أهم الأخبارعرب و عالم

آفاق واعدة للعلاقات المصرية- المغربية في الذكرى 25 لتربع الملك محمد السادس على العرش

المواقف المصري داعم لوحدة التراب المغربي.. والمغرب ينتظر مساهمة شركات مصر في البنية التحتية لمونديال 2030


كتب: محمد حربي
قديمةُّ هي العلاقاتِ المصرية- المغربية، قدمُ التاريخ نفسه. وهي متداخلة، وضاربة بجذورها منذ زواج الملك المغربي يوبا الثاني، من الأميرة المصرية كليوباترا سيليني، ابنة الملكة كليوباترا‏. وقد حظيت الاسكندرية بمكانة كبيرة في نفوس المغاربة‏، لدرجة انهم تشبهوا بها في منشآتهم المعمارية‏،‏ مما حدا بالمؤرخ المغربي “عبد الواحد المراكشي” إلى إطلاق اسم “إسكندرية المغرب” على مدينة الرباط، لتشابه مبانيها وحصانتها وحسن تقسيمها‏،‏ كما ذكر علماء الآثار وجه شبه آخر عن تأثير شكل منارة الاسكندرية القديمة على شكل وتصميم عمارة الصومعة المغربية‏(‏ المئذنة‏)‏ وهو الشكل الذي يقوم على المئذنة المربعة التي تشبه الحصن أو الصومعة‏.
وفي الذكرى الخامسة والعشرين لتربع الملك محمد السادس، على عرش المملكة المغربية، تعود الذاكرة إلى التاريخ الماضي للعلاقات بين مصر والمغرب. عندما احتضن الشعب المصري، الكثيرين من الصوفيين المغربيين بين أواخر القرن السادس وأواخر القرن السابع الهجريين‏، مثل: الشيخ عبدالرحيم القناوي أو “عبدالرحيم القنائي”‏، وأصله من “ترغاي” بإقليم سبتة؛ الذي استقر بمحافظة قنا المصرية – خلال عودته من الحجاز -، وظل يلقي دروسه لمريديه حتى وفاته عام‏592‏ هـ. وأيضا الشيخ “أبو الحسن الشاذلي”،ويعود نسبه إلى قبيلة “غمارة ” بسبتة؛ وقد وافته المنية، وهو في طريقه للحج؛ ودُفن بوادي وجبل حميثرا، بصحراء عيذاب أقصى صعيد مصر، المواجه للمدينة المنورة السعودية.

جسور التواصل الروحي
ومن جنوب مصر إلى شمالها، هناك، الشيخ “أحمد البدوي” الذي ولد بفاس وانتقل إلى المشرق متجولا حتى انتهى به المقام في مدينة طنطا، بمحافظة الغربية بدلتا مصر. وسيدي ” المرسي أبوالعباس”؛ وهو من مواليد مدينة مرسية. وغيرهم من العارفين بالله؛ الذين كانوا جسوراً للتواصل الروحي بين الشعبين الشقيقين المصري والمغربي. كما تحتفظ القاهرة الفاطمية، بأسماء عدد من القبائل المغربية؛ التي عاشت بها، مثل ” باب زويلة”، وينسب لقبيلة زويلة المغربية، وكتامة، والباطنية، والبرقية، وقبيلة “شعرية” التي سُمي باب الشعرية على اسمهم، ودرب السعادة نسبة لاسم قائد أمازيغي اسمه سعادة ؛ الشيخ محمد بن الحسين ابن العطار الذي تولى مشيخة الأزهر الشريف عام 1246، وغيرهم.

حقبة زمنية هامة
وأما في العصر الحديث؛ فقد دعمت مصر استقلال المغرب، واستقبلت القاهرة زعيم المقاومة في الريف المغربي، وأحد أعظم مؤسسي المقاومة الشعبية للاحتلال في التاريخ العالمي المعاصر الزعيم “عبدالكريم الخطابي”، الذى قاوم الاحتلال الإسباني، ثم الفرنسي، بشكل سجّله له التاريخ بأحرف من نور. وكانت هناك إسهامات مصرية بارزة لمساندة الكفاح المغربي من أجل الاستقلال، ومكتب تحرير المغرب العربي في القاهرة؛ الذي لعب دوراً مهماً، وفاعلاً، خلال هذه الحقبة الزمنية الهامة. وقد سطر التاريخ مواقف الزعيم المصري جمال عبد الناصر، ومساندته للشعب المغربي لتحقيق استقلاله، وتوطيد أواصر الأخوة والصداقة مع الملك محمد الخامس منتصف العقد السادس من القرن الماضي.
تعزيز التفاهم المشترك
وقد تعزز التفاهم المشترك بين مصر والمملكة المغربية، إبان فترة استقلال المغرب عام 1957م. ومنذ هذا التاريخ، وهناك تنسيقاً مستمراً بين البلدين الشقيقين، بشأن العديد من القضايا الدولية والإقليمية والعربية وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي ودعم التضامن العربي. وأما علي صعيد العلاقات الثقافية بين البلدين؛ فقد جرى توقيع أول بروتوكول ثقافي مصري- مغربي في عام 1959. وحتى على صعيد المجال الإعلامي، فإن علاقات البلدين؛ قد شهدت تطوراً كبيراً من التعاون، وتعزيز التعاون في الجوانب الإعلامية؛ تمت ترجمتها وتفعيلها، عبر زيارات الوفود من الإعلاميين، وتبادل الخبرات. وأما في المجال الاقتصادي؛ فقد شهد تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. كما تأسست جمعية التعاون والصداقة المصرية – المغربية، في يناير 2017، لتعزيز الجهود، والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية.
قضية الصحراء المغربية
وكان الموقف المصري واضحاً وصريحاً دائماً، فيما يتعلق تأييد وحدة الأراضي المغربية، بما فيها قضية الصحراء؛ وتجدد هذا الدعم المساند في عام 1999 م. وبذلك تكون مصر قد سبقت غيرها من الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية – العضو الدائم بالأمم المتحدة-؛ التي اعترفت بالصحراء المغربية في عام 2020. وكذلك فرنسا؛ التي سبقت اعترافها السياسي للصحراء المغربية، بدعم مشاريع اقتصادية أطلقتها المغرب في إقليمها الصحراوي الجنوبي. ثم تبعتها إسبانيا؛ التي أعلنت في مارس 2022، دعمها لمقترح للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، تحت السيادة الكاملة للمغرب.
بناء شراكة استراتيجية
وتعزز التحولات الإقليمية والدولية في ظل عالم متغير، من فرص بناء شراكة استراتيجية بين مصر والمغرب، والحاجة إلى التنسيق، والتعاون الثنائي، لإعادة الاستقرار إلى المنطقة. وهذا بدوره يعطي دفعة للنهوض بالعلاقات الاقتصادية المصرية – المغربية؛ التي مازالت دون مستوى طموحات الشعبين الشقيقين.وخاصة في ظل الإمكانيات اللامحدودة؛ التي يمتلكها كل طرف من الطرفين. وبالتالي الحاجة إلى تعظيم الاستفادة منها؛ ولاسيما فيما يتعلق بالموقع المتميز، وغير ذلك من المزايا، بما فيها الاقتصادية، في إطار التكامل.
التنسيق السياسي والحوار
وكل ذلك يجسد إرادة القيادتين، لبناء شراكة فاعلة. والتي بدأت باتفاق إنشاء لجنة عليا مشتركة بين الدولتين”، تم التوقيع عليه بالقاهرة يوم 28 مايو 1988، وفي عام 1997 ، تم رفع رئاسة هذه اللجنة؛ لتصبح على مستوى قيادتي البلدين بدلاً من رئيسي الوزراء. ثم جاء بعدها الإطار الثاني، وهو “آلية التنسيق السياسي والحوار الاستراتيجي”، والذي تم التوقيع عليه يوم 5 يناير 2011. وبعد ذلك تم عقد الاجتماع الثاني للآلية في القاهرة يوم 18 يونيو 2012، وعقدت الدورة الثالثة لآلية التنسيق السياسي والحوار الاستراتيجي بمراكش يوم 19 يناير 2014 برئاسة وزيري الخارجية. ولاشك أن التنسيق والتشاور والتعاون بينهما هو في صالح الشعبين والأمة العربية والإسلامية، وفى صالح الاستقرار في حوض البحر المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط.
العمل العربي المشترك
كما تتقاسم مصر والمغرب، المسؤولية في الحفاظ على وحدة واستقرار دولية ليبيا. وهناك تنسيقاً، وتشاوراً مستمراً بين البلدين الشقيقين، وتبادل للرؤى، ضمن عدد من قضايا المنطقة ذات الاهتمام المشترك. وإن كان قد تم التأكيد على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك بُغية تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، واستعراض سُبل الدفع قُدماً بجهود التوصل لتسوية شاملة للأزمة، وتم التطرق الي آفاق تعزيز العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين. خاصة وأن وزير الخارجية المصري سامح شُكري؛ قد أكد على اهتمام مصر بدفع مسار التعاون الثنائي مع الشقيقة المغرب، على ضوء ما يتمتع به البلدان من علاقات أخوية وروابط راسخة .
جهود لجنة القدس
وتقدر مصر عالياً، العمل المتواصل الذي يقوم به الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في الحفاظ على الوضع القانوني للقدس الشريف وطابعها العربي الإسلامي، وحماية المقدسات وحرمة المسجد الأقصى من انتهاكات إسرائيلية، والمساهمة في تمكين المقدسيين من الصمود في مدينتهم، ولاسيما المشاريع التي تنجزها وكالة بيت مال القدس الشريف في هذا الصدد. وقد كان هناك ترحيباً مصريا بنتائج الاجتماع الأول لفريق الاتصال الوزاري المعني بقضية فلسطين والقدس الشريف، المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، الذي استضافه المغرب بتاريخ 12 نوفمبر 2014.

حجم التبادل التجاري
وتطورت العلاقات الاقتصادية بين مصر والمغرب بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة، وهناك صعود مستمر في حجم التبادل التجاري بينهما؛ إلا أنها ما زالت دون المستوى المأمول، والطموح المنشود من الشعبين الشقيقين. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والمغرب في 2021 نحو 758.7 مليون دولار، مقارنة بنحو 617 مليون دولار عام 2020؛ بنسبة زيادة بلغت 23%. فيما بلغت قيمة الصادرات المصرية للمغرب 2021 نحو 711 مليون دولار مقارنة بنحو 468 مليون دولار عام 2020؛ أي نسبة زيادة بلغت 52%. ووفقاً لبيانات “البنك المركزي المصري” فأن حجم الاستثمارات المغربية في مصر تجاوزت 6 ملايين درهم مغربي ” 450 ألف دولار تقريباً”.
طموح الشعبين الشقيقين
إن المستوى الحالي للعلاقات الاقتصادية والتجارية المصرية المغربية، لا يعكس المؤهلات الحقيقية التي تتوفر في البلدين، ولا ترقى إلى ما يطمح إليه الشعبين الشقيقين، من زيادة اوجه التعاون المشترك ،وتبادل الخبرات ،والتجارب التي يمكن مشاركتها بين الجانبين؛ ولاسيما فيما يخص المشروعات الصغيرة، وريادة الأعمال، والتدريب المهني في المجمعات الصناعية، مما يساهم في توفير فرص العمل، وخفض معدلات البطالة، والمساهمة في رفع مستوى الدخل ،وتحقيق النمو الاقتصادي، والتنمية المستدامة. وهذا يحتاج مجلس أعمال مصري مغربي، يسهم في تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي المشترك، ويشجيع القطاع الخاص على زيادة معدلات الاستثمارات المشتركة والتجارة البينية بين البلدين، وامكانيات تحقيق التكامل الصناعي بين البلدين .

تعاون المناطق اللوجيستية
إن النجاح الحقيقي يكمن في مدى القدرة على مواجهة والتغلب على التحديات، وحل كافة المشكلات التي تعوق انسياب حركة التجارة بين مصر والمغرب، وتحقيق نقلة نوعية في مستوى العلاقات المشتركة، خصوصاً في ظل التطور الكبير الذي يشهده الاقتصاد المصري والمغربي. وبحث سبل تذليل العقبات أمام حركة التجارة البينية، ووالاهتمام بإنجاز مرحلة التكامل في التصدير بين الجانبين، من خلال تعزيز التعاون بين هيئة تنمية الصادرات المصرية ونظيرتها هيئة إنعاش الصادرات المغربية، بهدف الاستفادة من موقع الدولتين في تسهيل دخول الصادرات المصرية إلى منطقة غرب أفريقيا، وكذا تسهيل دخول الصادرات المغربية إلى السوق الآسيوية ومنطقة شرق أفريقيا، فضلاً عن التعاون في مجال المناطق اللوجيستية.

مونديال المغرب 2030
ويحتاج ملف السياحة لجهود مكثفة، من أجل تشجيع التدفق السياحي في الاتجاهين. ووضع خطة للترويج المشترك للمنتج السياحي المصري والمغربي بالأسواق السياحية الأخرى، في إطار مساعي البلدين لتحقيق نقلة نوعية على مستوى العلاقات الثنائية بينهما فى كافة المجالات للوصول بها إلى مستوى الطموحات المنشودة. هذا مع وجود فرصة أمام البلدين للتعاون المشترك، في إطار استعدادات المملكة المغربية لاستضافة مونديال كأس العالم في عام 2030. حيث تسعى المغرب لإقامة شبكة متكاملة من البنية التحتية، وخاصة الطرق والكباري، والمنشآت السكنية، والرياضية؛ وجميعها تمتلك فيها مصر الكثير من الإمكانيات والخبرات، كما أصبحت تمتلك كوادر كثيرة ممن اكتسبت في مجال الأنفاق والكباري، والطرق؛ والتي حققتها وزارة النقل، وهيئة القومية للأنفاق في جمهورية مصر العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى