آراءأهم الأخبار

محمد حربي يكتب: الصهيونية لا تنتظر الذرائع


ارْتّوت الأرض الفلسطينية بدماءِ الشهداء الفلسطينيين الأبرياء من المدنيين، ومنذ عهد يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، أول قائد عسكري في تاريخ بني إسرائيل- خلال الفترة ما بين القرنين ال13 ق م وال12 ق م-. والذي قام بغزو فلسطين، وإحراق مدينة أريحا، وغيرها، وقتل كل سكانها. ولدرجة أن اليمين الإسرائيلي المتطرف، أصبح يستقي فكره من التراث العسكري في “سِفر يُوشَعُ “، وليس هذا فحسب؛ بل أن مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون رأى في نفسه أنه ” يُوشَعُ ” العصر الحديث، وحاول أن يربط بين حرب 1948م.، وحرب ” يُوشَعُ “. حتى الشاعر الصهيوني حاييم نحمان بياليك (1873-1934)، ومن خلال قصيدته “آخر موتى الصحراء”، يحث اليهود في الشتات، السير على خطى ” يُوشَعُ “، لاستعادة مملكة داوود من العمالقة – أول شعب وقف في وجه الإسرائيليين قديماً-.
وعند ربط الحاضر بالماضي، يطفو على السطح تاريخ الصهاينة الدموي؛ ليغلق الباب على هواة الصيد في الماء العكر. ويثبت للجميع، بما فيهم مروجي بضاعة الاستسلام لا السلام الراكدة، والخدام بالمجان، والمتخاذلين، من المطبعين، بأن ما يحدث في غزة، منذ معركة ” طوفان الأقصى ” يوم 7 أكتوبر ( عام 2023م.) وحتى الآن؛ ما هو إلا حلقة جديدة من حلقات مسلسل جرائم إبادة بني صهيون المستمرة، ضد الشعب الفلسطيني. وتؤكد بما لايدع مجالاً للشك، أن الصهيونية المتعطشة للدماء دوماً، لا تنتظرَ الذرائع!.
و لَعَمْرُكَ، فإن آفة الأمة الحقيقة، لا تكمن في إشكالية النظارة لقراءة التاريخ؛ بل في انعدام البصيرة – فإنما لا تعمى الأبصار-!؛ التي سادت معها المغالطات؛ فانقلبت الحقائق، وتحول سفاك الدماء إلى ضحية، والمجني عليه، أصبح هو الجاني!. ولذا، فلا غَرْو أن تجد من يخرج، بين الحين والآخر، ليرمي عملية ” طوفان الأقصى ” بحجر، و نَسِيَ أنها أعادت قضية فلسطين إلى الصدارة؛ وربما كانت الحلقة الأهم في نضال الشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال الصهيوني؛ الذي ينتهك الحقوق، والمقدسات الفلسطينية. ولأن النسيان من طبائع أصحاب الذاكرة السمكية؛ لذا، فهم يتناسون جرائم الصهيونية، من تقتيل، وإرهاب، وتنكيل، ضد الفلسطينيين؛ ومنذ أكثر من ستة وسبعين عاماً، في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل.
وقد كان الوعد المشؤوم – من لا يملك أعطى من لا يستحق- بتأسيس وطن قومي لليهود على الأراضي الفلسطينية، هو بداية التاريخ الدموي للاحتلال الصهيوني في العصر الحديث. ولعل قول “بن غوريون”: “إن الوضع في فلسطين سيُسوى بالقوة العسكرية”، يلخص المنطلق الحقيقي للإستراتيجية الصهيونية، من أجل تحقيق أهدافها، وتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة، لإقامة مملكة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وقد عمد القادة الإسرائيليين إلى سلاح المجازر المنظمة، بجناحيه من عصابات الصهاينة” الهاجاناه، والأرغون، وشتيرن ” والجيش الإسرائيلي، لإرهاب الفلسطينيين، وإثارة الرعب في قلب كل فلسطيني، لينجو من مصير القتل، ويرحل عن الأرض؛ ليحل محله المستوطن الصهيوني.
ومهما نسج هواة التضليل من أساطير لتزييف الواقع، فإن جعبة التاريخ مليئة بالحقائق، عن دموية الصهيونية؛ والتي لم تتوقف منذ أكثر من 76 عاماً، بعدما أدرك الكيان الإسرائيلي، أن مخطط الحرب النفسية، وحملات التهجير القسري، لا يكفيان بمفردهما لتفريغ المدن والقرى الفلسطينية من الفلسطينيين؛ ولذا عمد إلى سلسلة من المجازر والمذابح البشرية. وبدأ تنفيذ المخطط الدموي من قبل “النكبة”؛ حيث وقعت مجزرة حيفا في مارس (عام 1937م.)، وبعدها بأقل من تسعة أشهر، جاءت مجزرة القدس، وخلال ( عام 1938م.)، وقعت ثلاث مجازر في سوق مدينة حيفا، ومجزرتين في القدس، وفي (1939عام م.) شهدت مدينة حيفا ثلاث مجازر أخرى، ومنها واحدة في بلدة الشيخ، أو ما يطلق عليها تل غنان، وفي (عام 1947م.)، وقعت ثلاث مجازر في حيفا، واحدة منها في سوق المدينة، والثانية بقرية تل غنان، والثالثة بالشيخ بريك. وفي نفس العام، وقعت مجزرة العباسية بشرق مدينة يافا، ومجزرة الخصاص، إحدى قري قضاء صفد، بينما شهدت القدس مجزرتين أخريين.
ومن ينسى المجازر السبعة والثلاثون، عشية نكبة (عام 1948م.)؛ وقد شهدت مدينة القدس، خمسة منها، عند فندق سميراميس، وبوابة يافا، وبناية السلام، وفي قرية قالوينا، بالإضافة إلى مجزرة دير ياسين في غرب القدس. وكان نصيب مدينة يافا أربعة مجازر، وهي: السرايا العربية، السرايا القديمة، وقريتي يازور، وأبوكبير . بينما ابتليت مدينة حيفا بخمسة أخرى، منها أثنين بسوق المدينة، والثالثة بشارع عباس، والأخريين بقريتي طنطورة، وأم الشوق. وأما مدينة صفد، فشهدت ست مجازر دموية، ومنها اثنتين بسوق المدينة، وثلاثة في قرى: سعسع، والحسينية، وعين الزيتون، والصفصاف، بالإضافة لمجزرة عرب المواسي؛ والتي وقع جزر منها في عكا وطبرية. وكان قدر مدينة الرملة، أربع مجازر، سواء في سوق المدينة، أو قرى أبو شوشة، وجيز، وجمزو. وأمتد الحقد الصهيوني إلى المدن الأخرى، ووقعت بمدينة طبريا ثلاث مجازر، في طبرية، وقريتي ناصر الدين، والمجدل.
وبجانب هذا وقعت مجزرتين جديدتين في منطقة الجليل، بقريتي عيلبون، ومجد الكروم، فضلا عن مجازر طيرة بمدينة طولكرم، وقرية اللجون في غرب مدينة جنين، ومذبحة قرية بنت دارس بشمال شرق غزة، ومجزرة مدينة اللد، ومجزرة قرية الحولة. وكأن كل هذه المجازر لم تروي عطش الصهاينة، فامتدت يد الغدر إلى خطوط القطارات؛ حيث وقعت المجزرة الأولى، ضد ركاب قطار خط القاهرة – حيفا، والمذبحة الثانية، تعرض لها ركاب قطار حيفا – يافا. وظلت المجازر الوحشية الصهيونية؛ حتى بعد النكبة، سواء في مذبحة قرية قبية بالضفة الغربية ( عام 1953م.)، أو مذبحة مدينة قلقيلية (عام 1956م.)، وفي العام ذاته، وقعت ثلاثة مذابح، منها مذبحتي مخيّم خان يونس، والثالثة بمخيم رفح للاجئين.
وكل هذه الجرائم الوحشية الصهيونية، لن تنساها ذاكرة الأجيال الفلسطينية القادمة، ولم تثن عزيمة أحرار فلسطين على المواجهة والصمود، دفاعاً عن الأرض، وتهويد القدس، ولإفشال مخطط حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وتبقى المقاومة، حقاً مشروعاً، أقرته المواثيق الأممية، والأعراف الدولية، من أجل أن تنال الشعوب استقلالها، والمواقف تفرز الرجال. وعلى رأي المثل “الصديق .. وقت الضيق”؛ وقد عبَّرَ عنها الفنان الكوميدي المصري نجيب الريحاني، في أحد أفلامه بقوله: ( إذا لم تكن لي والزمان شُرُم بُرُم.. فلا خير فيك والزمان تَرلّلي) – شرم برم أي شر مستطير، وترللي، أي تراءى لي، وتيسر الحال-.
كاتب وصحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى