيل” لالتمست لها أدنى عذر، ولكتمت في نفسي وكل جوارحي تنطق: ولكني أحبك؛ إلا أن للكرامة أجراسا حين تدق؛ فتمنّ على أهل الأرض السلام! عزة نفس الأحرار أبية، وأنا حُرٌّ، والحر لا يُهان ولو بلغ الحب النصاب ووفّى!
لسيت هذه التى أحببتها ورأيت الدنيا في عينيها وبعينيها، ليست هذه التي كانت تقول لي: اذكرني كلما عانق عينيك وجه القمر!
يمكن أن أكون كئيبا وخاملا؛ لكنني أحببتها، وبحبها أحببت نفسي التي هي أهون منظور إليه عندي؛ مغيرا النظرية الفلسفية لتصبح: “أنا أحب إذا أنا موجود”
“أحببتك يا “سيرين”، وصرت -بذلك الحب العظيم- بين الخلائق منتشيا بكرة وعشيا، فلمذا تغربين الآن عني “يا سيرين”؟!”
هممت أن أكتب إليها هذه الرسالة؛ ولكن ماذا عساك أن تقول لها يا “أصيل”؟ دائما في مثل هذه المواقف الكلام ليس له معنى عند التلفظ به، يشعر المُفَارق أن يد مُفارقة تسللت إلى مخدعة وقتلته على حين صبّ ووله وتعلق!
لماذا يفلتون أيديهم ونحن في أشد الحاجة للتشبث بها؟ لماذا يتركوننا ونحن عالقين فيهم كالأطفال؟ لماذا تتغير نظرتهم، وتُبَدّل مشاعرهم؛ فنصبح أمامهم كالعدم ليس لنا وجود؟ ينسوننا ويمضوا طارقين أبوابا أخرى، سالكين دروبا أخرى، نابضين بمشاعر أخرى لوجهة أخرى، ونحن المساكين أرباب العشق والجوى لنا نار الاشتياق نصلى فيها سعيرا وبئس مصيرنا يا ويلاه!
اهدأي يا ثورة نفسي، واتئد يا فوران قلبي، فليس للحب ذنب في أفاعيل مدّعي المحبة، الحب تضحية، بسالة، وفاء، الحب أن أقبل محبوبي بالذي يكن عليه، وتكون عيناي كليلة عن كل عيب فيه، الحب من هؤلاء الملاعين براء !
لم أنم تلك الليلة، كانت عيناي تشع احمرارا، وتصطرخ بكاء؛ ولكنه بكاء كالدم! اشتدت حمرة وجهي من شدة ارتفاع الحرارة، قلبي كان خافقا بشدة، وتفكيري كان كتِرس دائر، طاحونة أُطحن فيها؛ فبدوت كالمنبطح على الأرض، أو هو تماما! مشهد كلما حاولت نسيانه هرول وقفز إلى ذاكرتي!
مرت سنة وأختها، مرت السنوات وأنا أمرّ بذلك المشهد كل ليلة، ويمرّ بي كل نبضة، أخبروها أن هناك عاشقا صُلِب على مقصلة الشوق في الركن البعيد لا يرى أحدا، ولا يراه أحد!
إمضاء: (حياة قلم)