أهم الأخبارتحقيقات و ملفات

المفكر العراقي شعبان: فلسطين أنبل قضية في الكون.. و” وستفاليا” مشرقية تنقذ المنطقة من مخطط التفتيت

المثقف العربي القديم كان يرسم الطريق للسياسي ولا يحرق البخور للسلطان


كتب: محمد حربي
وصف المفكر العراقي الدكتور عبدالحسين شعبان، القضية الفلسطينية، بأنها قضية الأمة المركزية، وأنها أشرف وأنبل قضية في الكون. مستنكرا الحرب الطاحنة؛ التي يشنها العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وغزة. معتبراً ما يحدث بأنه اعتداء على الإنسانية جمعاء. موضحا أن ” وستفاليا” مشرقية قد تنقذ المنطقة من مخططات التقسيم والتفتيت التي تستهدف المنطقة؛ حتى تتسيد إسرائيل، بما تمتلكه من مقومات القوة والتفوق التكنولوجي. لافتاً إلى أن المثقف العربي القديم كان يرسم الطريق للسياسي لا يحرق البخور للسلطان. جاء ذلك خلال ندوة بعنوان ” نحو وستفاليا مشرقية” نظمها مركز آتون للدراسات، وأدار اللقاء الكاتب الصحفي فتحي محمود.

وقد تحدث الدكتور شعبان، عن أهمية طرح عدد من التساؤلات بشأن: لماذا وستفاليا وما هي؟.. وكيفية الوصول إلى وستفاليا؟.. وما هي حيثيات وستفاليا، المبادئ، والقواعد، التي استندت إليها معاهدة وستفاليا؟. موضحاً أن الهدف ليس اقتباس ما حدث في ” وستفاليا “، ولا تقليد، ولا استنساخ لها؛ بل أخذ الدروس والعبر، والاستفادة من هذه التجارب الكونية ؛ التي تلهم شعوبنا، وأمتنا، وقضيتنا المركزية في إطار قضية التحرر، وقضية السلام، وقضية العدالة؛ التتي نسعى لتحقيقها للشعوب والمنطقة ككل.
وقال الدكتور شعبان، إن ” وستفاليا” فيها تجارب دينية، وقومية، واثنية، وصراع بين الكنيستين الكاثوليكية واللوثرية، امتد لأكثر من 500 عام؛ ثم جرت تسويته، بعد حوار استمر نحو خمسين عام حتى تم التوصل إلى اتفاق ينهي هذا الخلاف كلياً، ويتركه للدراسات اللاهوتية، والدينية وغيرها. مشيراً إلى أن الدرس المستفاد من ذلك أن الحوار وإن امتد إلى 50 عاماً، فهو أفضل من قتال لمدة ساعة واحدة.
وأوضح الدكتور شعبان، أن القومية، هي مشكلة مركزية رئيسية، موضحاً أنه تعيش في المنطقة أربع قوميات، وهي: التركية، الفارسية، العربية، وجميعها لها تاريخها وحضارتها، ثم الأمة الكردية، ولها تراثها وتاريخها، وتقاليدها، وفنونها، ولغتها، وبكل ما يؤهلها من مقومات، للانطلاق كأمة رابعة رئيسية من أمم المنطقة .
وأشار الدكتور شعبان، إلى أهمية الحاجة إلى تسويات دينية ومذهبية في المنطقة. لافتاً إلى أنه ليس هناك مبرراً إلى أن يستمر الصراع السني الشيعي منذ 1400 عام. كما أنه لا ينبغي أن نتصرف وكأننا نعيش في الماضي، وننصرف عن إيجاد حلول لمشاكل كثيرة في المنطقة مثل: الطاقة، الكهرباء، التطرف، واللا مساوة، واضطهاد المرأة، وكل ما يتعلق بالتمييز الاجتماعي.
وطرح الدكتور شعبان، تساؤلات، من بينها: لماذا يراد تفريغ المنطقة من المسيحيين؟؛ مع أنهم قد اسهموا في حركة التنوير، وانجبوا حضارة لدول المنطقة. موضحاً وجود عملية تهجير مبرمجة يجري الاشتغال عليها منذ سنوات طويلة، تضاعفت منذ الاحتلال الأميركي للعراق؛ الذي كان فيه مليون وربع، ثم تناقص إلى 600 ألف، حتى وصل بعد الهجمة الداعشية، إلى نحو 250 ألف مسيحي. وفي سوريا تناقصوا من 16 مليون إلى 6 مليون . وفي القدس كانوا أكثر من 50 ألف، وبعد الاحتلال نحو 5 آلاف. وفي لبنان تم تهجير أكثر من 700 ألف مسيحي، خلال الحرب الأهلية.
وقال الدكتور شعبان، إن هذا لا يحدث عبثاً. مشيراً وجود مخطط لتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات، تم طرحه عام 1979 ، لتقسيم المنطقة إلى كيانات مجهربة، ومصغرة؛ بحيث تكون إسرائيل أقلية، ولكنها تتسيد المنطقة، لأنها الأكثر تكنولوجياً، وعلماً، ودعماً من الغرب.
وأضاف الدكتور شعبان، أن ” وستفاليا “؛ قد وضعت نظاماً جديداً، يقوم على 4 قضايا أساسية، هي :اعتراف متبادل بالسيادة، وحق المقاطعات والامارات أن تعترف كل منها بالآخر، حق ممارسة الشعائر والطقوس الدينية والمذهبية بحرية، وعدم التدخل، وحق مرور البضائع والسلع دون اعتراضات، مع رسوم معينة، يتم الاتفاق عليها.
وشدد الدكتور شعبان، على أنه لفهم أهمية “وستفاليا “، يمكن النظر إلى العراق، كنموذج؛ حيث المشكلة الكردية، منذ الحرب العالمية الأولى، وانسلاخ العراق من الدولة العثمانية؛ وقد ظلت كردستان بالعراق. حيث لم يعطوا رأيا بالاستفتاء في قيام المملكة العراقية. ثم حدث واندلعت أول ثورة 1919 ثورة ” الشيخ ” محمود الحفيد”، واستمرت الثورات والتمردات الكردية، طيلت فترة الدولة العراقية، مما أضعفها الدولة، وجيشها، وانهك الحكومة العراقية، وميزانية العراق.
كما تحدث الدكتور شعبان، عن فكرة الحوار العربي الكردي التي بدأت منذ عام 1991م في لندن من أجل حل للمشكلة الكردية، على صعيد ثقافي مجتمعي، وإن كان أهم حل للقضية الكردية؛ قد جرى عام 1970م. موضحاً أن الحاجة الماسة إلى أن يعرف أحدنا الآخر، وماذا يريد العرب والكرد من بعضهما. ومهم الحوار وتبادل ومعرفة الحيثيات والتفاصيل؛ حيث لكل منا هواجسه واتهاماته المسبقة. موضحاً فشل الحلول الفوقية تتبعها الحكومات العراقية.
وقال الدكتور شعبان، إن ثمن الحروب فادح دائما، ولابد من التفكير في معالجات، موضحاً أن أكراد سوريا تبنوا فكرة الإدارة الذاتية، والتي هي شكل من أشكال تطبيقات الإدارة الذكية للحل الديمقراطي، من دون الخروج عن الدولة القومية.
وأوضح الدكتور شعبان، أن الحديث عن وستفاليا في كل بلد عربي، مهم جدا، لأنه لن تتحقق الوحدة الوطنية، بدون مصالحة وطنية، وأن المصالحة تحتاج مصارحة، وتحتاج تبادل المعلومات ثقة تفاهمات.
وأشار الدكتور شعبان، إلى التجربة العربية؛ التي قام بها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر؛ عندما وقع مع البابا تواضروس في عام 2019 وثيقة الأخوة الإنسانية للسلام العالمي؛ وكانت وثيقة جوهرية، تتعلق بالعلاقة المسيحية الإسلامية. ولكنها كانت فوقية، وتحتاج النزول لكافة الجهات، من مراكز النفوذ الاجتماعي، والمؤسسات الثقافية، للوصول لما تريده الوثيقة. والتي أكدت بدورها على 4 مبادئ رئيسية تصلح للأديان والقوميات، والسلالات، واختلاف الألسن اللغوية. وأنه لابد من الانفتاح على المسيحيين، الأخذ الجوانب الايجابية بين المسيحيين والمسلمين.
وكذلك تحدث الدكتور شعبان، عن أهمية الوحدة بين الأديان: من مسلمين ومسيحيين، وغيرهما من الأديان، بحيث يكون المعيار، هو المواطنة؛ وبحيث يقوم على 4 وعناصر رئيسية وهي: لا مواطنة حقيقة بدون حريات، وسوف تكون مبتورة وناقصة، ولا مواطنة حقيقية بدون مساواة، ولا مواطنة حقيقة حيوية بدون عدالة لاسيما العدالة الاجتماعية.. هل يستوي بين المتخمين والمحرومية، مع مبدأ الشراكة والمشاركة. لأننا شركاء في الوطن واتخاذ القرار، لأن الجميع شركاء في اتخاذ القرار في الوطن، كل بحسب حجمه، تأثيره، الخ. وأن مسيحيي الشرق جزء لا يتجزأ من مكونات المجتمعات.
وأوضح الدكتور شعبان، أن العرب والاكراد والمسيحيين، كل منهم مجموعة ثقافية، وأن عروبتنا منقوصة ومبتورة ومشوهة ما لم نعترف بحقوق الآخر. وأن حق تقرير المصير قانوني، ويتحول لسياسي من مواطنة كاملة لحق ذاتي وفيدرالية وكونفدرالية. لافتاً إلى أن طرح مشروع نهضوي عربي يقوم على عدة أركان منها: لابد ان يقوم على الاستقلال السياسي، وأنه لا معنى لمشروع نهضوي وسيادتك معوقة. ثم التنمية الاقتصادية، وتحتاج لاستقلال اقتصادي. كما يحتاج لشكل يرتضيه الناس اياً كان اسمه. وأن تحقق شرعية سياسية يكون من خلال رضا الناس، وحكم ترتضيه الناس، وحكم يحقق منجز بالتعليم والصحة والخدمات، وحكم يقوم على حكم القانون، يستند للمشروعية القانونية، وهذا الحكم ينبغي على شئ من العدالة لا سيما العدالة الاجتماعية. لافتاً بأنه قد نكون قمنا ببناء تنمية اقتصادية، ولكنها ليست تنمية مستدامة، أي تنمية إنسانية في كافة المفاصل، لأنه يحتاج إلى مساواة وتكافؤ، عدالة وشراكة ومشاركة في التربية التعليم الثقافة إصلاح الخطاب الديني ؛ والذي بدونه لا تقدم للمجتمع إلا بإصلاح الخطاب والفكر الديني. ولا إصلاح للفكر الديني؛ إلا بإصلاح الفكر السياسي والتفكير.
وقال الدكتور شعبان، أن هذا يحتاج لحوار بين الأمم الأربعاء بين المثقفين. ولابد من الانفتاح بين بعضنا البعض . وأنه ليس بالضرورة يكون من خلال السياسيين؛ بل من خلال للمثقفين؛ ليلعبوا دورهم. موضحاً أنه في الماضي لم يكن المثقف يحرق البخور للسلطان؛ بل كان يرسم الطريق للسياسي. مشيراً إلى أنه اليوم أصبح المثقف يصفق للحاكم. لافتاً إلى أنه على المثقف أن يلعب دوره الطليعي على هذا الصعيد.
وأوضح الدكتور شعبان، أن غياب وستفاليا، يعني استمرار الاحتراق، والتشرذم، واستمرار الطغيان الخارجي، والاحتلال الإسرائيلي، واستمرار مشاريع التقسيم للمنطقة. حيث أن الأمر لم يقتصر على سوريا واليمن؛ بل الكل . وأن خريطة برنارد 1979 صادق عليها الكونجرس 1983، ومعها سوف تكون كل المنطقة مهيأة للتفتيت الداخلي، وعلينا أن ننتبه.
وأشار الدكتور شعبان، إلى عدد من الروافع التي تعلي من فكرة وستفالي، وهي: تعاقدية تشريعية قانونية على صعيد كل بلد عربي، اعتراف بالمواطنة المتساوية، متكافئة، والشراكة والمشاركة، وعلى صعيد العلاقات الثنائية، وإعادة الاعتبار للحوار وسيلة لحل المنازعات، والحل السلمي للمنازعات بين الدول، احترام السيادة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام الاستقلال السياسي ووحدة الأراضي، وكلها مثبتة في القانون الدولي.
وأضاف الدكتور شعبان، أننا نحتاج منهجية جديدة في التعليم والتربية، تعلم على أساس احترام وقبول الآخر، وتنقية المناهج المدرسية، كل ما يسئ للآخر من الأديان الأخري، واحترام حق الاختلاف. كما نحتاج منهجية جديدة، ونحتاج نظام قضائي عربي، يقوم على العدالة، ووسائل تحكيم للمختلفات بين البلدان العربية واللاتينية، حدودية، مشاكل أنهار ألخ. كما نحتاج لدور للمجتمع المدني؛ حيث أنه للأسف فإن المجتمع المدني الذي كان قد نهض في التسعينيات، تلاشى دوره عن الحضور حالياً، لأسباب تتعلق بالمجتمع المدني، لتدخله بالسياسة، وفي الحياة الحزبية، مع وجود أجندات خارجية، التي أثرت على برامجه. ودخل مع الدولة في صراعات لا مبرر لها؛ كأنه طرف سياسي. في حين على المجتمع المدني ألا يتدخل في السياسة، ويضع مسافة بينه وبين الحكومة والأحزاب السياسة، وألا يسعى للوصول إلى السلطة، وألا يعمل تحت الأرض؛ بل في العلم حتى ولو قوانين جائر. وعلى الحكومات احترام المجتمع المدني وإتاحة المساحة له ليمارس دوره، بما فيها الحصول على تبرعات دون التدخل ؛ حتى يستطيع المجتمع المدني يلعب دور الدبلوماسية الموازية، وجس نبض الآخر لحلحلة بعض المشاكل.

زر الذهاب إلى الأعلى