مما لا شك فيه أن النفس البشرية غاية في التعقيد .مهما وصلنا لدرجات علمية عالية فلن نستطيع الجزم بأننا قد وصلنا لحل اللغز ولو بالقليل عن ماهية النفس البشرية .
حيث أننا لا يمكن أن نتوقع ردود فعلها عند بعض الناس بنسب متساوية . فلكل منا كم من الإحتمال لا يتساوى مع الآخر عند تعرضه لنفس الظروف التي مر بها غيره .
الأمر الآن أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل فلقد أثرت مواقع التواصل الإجتماعي بشكل ملحوظ بل ومرعب على الشخصية البشرية بوجه عام وعلى الشخصية العربية بوجه خاص .
ومن مظاهر هذا التأثير وأخطرها هو التأثير العاطفي والذي يأخذ المرتبة الأولى من حيث الخطورة بعد الفكر المتطرف في توجيه المجتمع .
فكلاهما يؤدي إلى تمزيق الجسد العربي والإنهاء على القيم التي تربينا عليها .
لقد أصبح الأمر الأن غريب وكأن المجتمع أصيب بإنفصام الشخصية “الشيزوفيرينيا” .
نجد الرجل يحب زوجته ومتمسك بها ولكنه ينجذب لأكونت يرتبط معه بأحببته❤️ ويعاتبه بأغضبني😠 وينهي العلاقة بالبلوك 🚫 .
هذه هي العلاقة الإلكترونية والتي جعلت منا ريبوتات أصبحنا نهرب من واقع حزين لنعيش واقع ممسوخ آلة تريد الحياة بلا روح .
حتى المرأة العربية وجدت من الميديا متنفس لها فكل ما حرم عليها فعله من علاقات انسانية واجتماعية وثقافية تثبت فيه ذاتها أصبح الآن تحت إمرتها بكبسة ذر .
فمن غير المقبول أن نتناسى ديننا وقيمنا لإرضاء غرائز من شأنها أن تدمر كياننا وتاريخنا الحافل بالعزة والشرف .
ولكن يتبقى لنا كلمة في مدى دور مواقع التواصل الإجتماعي في التعبير عن المشاعر والرقي الفكري والعاطفي بعيد عن الإسفاف الغرائزي .
الحب علاقة راقية لم يحرمها الله ولم يبغضها بل هو لغة التقارب الروحي بين البشر بعضهم بعضاً .
ويختلف التعبير عن الحب حسب ثقافة الفرد والبيئة المحيطة به وطريقة عبادته لله .
فنجد أن الحب في الماضي البعيد والقريب يختلف كلياً وجزئيا عن الحب في عصرنا هذا .
فالحب هو احتواء المحب لمن أحب وهو الرئة التي يتنفس بها أكسجين نقى من نظرة حانية لمحبوبه .
الحب منزه عن النواقص فحبنا لله يجعنا نرتقي بحبنا للبشر ويجعل من قلوبنا سكن لمن نحب .
الحب علاقة عجيبة مثله مثل رحلة عبر الفضاء بين النجوم لعاشق يمسك بيد معشوقته يحنو عليها بقلبه النابض يهبها الحياة .
الحب طائر يطير بنا على جناحيه يعلو بنا فوق السحابات ويلامس بأرجله ماء البحار .
الحب حياة على ضفاف نهر عذب وغدير يعزف مقطوعة حياة وفراشات تتراقص على نظرة لامعة لعين عاشق .
ولكن اليوم وبكل أسف أصبح للحب تعريف آخر بعد تداخل الفكر الغربي بالقلب العربي لينتج لنا نفسا بشرية غير معروفة الهوية .
لقد كان الحب سابقا نظرة على استحياء للمحبوب للحفاظ عليه من كل ما يمكن أن يشوبه .
كانت الفتاة عندما يدق قلبها لا تفصح عنه بل ومن الممكن ان تميت هذا الإحساس بداخلها متعمدة وهي راضية حفاظاً على سمعة عائلتها .
وكان الشاب يحاول لفت أنظار الفتاة بكل أدب وإحترام حتى لا يجرح مشاعرها وينقص من كيانها كأنثى راقية .
الميديا خلقت لنا نوعاً جديداً من الحب بين الشباب والفتيات بل والرجال أيضاً .
الحب الآن على الميديا حوار ومن ثم يتطور إلى ما هو أخطر نسأل الله العافية لنا ولكل شبابنا .
فلو قارنا مقارنة بسيطة بين الحب قديماً والحب بعد الميديا سنجد شئ صادما .
الحب قديماً كان يبدأ بنظرة خلسة تتلوها زيارة منزلية من أهل الشاب لخطبة الفتاة التي أحبها .
ثم نظرات غزلية من الشاب لخطيبته التي ستصبح زوجته عما قريب وهي ترد له بعض هذا الحب بواسطة كلمة تكتبها بكل رقي واتزان أو منديل قماشي معطر ومكتوب عليه اسمها .
كان الحب عاطفة جميلة غير مانراه الآن فالحب أصبح سلعة تباع وتشتري .
الفتاة الآن تحب السيارة والفيلا ودفتر الشيكات والقت بقلبها بعيدا عن حبها .
والشاب تجرد من النخوة والغيرة وأصبح كيان هش يحب جسد بلا روح أنثى مغرية مجردة من العاطفة الراقية .
ثقافة الحب اختلفت فكل شئ أصبح تك أوي في علبة مبهرة ولكن ما بداخلها محتوى فارغ من الفائدة .
وفي النهاية يجب علينا جميعا أن نزرع الحب مرة اخرى في حياتنا وحياة احبابنا ليزهر ارقى الزهور ببستان الحياة .