دكتور صالح محمد الغضوري: إعلامنا العربي غائباً عن ساحة التوعية الأسرية
الإعلام خط الدفاع الأول لمواجهة الغزو الفكري.. و"السوشيال ميديا" جعلت أفراد الأسرة تعيش في جزر منعزلة
حوار: محمد حربي
أكد الدكتور صالح محمد الغضوري- مدير إدارة الشؤون الاجتماعية بالمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي، أن الإعلام العربي غائباً عن الساحة، ودوره مفقود في التوعية الأسرية، موضحاً أن الإعلامي المستنير والمثقف، هو خط الدفاع الأول في مواجهة الغزو الفكري. وأن ” السوشيال ميديا”، جعلت أفراد الأسرة تعيش في جزر منعزلة. مشيراً إلى أن الفن بلا رسالة أو هدف نحو المجتمع؛ لافتا إلى أن الآمال معقودة على رجال الدين، من أجل بث روح الاستقرار في المجتمعات العربية. جاء ذلك في حوار خاص، لصحيفة” العمال ” المصرية، وفيما يلي نصه:
*بداية، حدثنا عن أهمية مشاركتكم في فعالية إطلاق التقرير المشترك، حول ” تقييم العلاقات الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج في العالم العربي”؟
حرصنا على المشاركة مع معهد الدوحة الدولي للأسرة؛ والذي يُعد، وبصدقٍ رائداً في القضايا الهامة، ذات الصلة بالتماسك الأسري، وكيفية حمايتها، عبر برامج التوعية المختلفة؛ سواء كنا نتحدث على مستوى المجتمعات الخليجية، أو بالنسبة للمحيط العربي ككل، بل وحتى الأسر العربية في بلاد المهجر، ويعزز من دوره هذه، تلك الشراكات، التي يقيمها مع المنظمات، ومنها جامعة الدول العربية، ممثلة في قطاع الشؤون الاجتماعية. وبالتالي، يمكننا القول: إن معهد الدوحة للأسرة، جذوره في دولة قطر، وفروعه تظلل الأسر العربية في كل مكان.
*ما هي المساحة التي تحتلها قضية تأهيل المقبلين على الزواج، من أجندة اهتمامتكم بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي؟
بادئ ذي بدء، ينبغي القول: إن الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، هي نبض المجتمع الخليجي، وبالتالي فهي لا يمكن أن تكون بمعزل عن قضاياه، بما فيها الاجتماعية، ومنها قضية تأهيل المقبلين على الزواج. فهؤلاء هم النواة الأولى لتكوين وبناء الأسرة القوية في المستقبل، سواء كان الحديث ينصب على الخليجية، أو العربية عامة.
وأن الأرضية التي ينطلق منها المكتب التنفيذ لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية، في الاهتمام بقضايا الأسرة، والمقبلين على الزواج تحديداً، تبدأ من الإسراع في تنفيذ قرارات وزراء الشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون، بحيث تكون هناك متابعة مستمرة لها؛ مع احتضان وتبني الدراسات الميدانية، والبحوث الاجتماعية، التي تقدم رؤية بحثية سليمة، بعد دراسة وتحليل، واستشراف للحلول، التي تتواءم مع البيئة الخليجية؛ حتى يتم مناقشتها على مستوى صناع القرار، ومن ثم تأطيرها في قالب تشريعي وقانوني.
*من هم شركاؤكم في تحقيق الأهداف المرسومة بالمجلس ؟
شركاؤنا الأساسيين هم: وزراء الشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون، وكذلك المنظمات الدولية، الموجود على مستوى دول مجلس التعاون، سواء كانت تابعة للأمم المتحدة، أو غيرها من المنظمات، وكذلك القطاع الخاص في المجتمعات الخليجية، من جمعيات، ومنظمات، ومؤسسات، المهتمة بالشأن الأسري، سواء كانت الطفولة، أو المرأة، والإرشاد الزواجي.
*كيف هي علاقتكم بمراكز الفكر والدراسات؟
نحن نهتم بالمسوح الميدانية، وخاصة في مجتمع دول مجلس التعاون الخليجي؛ ولذا نقدر الدور الذي تقوم به مراكز الفكر والأبحاث والدراسات، باعتبارها المختبرات الفكرية، وهي كالبوتقة التي تنصهر فيها الأفكار، من خلال عمليات العصف الذهني، لينتج لي رؤى علمية، يسترشد بها صناع السياسة والقرار.
*ما هي روافد المعلومات التي يبني عليها المجلس قراراته؟
تأتي من ثلاثة طرق أو روافد رئيسية، وهي: الرافد الأول، يتمثل في قرارات وزراء الشؤون الاجتماعية؛ الذين قد يرون أن المجتمع الخليجي يحتاج إلى دراسة أكثر وعياً، ومصداقية، أو من خلال الأرقام على مستوى دول مجلس التعاون، سواء كانت الأسرة، أو الطفل أو المرأة. وبذلك تكون القرارات نابعة من اللجنة الوزارية، حيث يدعو فيه المكتب التنفيذي إلى عمل دراسة علمية فنية؛ حتى يطمئن الوزراء إلى القرار الذي سيتم اتخاذه.
وأما الرافد الثاني؛ فقد قد نرى نحن في المكتب التنفيذي من خلال مشاركتنا في مثل هذه الفعاليات، أن هناك نقصاً معينا في المعلومات، في جانب معين بالنسبة للأسرة الخليجية، وبحاجة إلى بحث علمي متخصص دقيق؛ فيتم رفع طلب إلى مجلس الوزراء، وتتم الموافقة عليه، ومن ثم يتم تنفيذه في السنة التالية للاجتماع.
وأما الرافد الثالث؛ فقد تكون هناك توصية، صادرة عن اجتماع من الاجتماعات، ولو من منظمة خليجية، أو إقليمية وعالمية، ولكن فيها فكرة جديرة بالاهتمام؛ ويتم بناء على ذلك إجراء دراسة علمية بشأنها، لبحث مدى إمكانية تطبيقها.
*هل هناك سمات مميزة للبيئة الخليجية في شأن قضايا الأسرة؟
الأسرة الخليجية هي جزء الأسرة العربية الكبيرة، وبالتالي فقد تتقاسم المشاكل، والتحديات؛ وإن اختلفت في بعض الجوانب، فمن جانب، قد لا يعرف المجتمع الخليجي إشكاليات وضغوط مالية، ولكنه ربما تواجهه صعوبات من نوع آخر، وهي عكس للحالة الأولى، وتتمثل في زيادة الرفاهية، ودخول التكنولوجيا، وما لها من تداعيات سلبية؛ ولاسيما في حالة عدم الضبط لها والتي قد تتسبب في إفساد الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة، وتدمير الأسرة.
*ما هو العلاج من وجهة نظركم؟
هذا العلاج، يكون من خلال برامج التوعية، والتدريب، والتعليم المستمر؛ وعلينا أن نقتنع بأن مشاكل الشخص الذي يعيش حياة الرفاهية، والمتاح له كل شئ؛ قد تكون أصعب من هموم المجتمعات، التي تعاني من صعوبات اقتصادية. ومن ثم فالمعايير المادية، قد لا تكون مقياسا صحيحا لفهم مؤشرات العلاقات الاجتماعية، ومدى التماسك الأسري؛ إذ قد ترى أسرة فقيرة، وتعاني من عدم القدرة على تلبية احتياجاتها المادية، لانخفاض الدخول؛ ومع ذلك يوجد ترابط بين أفرادها، ويشعرون بالدفء الأسري. وفي المقابل؛ قد تكون هناك أسرة، وصلت إلى مستوى متقدم من الرفاهية الاقتصادية، و في يدها كافة مقومات الحياة المادية، ومرفهة جدا؛ ولكن بسبب توافر التكنولوجيا الحديثة لديها، وأجهز المحمول، يعيش أفرادها منعزلين عن بعضهم البعض، وكل منهم مع عالمه الافتراضي، بسبب “السوشيال ميديا “؛ فلا يشعر أحدهم بالآخر، ومن ثم يكونون داخل الأسرة الواحدة، يسكنون جزر العالم الافتراضي المنعزلة، وهذا في حد ذاته، ينذر بأمراض اجتماعية خطيرة، ولابد من البحث عن حلول لها.
*وكيف يكون التعامل في ظل السموات المفتوحة لحماية المجتمع والأسرة الخليجية من الغزو الفكري ؟
-الغزو الفكري الخارجي، تحدي يواجه الجميع على مستوى العالم، فلا فرق بين الأسر الخليجية، والعربية، أو غيرها شرقاً وغرباً، فالكل يتقاسم الهموم الإنسانية الواحدة. ولا نبالغ حينما نقول، بأن هناك من يقف وراء تدمير القيم والأخلاقيات، والحضارة الإنسانية. ومن ثم فهو غزو مدروس، وتنفق عليه ميزانيات ضخمة، لتحقيق الأهداف المنشودة لتدمير الأسرة الإنسانية.
*ما هي رؤيتكم للمواجهة ورفع الوعي؟
مواجهة الغزو الفكري والحفاظ على التماسك الأسري، تعتمد على ثلاث طرق أساسية: أولها، يتمثل في الوعي؛ حيث يجب أن يكون هناك برامج للتوعية، والتعليم والتدريب والتثقيف، على مختلف الأصعدة، إعلامياً، دينياً، ثقافياً، ومن جميع الأوجه. ومن المؤسف أن نرى الدور الإعلامي شبه مفقود وغائب عن القيام بمسؤولياته في المشاركة، من أجل توعية الأسرة، لمواجهة الغزو الفكري. وثانياً، هناك الجانب الديني، وله دور مهم جداً، من أجل تقوية الوازع الديني، سواء عند الأطفال، أو الشباب، أو كبار في السن، فهو شئ أساسي وقوي، بحيث تكون للإنسان قاعدة. لأنه للأسف الشديد، فإن ضعف المعلومات الأخلاقية الواضح على مستوى المجتمعات العربية، له تداعيات خطيرة.
وعليه ينبغي أن يزداد إحساس المسؤولين بأهمية دور الأسرة، ولابد من تشريعات وقوانين تساعد على حماية الأسرة، مع تفعيل دور المؤسسات الحكومية للوقوف في وجه هذه الحملات التي تدمر الإنسان، سواء عن طريق وزارات الإعلام، أو مؤسسات الصحافة؛ التي هي خط الدفاع الأول ، ويجب أن يكون هناك وعي، ووضع شروط أو أنظمة. وثالثاً، ضرورة الانتباه لمواقع التواصل الاجتماعي ، والهاتف المحمول الذي بيد الجميع، ومعه في كل مكان؛ خاصة حينما نتحدث عن الأطفال من 6 شهور وعام حتى كبار السن في ” العالم الافتراضي”. والخطورة الحقيقية تكمن في مدى التأثير على الأطفال، حيث نجد الطفل يعتمد في تركيزه على حاسة واحدة وهي البصر، وهذا يدمر باقي الحواس، وفي ذلك خطورة كبيرة، حتى أن بعض الأسر، تعاني من فقد أطفالها لحاسة البصر، بسبب أجهزة المحمول وشاشات الكمبيوتر.
*إلى أي مدى تعتقدون أن رسالة الإعلام والفن في التوعية الاجتماعية اختلف اليوم عن أمس؟
اسمعوها مني!، وسوف نقولها مراراً وتَكراراً، إن الإعلام هو خط الصد الأول في مواجهة الغزو الفكري الهدام والمسموم. وعليه، كلما كان الإعلامي مثقفاً، ومستنيراً، ويدرك دوره ومسؤوليته، كانت المواجهة فاعلة لصد الغزو الفكري الخارجي الهدام والمسموم. خاصة وأن الصحفي والإعلامي، نفسه هو جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، ويشعر بمخاطر هذا الغزو الفكري على بيئته ومجتمعه، وأسرته. ونفس الشئ ينطبق على الفن، فرسالة الفنان والممثل، مهمة جدا؛ ولكن من يشاهد الأعمال الفنية، من أفلام ومسلسلات، ومسرحيات، يجدها منزوعة الهدف، وبلا أي رسالة؛ وقد تتسبب في نشر سلوكيات خاطئة، من خلال المشاهد والتصرفات، التي لا تراعي عادات وتقاليد المجتمعات العربية، وأخلاقياتها.
*إلى أي مدى رجال الدين قادرون على سد الفجوة التي خلفها غياب دور الإعلام والفن في القيام برسالته المجتمعية؟
آمالنا معقودة على رجال الدين وطلاب العالم، فهم الرهان الحقيقي للمجتمعات في سد الفجوة، التي خلفها غياب دور الإعلام والفن. ومن المهم أن يبادر رجال الدين بتقديم النصيحة، بحيث يتم استثمار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لتوصيل رسالة التوعية للأسرة الخليجية والعربية، من أجل الحفاوظ على استقرار المجتمعات.