أهم الأخبارآراء

تهجير الفلسطينيين وسلام المقابر


محمد حربي
ما أشبه الليلة بالبارحة !؛ وعجلة الزمان تعود إلى الوراء؛ لتتوقف أمام مذبحة دير ياسين، التي دبرتها الصهيونية؛ لتهجير الفلسطينيين في النكبة الأولى (عام 1948م .). واليوم، بعد نحو 76 عاما، يكاد التاريخ يعيد نفسه، ومعه تحبس الأمة العربية والإسلامية أنفاسها؛ بينما أختار العالم الجلوس على مقاعد المتفرجين، وهو يشاهد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي- بنيامين نتانياهو، يهدم المعبد فوق رؤوس الجميع، بخطته لاقتحام مدينة رفح، أخر محطات جرائمه في تجريف قطاع غزة. إذ أنه منذ معركة ” طوفان الأقصى ” يوم 7 أكتوبر ( عام 1948م.)، و” نتانياهو ” يعلن أنه يبحث عن قيادات ” حماس” للقضاء عليهم، واستعادة المختطفين الإسرائيليين؛ بينما في الحقيقة، هو يسعى لإبادة القطاع عن بكرة أبيه، والقضاء على البشر والحجر؛ لإنهاء القضية الفلسطينية، وتصبح الأرض بلا شعب؛ فلا يكون هناك طرف فلسطيني، يقاوم أو يفاوض إسرائيل، التي قضت على الجميع؛ وبذلك تحقق منفردة ” سلام المقابر ” .
وقطعاً، فأن معركة ” طوفان الأقصى “، التي دخلت شهرها السابع اليوم – كأطول حرب بين فلسطين وإسرائيل منذ النكبة الأولى عام 1948م.-، فقد هزت صورة العسكرية الإسرائيلية. وعبثاً، حاولت البروباغندا الصهيونية – وهذا دأبها -، صناعة رأي عام دولي يتعاطف مع إسرائيل – التي تجيد أداء دور الضحية، المفترى عليها، منذ المحرقة النازية -،ويتضامن مع حق ” تل أبيب” في رد الاعتبار، بعد الصفعة المهينة، التي تلقتها من المقاومة الفلسطينية. وقد نشط اللوبي الصهيوني، لحث القوى الإمبريالية الغربية، بما فيها أميركا، لدعم الموقف الإسرائيلي.
وسريعا، تدفقت المساعدات الأوروبية، على إسرائيل، وأقامت واشنطن جسراً جوياً مع ” تل أبيب”،، وفتحت مخازن ترسانتها العسكرية أمام قوات الاحتلال، بل واستخدمت الدبلوماسية الأميركية ” الفيتو ” ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي، كغطاء لجرائم حكومة “نتانياهو”؛ لمنحه الوقت الكافي، لتنفيذ مهمته السريعة، في غزة، باستعادة المختطفين الإسرائيليين، والقضاء على حركة ” حماس”. إذ أن المخيال الصهيوني، يظن أنه بتصفية قادة المقاومة، تنتهي القضية الفلسطينية؛ وهذا الوهم عاشته جولدا مائير – رابع رئيس وزراء لإسرائيل، عندما قالت: “إننا نعتمد على أن الآباء يموتون والأبناء ينسون” .
وكم طال انتظار حلفاء إسرائيل !؛ وهم يترقبون لحظة إعلان الحكومة الإسرائيلية، إنجاز مهمتها السريعة من الحرب على غزة؛ بالقدر الذي يرد الاعتبار إلى ” تل أبيب “، ويعيد الثقة إلى الجندي الإسرائيلي؛ بعد عملية ” طوفان الأقصى ” المذلة. وكعادته !، في الصلف والعناد والتجبر؛ فقد فاجئ ” نتانياهو ” الجميع، بممارسة هوايته في الإبحار عكس التيار، وانحرافه عن مسار الرد العسكري المناسب، والسير نحو حافة الهاوية؛ والزج بقوات الاحتلال، لخوض حرب مفتوحة أمام المقاومة الفلسطينية في كافة مدن القطاع؛ وبلا أي أفق واضح المعالم.
وظل المجتمع الدولي، في حالة صمت أهل القبور، أمام أفعال النازي الجديد، وهتلر العصر ” نتانياهو “،الذي يمارس جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين!. وحتى القوى الامبريالية الغربية، بما فيها أميركا، ما كانت لتتحرك؛ لولا وقوعها تحت ضغط المدافعين عن حقوق الإنسان، فاستشعرت الحرج، وخرجت عن صمتها، لتعلن رفضها للانتهاكات الصهيونية ضد الإنسانية. وقد فسر البعض هذا بمحاولة القفز إلى الأمام، واستباق أي محاولة لوضعها في قفص الاتهام، كشريك لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، في الدعوى القضائية؛ التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا.
وكأن التاريخ يعيد نفسه !. وهذه المقاربة تمر عبر نافذة كتاب الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، بعنوان” الفكر الصهيوني في مذكرات إينشتاين وإريل شارون “، وفيه حالة رصد لما حدث في العقد الثامن من القرن الماضي؛ عندما جعلت مدافع منظمة التحرير الفلسطينية – خلال مرحلة تواجدها في جنوب بيروت –منطقة شمال إسرائيل، الليل والنهار فيها يستويان. ووقتها عاش الجيش الإسرائيلي لحظة الانكسار، و قد غضت القوى الإمبريالية الغربية، ومعها واشنطن – كالعادة – الطرف بعض الوقت؛ ريثما تنهي ” تل أبيب ” مهمتها في الانتقام من المنظمة، ورد الاعتبار للكرامة الإسرائيلية؛ إلا أن حكومة ” بيجين”، ووزير دفاعها ” شارون “، اختارت الحرب المفتوحة.
وتم إعداد خطة ” أورانيم ” – إسم الشفرة – لتنفيذ عملية تدمير القواعد السياسية والعسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والقضاء عليها، داخل الأراضي اللبنانية؛ إلا أن الخطة فشلت. وتدخلت روسيا، وطلبت من الإدارة الأميركية، وقف القتال، وفرض هدنة بين الطرفين يوم 24 يوليو ( عام 1981م.)، رغما عن أنف بيجين “؛ الذي رفض في البداية، قائلا لوزير الخارجية الأميركي: ” لم يُلدْ بعد الذي سيحصل على موافقتي حتى أشهد قتل اليهود على يد عدو متعطش للدماء”. ومع الأيام، ذهبت حكومة ” بيجين “، وظلت منظمة التحرير الفلسطينية تناضل؛ ولم تجد إسرائيل ثمنا لأمنها؛ إلا بالجلوس على طاولة مفاوضات سلام أوسلو ( عام 1993م. ) – خيار العقلاء – .
ويبدو أن ” نتانياهو “، لا يقرأ التاريخ، ويتعلم من تجارب سلفه السابقين” بيغين”، و” شارون”، أن فكرة القضاء على المقاومة، وتصفية القضية الفلسطينية، هي أوهام غير العقلاء؛ وقد يحتاج ” بيبي “، أن يراجع طبيبه الخاص، والاطمئنان على صحته النفسية، التي قد تكون أكثر أهمية من العملية الجراحية، التي أجراها ” فتق”؛ لأن الفتق الذي سيسببه، عند اقتحام رفح، وتهجير الفلسطينيين، قد يكون الشرارة، التي تشعل إقليم الشرق الأوسط، وتحرق المصالح الإستراتيجية للعالم كله في المنطقة؛ من أجل أحلام ” نتانياهوية ” في العودة من غزة بنصر، يصنع منه تمثال المجد الشخصي .
كاتب وصحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى