دين و دنياأهم الأخبار

المؤشر العالمي للفتوى يدعو لتعظيم دور فتوى دار الإفتاء والأزهر الشريف وتضافرها مع جهود الدولة لبناء الإنسان

فوقيه ياسين

عقد المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية ورشة عمل ترأسها فضيلةُ الأستاذ الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- وبحضور كوكبة من علماء وقيادات الأزهر الشريف بجانب إعلاميين ومتخصصين في تخصصات شتى على هامش انعقاد ندوة “الفتوى وبناء الإنسان” التي نظمتها دار الإفتاء اليوم 8 أكتوبر 2024، تفاعلًا مع مبادرة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي “بداية جديدة لبناء الإنسان المصري” الهادفة إلى تنمية الإنسان والارتقاء به، والاستثمار في رأس المال البشري من خلال برنامج عمل يركز على تنمية الإنسان وتعزيز الهوية المصرية.

حيث عرض المؤشر العالمي خلال الورشة نتائج ورقته البحثية (المقارنة) التي جاءت تحت عنوان “تأثير الفتوى على جهود بناء الإنسان.. بين الدعم والتقويض”، والتي تضمنت مناقشة قسمين: القسم الأول بيان دور الفتوى الرسمية، المتمثلة في مؤسستي الإفتاء المصرية والأزهر الشريف، في دعم بناء الإنسان والمجتمع، والقضاء على الظواهر المجتمعية السلبية. أما القسم الثاني، فقد تناول التأثير الهدام للفتوى غير المنضبطة، من خلال تحليل عينة من الخطاب الإفتائي للجماعات الإرهابية، التي تستند إلى أفكار مشوهة وشاذة وفكر ديني متطرف.

حيث اعتمدت الدراسة على التحليل الإحصائي والشرعي لعينة من (200) فتوى لدار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف حول القضايا المتعلقة ببناء الإنسان، و(500) فتوى من الفكر المتطرف تم الحصول عليها من كتابات كبار منظِّري التنظيمات المتطرفة، منهم: عبد الله عزام، وأبو قتادة الفلسطيني، وسيد قطب، إلى جانب إصدارات التنظيمات الإفتائية المكتوبة والإذاعية، مثل إذاعة البيان، ومجلة النبأ، التابعتين لتنظيم داعش الإرهابي.

فخلال عرضه للقسم الأول من الدراسة، أشار المؤشر إلى أن الفتاوى المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية للناس، والقضاء على الفقر والجوع، مثلت النسبة الأكبر من فتاوى العينة التي تتعلق ببناء الإنسان ودعمه والتي بلغت (30%). وتمكنت الفتاوى من تحقيق اجتهاد فقهي يتماشى مع احتياجات وتطورات العصر، وغطت جانبين رئيسيين؛ الأول: الارتقاء بالمستوى المعيشي للأفراد من خلال تنظيم قواعد الزكاة والصدقات؛ والثاني: دعم الجهود الوطنية لتحسين الاقتصاد وتحقيق نموه وازدهاره.

فيما أكد على تناول فتاوى دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف للقضايا المتعلقة ببناء الإنسان عقائديًّا وفكريًّا، والتي شكلت نسبة (20.5%) من إجمالي فتاوى العينة المنضبطة. وتضمنت الفتاوى شقين، الشق الأول: بيان دور المسلم في السعي لبناء عقيدته وفكره، والذي مثل نسبة (40%) من إجمالي فتاوى هذا الموضوع. والشق الثاني: بيان دور العلماء والفقهاء والدعاة في تعليم الناس وإرشادهم وبناء فكرهم السوي، والابتعاد عن الفكر الشاذ، سواء كان تطرفًا أو تساهلًا، والذي مثل نسبة (60%) من إجمالي فتاوى هذا الموضوع.

المؤشر العالمي للفتوى يدعو لتعظيم دور فتوى دار الإفتاء والأزهر الشريف وتضافرها مع جهود الدولة لبناء الإنسان

وأوضح مدير المؤشر “طارق أبو هشيمة” أن فتاوى عينة الدراسة التي تناولت قضية بناء الإنسان صحيًّا ومعيشيًّا، جاءت بنسبة (17.5%) من إجمالي فتاوى العينة المنضبطة، وركزت على دعم الحفاظ على صحة وحياة الإنسان، وظهرت فيها جهود كبيرة لتحقيق الاجتهاد الفقهي في التعامل مع القضايا المستجدة. كما حرصت على إعلاء مقاصد حفظ النفس وتطبيق قاعدة دفع الضرر، التي تقضي بعدم جواز الإضرار بالآخرين، وإذا وقع الضرر فيجب إزالته، وهو ما يُعرف بقاعدة: “لا ضرر ولا ضرار”. كما أكد على اهتمام الفتوى الرسمية بتأكيد مبادئ بناء الأسرة والارتقاء بها سواء فيما يتعلق بالأب والأم والأبناء في مختلف المراحل العمرية، وبلغت نسبة هذه الفتاوى (15%) من إجمالي فتاوى العينة المنضبطة، وتضمنت الحفاظ على قيم الأسرة وسلامة أعضائها، من خلال: التأكيد على حقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودعم كبار السن. ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل التنمر والانتحار.

وأوضح الدكتور طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمي للفتوى أن فتاوى عينة الدراسة التي تناولت قضية بناء الإنسان صحيًّا ومعيشيًّا، جاءت بنسبة (17.5%) من إجمالي فتاوى العينة المنضبطة، وركزت على دعم الحفاظ على صحة وحياة الإنسان، وظهرت فيها جهود كبيرة لتحقيق الاجتهاد الفقهي في التعامل مع القضايا المستجدة. كما حرصت على إعلاء مقاصد حفظ النفس وتطبيق قاعدة دفع الضرر، التي تقضي بعدم جواز الإضرار بالآخرين، وإذا وقع الضرر فيجب إزالته، وهو ما يُعرف بقاعدة: “لا ضرر ولا ضرار”.

كما أكد مؤشر الفتوى على اهتمام الفتوى الرسمية بتأكيد مبادئ بناء الأسرة والارتقاء بها، سواء فيما يتعلق بالأب والأم والأبناء في مختلف المراحل العمرية، من الطفولة إلى الشباب، وبلغت نسبة هذه الفتاوى (15%) من إجمالي فتاوى العينة المنضبطة. وتضمنت الحفاظ على قيم الأسرة وسلامة أعضائها، من خلال التأكيد على حقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودعم كبار السن، ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل التنمر والانتحار.

واختتم مؤشر الفتوى قسمه الأول من الدراسة بالتأكيد على عدم إغفال الفتوى المنضبطة تناول كل ما يتعلق بالبيئة المحيطة بالإنسان والتي تؤثر عليه، خاصة في ظل الأزمات البيئية التي يشهدها العصر الحالي، وقضايا المناخ التي أصبحت محل اهتمام عالمي. وقد بلغت نسبة الفتاوى المتعلقة بقضايا البيئة (7%) من إجمالي فتاوى العينة المنضبطة، وشملت: فتاوى الحفاظ على جودة الهواء، والفتاوى الداعية لتوفير مياه نظيفة، وفتاوى حماية البيئة والحياة البرية.

وفي القسم الثاني من الدراسة، والمتعلق ببيان التأثير السلبي للفتوى غير المنضبطة والمتطرفة على هدم الإنسان والمجتمعات، أكد مدير مؤشر الفتوى على أن الفكر المتطرف ينتهك كل أسس حياة الإنسان على الأرض. والدليل على ذلك، وفقًا لدراسة المؤشر، أن (32%) من إجمالي فتاوى الجماعات المتطرفة تبيح إنهاء حياة الإنسان وسفك دمائه، سواء كان الفرد من أتباع التنظيم، وهنا يكون من السهل التضحية بحياته بإقناعه زورًا بأن هذا من “الجهاد” و”الشهادة في سبيل الله”، أو إذا كان الشخص مخالفًا للتنظيم، ففي هذه الحالة يجيز الفكر المتطرف انتهاك حياته باعتباره “كافرًا”.

كما أوضح مؤشر الفتوى أن فتاوى التنظيمات الإرهابية الساعية لهدم أسس التنمية والبناء الاقتصادي بلغت (17%) من إجمالي فتاوى العينة غير المنضبطة، مشددًا على أن الفكر المتطرف يقوم على تحقيق مكاسب وأهداف قصيرة الأمد تصب جميعها في مصلحة التنظيم، وليس في مصلحة التنمية الإنسانية المستدامة. فبناء الأوطان والقرى والمدن المتطورة ليس من أولويات التنظيمات الإرهابية، كما أن الفكر المتطرف لا يؤمن غالبًا بالمعاملات الاقتصادية الحديثة، ويظل معتمدًا على المعاملات المالية القديمة التي لا تتماشى مع تطورات العصر.

كما بينت دراسة المؤشر توجه الفكر المتطرف نحو انتهاك حقوق المرأة، بل أشارت إلى غيابها بصورة كلية وتامة عن الفكر المتطرف؛ حيث بلغت نسبة فتاوى العينة غير المنضبطة المحبذة لانتهاك حقوق المرأة (10%)، لتثبت هذه الفتاوى أن الإنسان بالنسبة للفكر المتطرف أداة، والمرأة والطفل هما الحلقتان الأكثر ضعفًا، وبالتالي سهولة انتهاك حقوقهما، بداية من حقهما في الحياة، وصولًا إلى حقهما في التملك المالي، ومختلف الحقوق الأخرى.

كما كشف مؤشر الفتوى من خلال ورقته أن التنظيمات الإرهابية، بفكرها المتطرف، تنكر مختلف أشكال التعاون الدولي في مجالات التنمية الإنسانية، بل لا تعترف بمثل هذه الشراكات، وترفض كافة أشكال التعامل مع المنظمات الدولية، حتى وإن كان الهدف من هذا التعاون خدمة الإنسانية والارتقاء بأوضاع المعيشة والقضاء على الفقر ودعم الدول الفقيرة ومواجهة أزمات الطاقة والغذاء والبيئة. ومن الفتاوى التي اعتمدت عليها التنظيمات الإرهابية في هذا الإطار، فتوى لمنظر تنظيم القاعدة “أبو قتادة الفلسطيني”، يحرم خلالها العمل في المنظمات التابعة للأمم المتحدة والدول الأوروبية، والتي تضمنت قوله: “المنظمات التبشيرية واليهودية في المنطقة لا يجوز العمل معها لغلبة شرها على خيرها ولسوء أهدافها الباطنة والمعلنة.”

ليؤكد المؤشر في ختام قسمه الثاني من الدراسة أن الجماعات المتطرفة تبرع في التلاعب بأحكام الدين، ويحرص منظروها على صياغة الكلمات والخطب الرنانة التي تقدم الأحاديث النبوية الشريفة بصورة مغلوطة وبعيدة عن الحقيقة، لا تهدف سوى لتحقيق أهداف هذه التنظيمات، حتى وإن كان ذلك على حساب حياة الإنسان ووجوده.

وفي ختام دراسته، أوصى المؤشر العالمي للفتوى بضرورة الاستمرار في استشراف القضايا التي تخص الأسرة المصرية ككيان متكامل، بما في ذلك المرأة والطفل والرجل، خاصة في ظل مبادرة القيادة المصرية بإطلاق مبادرة “بداية جديدة لبناء الإنسان المصري” الهادفة إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة والمجتمع بشكل عام.

مع منح مزيد من الاهتمام للظواهر الاجتماعية السلبية الدخيلة على المجتمع المصري، من خلال تكثيف جهود توعية الشباب بشأن طبيعة علاقاتهم الاجتماعية وما يجب أن تكون عليه، بالإضافة إلى تعزيز توعيتهم بشئون دينهم والتقرب إلى الله، ونبذ الأفكار السلبية التي تفسد حياتهم.

 

والقيام بمزيد من الحملات التوعوية وتكثيف الخطاب الإفتائي المؤكد على التعاون والشراكة المجتمعية، ونبذ العنف والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وتحقيق السلام العالمي، من خلال تعزيز المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي التي تؤسس لبناء عالم آمن ومستقر يسوده العدل والسلام.

والاستمرار في الاهتمام بفتاوى دعم الاقتصاد الوطني، والهادفة إلى تحقيق التنمية والازدهار، من خلال التعريف بالحكم الشرعي للمعاملات المالية الحديثة، ومواجهة الظواهر الاقتصادية السلبية مثل الاحتكار، والغش التجاري، والتهرب الضريبي.

إلى جانب تكثيف الجهود للتصدي للأفكار المتطرفة التي لا هدف لها سوى هدم الأوطان ونشر الكراهية والعنف في المجتمعات، من خلال التعريف بالفكر المتطرف، وبيان حكمه الشرعي. مع إطلاق السلاسل الإفتائية الدعوية المفندة للفكر الإرهابي الهادم للإنسان وكيانه، وبيان الجوانب التي يتلاعب بها، وتصحيح الأحاديث والأحكام الشرعية والفتاوى المغلوطة التي يستند إليها.

زر الذهاب إلى الأعلى