تتجهُ كل الأنظار صوب مملكة البحرين غداً الخميس، الموافق ١٦ مايو ٢٠٢٤، لمتابعة قمة المنامة العربية، في دورتها الثالثة والثلاثين؛ التي سوف تنطلق أعمالها على مستوى القادة، من ملوك، وأمراء ورؤساء، وتَنعقدُ في ظلِ ظروفِ استثنائية – تلك الصفة التي غلبت على معظم إن لم يكن كل القمم السابقة-، يشاهد فيها العرب جميعاً، أحداث الفصل الثاني، من المسرحية الصهيونية الهزلية” تهجير الفلسطينيين”، وتكرار نكبة (عام 1948م.). وفي مسرح الأحداث الجارية؛ قد يجد النظام العربي الرسمي نفسه من جديد، أمام امتحان صعب، سبق ورسب فيه منذ قرابة 76 عاما، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي!. ولذا يجب على العرب، أن يستفيدوا من دروس الماضي، من خلال التفكير الجماعي، وبروح تنسجم مع طموحات الشعوب؛ التي تنزف قلوبها دماً، وهي تشاهد جرائم الإبادة الإسرائيلية، ضد الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، منذ قرابة ثمانية شهور، بتآمر من القوى الإمبريالية الغربية، مع عجز أممي، و”فيتو” أميركي، يجهض كل قانون، يريد أن يعاقب إسرائيل، في مجلس الأمن الدولي!.
إن الإشكالية العربية الحقيقية، عند التعامل مع الكيان الصهيوني المحتل، تكمن في تلك الفجوة، ما بين آمال وطموحات، وحماس شعوب، تزأر كزئير الأسود في عرينها، وهي ترى ما يلوح في الأفق، من ملامح خطة صهيونية، تستهدف إفراغ قطاع غزة من سكانه؛ لتحويله إلى مدينة أشباح، غير قابلة للحياة فيها، ومن ثم تهجير الأشقاء الفلسطينيين، وخلق نكبة جديدة. وفي المقابل، فإن الأنظمة الرسمية العربية، لها حساباتها المختلفة، لأنها قد تجد نفسها أمام معادلة دولية معقدة، تحكمها مواءمات ومصالح متضاربة، في ظل واقع جسد عربي عليل، بعضه مثخن بجراح التمزق الداخلي، والآخر يتوكأ على عصا، ليس بفعل الشيخوخة، وعامل الزمن، ولكن من ثقل هموم الخلافات، والمنافسات البينية؛ والتي لعبت فيها إسرائيل والقوى الإمبريالية الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، دوراً كبيراً في صناعتها وتعميقها.
وقد فطن عقلاء الأمة إلى مخططات التقسيم والتفتيت الخارجية؛ لذا جرت بعض المحاولات الجادة، في محاولة لتنقية العلاقات العربية البينية من الشوائب العالقة. ومن “المصارحة قبل المصالحة”، إلى ” تصفير الخلافات”، وكلها جهود المخلصين من القادة العرب؛ والتي لم تتوقف يوماً من أجل تضميد الجراح، وإعادة ترميم البيت العربي، ووحدة الصف، وجمع الكلمة، ولم الشمل، من منطلق أهمية كل ذلك، وضرورته الحتمية، من أجل إجهاض وإفشال المخطط الصهيوني؛ الذي يهدد العرب جميعاً. وربما جاءت معركة ” طوفان الأقصى”، في السابع من شهر أكتوبر ( عام 2023م.)؛ لتكون كاشفة لهذا المخطط الإسرائيلي الخبيث. وأن أخطر في هذا المخطط، أن عمليات الاحتلال العسكرية المتوحشة، تتخطى مجرد جرائم الإبادة الجماعية ضد الأشقاء الفلسطينيين؛ والتي راح ضحيتها أكثر من 100 ألف ما بين شهيد، وجريح، بخلاف المفقودين، مع تدمير كامل للبنية التحتية؛ لتفريغ القطاع من سكانه.
ولقد أدرك الجميع، الهدف الحقيقي من العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني في غزة، وجسر التسليح الممتد من “واشنطن” إلى “تل أبيب”. وأنه لم يكن أبداً من أجل رد الاعتبار للجندي الإسرائيلي؛ الذي اهتزت صورته في عيون العالم، ولا حتى لاستعادة المختطفين الإسرائيليين من يد المقاومة الفلسطينية؛ بل كان لتنفيذ ” نتانياهو” خطته في تهجير الفلسطينيين، إلى خارج فلسطين، وبعدها الطريق مفتوحاً أمام القوى الصهيونية، للمضي قدماً نحو إقامة الدولة اليهودية، وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وأيم الله، ما كان للحكومة الإسرائيلية أن تتغطرس، وتفعل كل ما فعلته، بل ومازالت مستمرة فيه؛ إلا عندما أمنت العقاب، وعلمت أنه ليس هناك من يستطيع أن يكبح جماحها، وخاصة في ظل الواقع العربي الراهن؛ الذي عبر عنه سعادة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وزير الخارجية ورئيس مجلس وزراء قطر الأسبق، في واحدة من تغريداته، على منصة” اكس”،بقوله: “ما أشبه اليوم بالبارحة ! بل أكاد أقول إن واقعنا العربي اليوم، أسوء مما كان عليه قبل ثمانمئة عام.. فأمتنا العربية تمر الآن بمرحلة بالغة الصعوبة، تذكر بمرارة بما مرت به بعد اجتياح المغول لبغداد وانهيار الخلافة العباسية في القرن الثالث عشر”.
وعليه، فإن الأمر جد خطير!. ومن المهم العمل على ردم الهوة، وتقريب المسافات بين الحماس الشعبي العربي؛ الذي يحلق بآماله وطموحاته فوق السحاب، وبين الأنظمة الرسمية العربية، التي تعيش الواقع، وعينها على معادلة القوى العظمى، وتوازنات دولية، محكومة بقواعد لعبة، أوراقها بيد من جلسوا على الطاولة. ومن يرد المشاركة، فعليه أن يترك مقاعد الحياد، لأن الزمن قد تجاوزها. وعليه في التفكير، وبشكل عملي من أجل إيجاد مكان له بين اللاعبين على الساحة العالمية. وحتى ينجح في تحقيق هذا الهدف، فإنه ينبغي أن تُحسن الأمة الظن بنفسها، ويعذر بعضها البعض. وأن تتسع الصدور بين شركاء المصير الواحد، مع الأخذ بعين الاعتبار، ما كان من رواسب السنوات الماضية؛ التي جعلت الخلافات العربية- العربية، تصبح أكثر اتساعاً، وأصعب تعقيداً من بعض الخلافات بين العرب و الكيان الإسرائيلي.
إن قمة المنامة العربية في البحرين، على موعد مع القدر، لتحفر اسمها بأحرف من نور في سجل التاريخ؛ عندما يجلس القادة العرب، وقد أغلقوا صفحة الماضي في العلاقات البينية، وتسامحوا فيما بينهم، وصدقت النوايا في توظيف ما يملكون من أوراق ضغط دولي، على غرار ما حدث في حرب أكتوبر العظيم ( عام1973م.)، لردع إسرائيل عما تنوي القيام به في مدينة رفح، وخطة ” نتانياهو” بتهجير الفلسطينيين، وخلق ” نكبة جديدة”، وتصفية القضية الفلسطينية. إن الشعوب العربية، سوف تظل تحلق في فضاء الآمال والطموحات، وتترقب قرارات الأفعال، لا الأقوال، وهي تردد قول الشاعرة العربية ريما العلوي: ” : يا أُمة العُربِ استفيقي وانهضي ..هـــذي فلسطين تئنُ وتشتكي “.
كاتب وصحفي
Moiharby1968@yahoo.com