قبل أن أتحدث عن الشللية فى الشركات والمجتمعات العمالية كان لزاماً علىّ ان أبحث عن معنى هذه الكلمة الخطيرة فى قواميس اللغة فبالبحث فى معجم المعانى الجامع والمعجم الوسيط وجدت أن كلمة ( شِلَليّة ) اسم مؤنث منسوب الى ( شِلَل ) بمعنى محسوبيّة ، مزاجيّة ، ازدواجيّة ، جماعية .
وذلك لأن الشللية فى الشركات ومجتمعات الأعمال والعمال تخلق بيئة طاردة وقاتلة للكفاءات الإدارية.
الشللية والفساد الإدارى يلتقيان فى نقاط ومواضع كثيرة ،فأينما وجدت الشللية وجد الفساد الإدارى والمالى .
خلف كل فساد إدارى ومالى شللية معينة ، ولا شئ يقتل الكفاءة الإدارية مثل ما يقتلها وجود الشللية فى الأعمال والوظائف ، حيث يتضح جلياً عندما يتولى مسئول ما رئاسة شركة أو مؤسسة فإنك تلاحظ انه بمجرد أن يضع قدمه داخل المؤسسة فيبدأ تسخير جزء كبير من وقته للبحث عن شلة ، وان لم يبحث المسئول فتجد المتطوعين للقيام بهذا الدور ممن تجمعهم المصالح المشتركة .
فالشللية تمثل البوابة الأولى لانتشار الواسطة والمحسوبية والمجاملة والنفعية بأقبح صورها، وما نعانيه اليوم من مشاكل إدارية فى كثير من الشركات والأعمال ناتج عن إنتشار الشللية فيها .
إن إنتشار هذا المرض الإدارى الخطير يؤدى الى دخول المجاملات والمحسوبيات ميدان العمل على حساب الكفاءة والإنجاز، و هذه الشلة لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها أو من شخص المسئول، وستعلن الحرب على كل أصحاب الفكر والرؤية و المبدعين من خارجها بكل السبل ، وسيمنعون وصول أفكارهم وارائهم الى المسئول حيث يعتبرون ذلك تهديداً لمصالحهم وكثيراً ما ينسبون هذه الأراء لأنفسهم.
فى كثير من الأحيان تحاول هذه الشلة ضم الموظفين النابغين إليها بإغرائهم بالحماية وتحقيق منافع ذاتية سيحصلون عليها نتيجة إنخراطهم معهم فى الشللية ، فينصرفوا عن التفكير والإبداع وتوليد الأفكار الخلاقة، وتموت بذلك الكفاءة الإدارية ، ويفشل المسئول فى تحقيق الأهداف التى تم اختياره من أجل تحقيقها.
ان الأشخاص اصحاب الأفكار السليمة البنًاءة يفرون من البيئة المنفرة والطاردة إلى البيئة الجاذبة ، فبيئة العمل تؤثر تأثيراً مباشراً فى الوحدات الاقتصادية.
فالبيئة الطاردة فى العمل تجعل الموظف لا يفكر فى العمل و الانتاج بقدر ما يفكر فى الهروب وتغيير الوظيفة، لمعالجة ما يمر به من مؤامرات و دسائس ليستطيع التخلص منها.
فهذه البيئة لها فاتورة باهظة تدفع ثمنها الشركة مهما كان حجمها.
إن وجود الشللية فى الشركات يؤثر تأثيراً كبير فى عدم تغليب المصلحة العامة ، وذلك نتيجة تسييس كل الامور فى بيئة العمل لشلة معينه ، حيث لا تنطبق النظم واللوائح على هذه الشلة أو المجموعة.
فترقياتهم مضمونة، وأخطائهم مغفورة ومقبولة لا يحاسبونهم عليها، أخلاقهم الغرور وأعمالهم اليومية البسيطة الغير مميزة تعد إنجازات تستوجب المكافأة و الشكر والتقدير والعرفان!!!
هذه الشللية فى العمل نظام غير رسمى، يضر بالمصلحة العامة، ويضرب بسياسة الشركات ومصلحتها عرض الحائط فالمهم لديهم تحقيق أهدافهم وتعميق علاقاتهم ، فلا منطق بين هؤلاء غير تسيس النظام العام وتشريع القرارات التى تناسب نظامهم الغير رسمى وهو الشللية والتحزب.. فتختفى معايير الكفاءة والإنتاجية.
ولا يجب أن نعمم أن كل الشللية ضارة ففى بعض الأحيان, تكون داعمة و مقوية لبنيان وهيكل الشركة ودعم انتاجها بالأفكار البنًاءة مما يؤدى إلى إضافة امور إيجابية ، إلا انه فى أغلب الأحيان, يؤدى وجود مثل هذه التجمعات إلى خطر كبير وخلل فى العمل والعلاقات والترابطات داخل الوحدات الاقتصادية والعمالية , خاصة إذا استطاعت مثل هذه المجموعات الوصول إلى مصدر صياغة واتخاذ القرارات فى المنشأة .
إن بيئة عمل كهذه لن تكون بيئة مشجعة على الإبداع، والانتماء، والمشاركة فقد يتحول المخلص إلى منسحب، والمبدع إلى محبط، والمبادر إلى السلبية، والمتحمس إلى اللامبالاة.
ولو أبصر بعين العقل كل مسئول له شلة لوجد ان هذه الشلة تتضمن تحذيراً له حيث انه بقتل وتهميش الكفاءات ستكون النتيجة الحتمية والمنطقية هى فشله وفقده ثقة من قام بأختياره الى هذا المنصب وولاه تلك المسئولية ، وواجب على الإدارة الواعية ان تحاسب هؤلاء المسئولين الذين يجعلون بيئة العمل طاردة، وعدم تركهم ينتشرون بهذا الشكل المخيف لأنهم ينطبق عليهم المبدأ القائل أنه “من أمن العقوبة أساء الادب”
إن إنتشار وإنتقال الشللية فى مجال الاعمال مع كل تغيير لقيادات الشركات يقتل الإبداع ويقتل الكفاءات ويؤدى الى كثير من المشاكل الإدارية والإجتماعية داخل تلك الشركات حيث انه قد تكون الصورة الذهنية للشركة فى المجتمع صورة براقة لكن الوضع داخلها لا يتفق مع تلك الصورة…وقى الله مصر وعمالها شر الشللية التى تعمل على الهدم واعلاء المصالح الشخصية على المصالح العامة .
بقلم : محسن عليوة الأمين العام للعمال بحزب حُماة الوطن