آراءأهم الأخبار

محمد حربي يكتب: أَنِين غزة ومعركة الصمود !


ليست بالقوة العسكرية وحدها، تُدار حروب عالم البشر!؛ فهناك صراع الإرادة، والنفس الطويل. وباتت الحرب النفسية، أقرب للسلاح الاستراتيجي، التكتيكي، المخلخل أحياناً، لمجتمع العدوّ الداخلي. ومقياسه التناقضات التي تطفو على السطح، اجتماعية، وسياسية، وانقسامات حزبية. وهذا ما يعيشه الداخل الصهيوني حالياً؛ حيث الانشقاق والانسحاب من الأحزاب، و التراشق والملاسنات، وتبادل الاتهامات؛ حتى داخل حكومة ” الليكود” ذاتها. مروراً بالحركات الاحتجاجية الشعبية، ومظاهرات أهالي الأسرى المختطفين في غزة. وأما على الصعيد الخارجي؛ فإن” البروباغندا” الصهيونية العالمية، فشلت في مخططها لتضليل الرأي العام العالمي؛ بعد نجاح دولة جنوب أفريقيا في رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في ” لاهاي” تثبت فيها ارتكاب الجيش الإسرائيلي لجريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، واستمراره في انتهاكات حقوق الإنسان، وبشكل أثار حفيظة النشطاء الحقوقيين، وطلاب الجامعات، وحرك ضمير كل أحرار العالم، في عواصم الشرق والغرب. فيما ظل الفلسطينيون، وبمفردهم صامدون بالميدان، وفي كل يوم يودعون شهداؤهم، بأَنِين مكتومُ في الصدور، ومن دون أن يبرحوا أرضهم، ومتمسكين بحقهم، ومؤمنين بمقاومتهم المشروعة في ” معركة الصمود”!.
ووفقاً لقوانين المنطق، وقواعد قياس توازن القوة، فإن العقل البشري؛ قد لا يستوعب معادلة صمود المقاومة الفلسطينية، التي تقاوم وتقاتل، معتمدة على ذاتها، وبأسلحة بسيطة، ومكوناتها محلية الصنع؛ منذ بدء معركة ” طوفان الأقصى ” يوم السابع من أكتوبر ( عام 2023م. )، في مواجهة الاحتلال الصهيوني. والذي يمتلك واحداً من أقوى جيوش العالم؛ وتجاوز حجم إنفاقه على التسليح أكثر من 23 مليار و400 مليون دولار ( عام 2022م.)، بحسب تقديرات “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلم”. ولطالما تفاخر الاحتلال الصهيوني بامتلاك نظام “القبة الحديدية “، لاعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى – أنشئ بمساعدة أميركية،عام 2006 بعد الحرب على لبنان-. ومع ذلك، أخفقت كل هذه التجهيزات العسكرية الصهيونية، والجدار الأسمنتي العازل، الممتد لمسافة 65 كلم تقريبا مع غزة، في توفير الأمن للمستوطنين الصهاينة.
وقطعاً، فإن رسالة المقاومة في معركة ” طوفان الأقصى”؛ قد وصلت إلى كل مستوطنٍ صهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مفادها أنه لن يجد ” الأمن ” الموعود، في الوطن اليهودي المزعوم يوماً!؛ ويعزز ذلك مقاطع الفيديو، بالصوت والصورة التي تستعرض فيها المقاومة قدرتها على اختراق التحصينات الدفاعية والأمنية للعدو!. وبحسب نتائج أحد استطلاعات الرأي، التي أجراها ” معهد القدس للإستراتيجية والأمن “، وترجع إلى تاريخ معركة ” سيف القدس ” في مايو ( عام 2021م.)، فإن هناك نحو 82 بالمئة من المستوطنين داخل الكيان الإسرائيلي، يشعرون بالخوف، وانعدام ” الأمن “. بعد أن عاشوا لحظات اختطافهم من داخل مستوطناتهم، أو فرارهم مذعورين إلى الجحور والملاجئ، كلما دوى صوت صفارات الإنذار، مع وابل الصواريخ من داخل غزة، أو الجنوب اللبناني!. ومن العقد الملازمة للنفسية الاستعمارية دائماً، افتقاد الإحساس بالطمأنينة، وعدم القدرة على مواجهة أصحاب الحق والأرض. إلى أن يكتب التاريخ النهاية، وتنتصر إرادة الشعوب الحرة، ويجر كل مستعمر ذيل الهزيمة!.
ويخطئ مَن يظن، أن انتصار إرادة الشعوب في الحروب، يُمكن قاسه بمعايير القوة المادية، والعسكرية فقط، بل بمدى قدرة مقاومتها على هندسة الأهداف النفسية؛ والمقاومة الفلسطينية، ليست استثناء من ذلك. فمنذ أطلقت المقاومة، أولي رصاصاتها، صوب الاحتلال الصهيوني، وإن كانت لم تحقق هدفها التكتيكي العسكري؛ إلا أنها نجحت على الصعيد النفسي، في إفساد أحلام الاستعمار ببناء وطن قومي لليهود من النهر إلى البحر، على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين. وبحسب رؤية أهم منظري الحروب الثورية في العالم، سواء كان ماو تسي تونغ- قائد الحزب الشيوعي الصيني، أو شي جيفارا- الزعيم الكوبي، فإن البعد النّفسيّ ذو أهمية تفوق الأعمال العسكريّة الماديّة. كما كتب الفيلسوف “سان تزو” – جنرال عسكري وفيلسوف صيني- في كتابه ” فن الحرب”: ” ليس عليك القضاء على الخصم، يكفي أن تقضي على إرادة الخصم في القتال “.
وفي الإرادة!، تكمن كل معانى الصمود والبقاء؛ بقدر ما تختلف معايير القتال عند المقاومة الفلسطينية، مقارنة بما عليه الحال في صفوف جيش الاحتلال الصهيوني. فعلى عكس النظرة الصهيونية، في قياس جندي بجندي؛ يقف المقاتل الفلسطيني لإعطاء الدروس في الصمود والتحدي!. حتى إذا دخل معركة، وخرج منها مبتور القدمين، مع أحد الذراعين، ولم يتبق له إلا ذراعاً واحداً، وبه إصبعين فقط، تراه رافعاً لهذين الإصبعين، في إشارة منه للنصر. ويعكس هذا السلوك، ما بداخله من مكون ديني وعقائدي، وفهم، وقناعة، بأنه يقاتل في سبيل الله، “فإما النصر أو الشهادة”، مع إيمانه ” إن الله مع الصابرين”. وتلك من صفات عباد الله المخلصين؛ والمفقودة عند الإسرائيليين؛ فلا تجد في القاموس الإسرائيلي مصطلح ” الصبر “. ومن يخوض منهم الحرب، يدخلها مجرداً من قناعته بمعتقدات الحرب المقدسة؛ لأنه يحب الحياة، ويكره الموت.
ولقد نجحت المقاومة في إدارة حرب نفسية، ومؤلمة للاحتلال الصهيوني؛ فهزمته، على الرغم من تفوقه المادي العسكري، وهيمنة الصهيونية على الآلة الإعلامية العالمية، وتلك الآلة التي لم تفلح محاولاتها في تزييف الحقائق، ولم يدم طويلاً مفعول حملاتها لتغييب الوعي، وتضليل الرأي العام العالمي؛ الذي بدأ يقارن ما بين هذه المزاعم، والمواد الإعلامية، التي يبثها إعلام “المقاومة الفلسطينية”؛ التي اكتسبت مصداقية؛ حتى عند الإسرائيليين أنفسهم، فترجموا رسائل المقاومة إلى اللغة العبرية، مما جعلها عاملاً ضاغطاً، على رئيس حكومة الكيان المحتل ” نتانياهو”؛ فأربكت حساباته الداخلية، وضيقت الخناق عليه، فأهتز أمام ” معركة الصمود”.
كاتب وصحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى