د. حسنى ابوحبيب يكتب :حب آل البيت سرّ العبادة وسُلَّم الوصول

قال تعالى “إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى:23]. حب آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا شك فرض، عليه قامت السماء وبه تَعْمُر الأرض، مفتاح الجنة، وسبيل السعادة، تمام المنَّة، وسرّ العبادة، سُلَّم الوصول، وباب القبول، به نزل الكتاب، وعليه مدار الحساب، ونجاة لأهله من العذاب، به يُغفر كلُّ ذنب، لأنَّ المرء مع من أحب، “عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ يَعْنِي بِهِمْ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”.
حبُّهم سلام الله عليهم علامة إيمان، والموت عليه شهادة، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّرَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فُتِحَ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابَانِ إِلَى الْجَنَّةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ على حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَلَ الله قَبْرَهُ مَزَارَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ كَافِراً، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ. وَعَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرِّمَتِ الْجَنَّةُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ أَهْلَ بَيْتِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي.
والقول الكريم الذي به صدّرنا مقالنا إنما هو جزء من أمر ربنا لنبينا بأن يقول لقومه وقرابته ومن ورائهم جميع أهل دعوته، “قل لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى” أي: قل أيها الرسول لقومك: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جُعلاً ولا مكافأة ولا نفعاً ماديّاً، ولكن أطلب تقدير صلة الرحم والقرابة التي بيني وبينكم، وإكرام آل بيتي وقرابتي، فتكفّوا شركم عني وعنهم.
وآل بيت النبيّ سلام الله عليهم هم سيدنا الإمام علي وسيدتنا السيدة فاطمة الزهراء وأبناؤهما وأزواجه وجميع من ألحقهم به كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “سلمان منا آل البيت”، هذا على العموم، أما على وجه الخصوص فهم سيدنا الإمام علي وسيدتنا السيدة فاطمة ونسلهما إلى يوم الدين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَنْزَلَ الله تعالى هذا القول الكريم قَالُوا: يَا رَسُولَ الله مَن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَوَدُّهُمْ؟ قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَأَبْنَاؤُهُمَا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَدَ النَّاسِ لِي. فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَنَا وَأَنْتَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَأَزْوَاجُنَا عَنْ أَيْمَانِنَا وَشَمَائِلِنَا وَذُرِّيَّتِنَا خَلْفَ أَزْوَاجِنَا.
ولا شك أنَّ سيدنا الإمام علي يأتي على رأسهم، فهو باب المدينة ووزير صاحبها صلى الله عليه وآله وسلم، كم من مرة أعلنها رسولنا الكريم على الملأ: “أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، إِلَّا إنه لَا نبوة بعدِي”، كان رضي الله عنه أشجع الناس وأقواهم، وأجود الورى وأتقاهم، قال الشّعبيّ: لما مات رضى الله عنه، قام ابنه الحسن على قبره، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفر الله لأبيه، ثم قال: نِعم أخو الإسلام كنت يا أبي، جواداً بالحق، بخيلاً بالباطل عن جميع الخلق، تغضب حين الغضب، وترضى حين الرّضا، عفيف النظر، غضيض الطّرف، لم تكن مدّاحاً ولا شتّاماً، تجود بنفسك في المواطن التي تبخل بها الرجال، صبوراً على الضّراء، مشاركاً في النّعماء، ولذلك ثقلت على أكتاف قريش.
فاق كلَّ الصحب بميزات لم تجتمع إلا فيه، نظمها بقوله:
مُحَمَدٌ النَّبيُّ أَخي وَصِهري * وَحَمزَةُ سَيِّدُ الشُهداءِ عَمّي
وَجَعفَرٌ الَّذي يُضحي وَيُمسي*يَطيرُ مَعَ المَلائِكَةِ اِبنُ أُمّي
وَبِنتُ مُحَمَّدٍ سَكَني وَعُرسي*مَشوبٌ لَحمُها بِدَمي وَلَحمي
وَسبطا أَحمَدَ وَلَداي مِنها * فَمَن منكم لَهُ سَهمٌ كَسَهمي
سَبَقتُكُمُ إِلى الإِسلامِ طُرّاً * غُلاماً ما بَلَغَتُ أَوانَ حلمي
أَنا البَطَلُ الَّذي لَن تُنكِرَوهُ * لِيَومِ كَريهَةٍ وَلِيَومِ سِلمِ
وَأَوجَبَ لي وِلايَتَهُ عَلَيكُم * رَسولُ اللَهِ يَومَ غَديرِ خَمِّ
وَأَوصاني النَبيُّ عَلى اِختيارٍ * بِبَيعَتِهِ غَداةَ غَدٍ بِرَحمِ
وَأَوصى بِي لِأُمَتِهِ لِحُكمي * فَهَل فيكُم لَهُ قدمٌ كَقدمي
فَوَيلٌ ثُمَّ وَيلٌ ثُمَّ وَيلٌ * لِجاحِدِ طاعَتي مِن غَيرِ جُرمِ
عرف حقَّه وقدره كلُّ الناس حتى من حاربوه وظلموه، روى ابن الجوزي في التبصرة عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِضِرَارِ بْنِ حمزة الطائي: صف لي علياً فقال: أو تعفني. قال: بل تصفه. فقال: أو تعفني. قَالَ: لا أُعْفِيكَ. فَقَالَ: أَمَا أإنْ كان لا بُدَّ من وصفه، فَإِنَّهُ كَانَ بَعِيدَ الْمَدَى شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلاً وَيَحْكُمُ عَدْلاً، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ، كَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يَقْلِبُ كَفَّهُ وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُر وَمِنَ الطَّعَامِ مَا خشن، كَانَ وَاللَّهِ كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَيَبْتَدِئُنَا إِذَا أَتَيْنَاهُ، وَيَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ، وَنَحْنُ وَاللَّهِ مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لا نكاد نُكَلِّمُهُ لهَيْبَته وَلا نَبْتَدِيهِ لعظمته، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، لا يَطْمَعُ القوي في باطله ولا ييأس الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، وأَشْهَدُ الله أني رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدوله وَغَارَتْ نُجُومُهُ، وَقَدْ مَثُلَ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ وَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي، أَألي تَعَرَضْتِ؟ أَمْ بِي تَشَوَّفْتِ؟ هَيْهَاتَ فقَدْ بَتَتْكِ ثَلاثًا لا رَجْعَةَ فيها، فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ وَعَيْشُكِ حَقِيرٌ وَخَطَرُكِ كَبِيرٌ، آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ.
قَالَ: فَذَرَفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ فَمَا يَمْلِكُهَا وَهُوَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ، وَقَدِ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ! كَانَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهَ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ: حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا فَلا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا وَلا يَسْكُنُ حزنها.
أمّا سيدتنا السيدة فاطمة فهي البتول سيدة سيدات الجنة، ريحانة أبيها وأشبه بنيه به وأولهم به لحوقاً، وأمّ الحسنين وزينب، أكرم بها وبزوجها وذريّتها.
ورحم الشاعر الباكستاني الكبير محمد إقبال إذ يقول فيها وفي آل بيتها:
المجد يشرق من ثلاث مطالع * في مهد فاطمة فما أعلاها
هي بنت من هي زوج من هي أمُّ من؟* من ذا يداني في الفخار أباها
هي ومضة من نور عين المصطفى * هادي الشعوب إذا تروم هداها
ولزوج فاطمة بسورة: هل أتى * تاج يفوق الشمس عند ضحاها
في روض فاطمة نما غصنان لم * ينجبهما في النيرات سواها
فأمير قافلة الجهاد وقطب دائرة * الوئام والاتحاد ابناها
حسن الذي صان الجماعة بعدما * أمسى تفرقها يحل عراها
ترك الخلافه ثم أصبح في الديار * إمام ألفتها وحسن علاها
وحسين في الأبرار والأحرار ما * أزكى شمائله وما أنداها
فتعلموا دين اليقين من الحسين * إذا الحوادث أظمات بلظاها
وتعلموا حرية الإيمان من * صبر الحسين وقد أجاب نداها.
ما أريد قوله: على المسلمين جميعأ أن يجتمعوا على حبّ النبيّ وآله، وأن يكونوا على يقين أنَّ المحبَّ عليه أن يقتدي بالمحبوب قولاً وعملاً، فلن نخرج مما نحن فيه من فرقة وضعف إلا بحبّ نبينا وآل بيته والاقتداء بهم، ألا سلام الله عليهم أجمعين.