قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} صدق الله العظيم. واهمُّ، وفي قلبهِ مرضُّ، فاقد البصيرة، وأعمى البصر!؛ كل من يَظُّنْ أن اغتيال المناضل والقائد الوطني الفلسطيني الشهيد يحيي السنوار- رئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس”، هو انتصار للاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، ونهاية للمقاومة الاسلامية الفلسطينية؛ التي لن تنتهي يوماً؛ لأنها عقيدة راسخة، وفكرة نابعة من الواقع المرير الذي فرضه الاحتلال على الفلسطينيين. والأفكار، فطرة إنسانية حية، متجذرة في ضمير الشعوب الحرة، وتبقى مشروعة، ومشرعنة، بالمواثيق والقرارات الأممية؛ فلا تموت بموت الرموز والقيادات. وقد أثبتت كافة التجارب التاريخية، أن القضاء على المقاومة شيء مستحيل. ولكن رئيس الحكومة الصهيونية الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، لا يريد أن يفهم ذلك، أو يتعلم من دروس الماضي؛ فيكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها، وسلفه من قبل.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، و ” نتانياهو” يجرب المتجرب!؛ ليستمر فشل حكومات الكيان الإسرائيلي، وأجهزتها الاستخباراتية، من خارجية ” الموساد”، وداخلية ” الشاباك”، والمدعومة من القوى الإمبريالية الغربية، وأميركا، تسليحاً، وغيره؛ في أن تفرض سيطرتها الكاملة على الأرض المحتلة، لإقامة الوطن القومي اليهودي الموعود، أو ” المزعوم “، كما رسمته الحركة الصهيونية العالمية، ووعد به “بلفور ” (عام 1917م.)؛ حتى ساد الاعتقاد بتحققه (عام 1948م.) في ” عام النكبة الفلسطينية”، بعد الاعتراف الأممي ” بدولة الكيان المحتل. والذي اتبع خطة لتفريغ فلسطين من أهلها بالقوة، سواء بالقتل، أو التهجير أو المذابح لإبعاد الفلسطينيين، وعمليات التصفية والاغتيالات لرموز وقيادات ” المقاومة”؛ وجميعها لا حققت الأمن للمستوطنين الإسرائيليين، ولا انهت حلم الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته مستقلة.
نعم، لن ينكر أحد أن عملية الاغتيال الصهيونية للشهيد السنوار – أول رئيس لحركة حماس يجمع في يده بين القرارين السياسي والعسكري-، هي ضربة قوية قاصمة؛ ولكنها غير قاضية، لحركة ” حماس”. التي استمرت مسيرتها النضالية؛ على الرغم مما قدمت من الرموز القيادية، بداية من يحيي عياش- القيادي في “كتائب عز الدين القسام”، مهندس المتفجرات؛ الذي اغتاله ” الموساد الإسرائيلي” في الخامس من شهر يناير (عام 1996م.). ومن بعده تم قصف صلاح شحادة- مؤسس الجناح العسكري لحركة “حماس”، في غارة جوية إسرائيلية يوم الثاني والعشرين من شهر يوليو (عام 2002م.)، ومروراً بعملية اغتيال إسماعيل أبو شنب – أحد مؤسسي ” حماس”. ثم اغتيال الشيخ أحمد ياسين- مؤسس حركة ” حماس”، فجر يوم الثاني والعشرين من مارس (عام 2004م.)، وبعده بأيام اغتيال الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي في السابع عشر من أبريل (عام2004م.)، وصولاً إلى اغتيال إسماعيل هنية- رئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس”، في نهاية يوليو (عام 2024م.).
وعلى الرغم من أن الاحتلال الصهيوني؛ قد اغتال كل هؤلاء، وغيرهم من الرموز والقادة، في حركة ” حماس “؛ إلا أنه لا ينبغي أن يمر مرور الطيف، مشهد تسابق السياسيين والعسكريين في الكيان الإسرائيلي على أخذ اللقطة، في الإعلان عن عملية اغتيال الشهيد يحيي السنوار. فقد كشف سلوك هؤلاء القادة الإسرائيليون، حجم ما فعله بهم ” السنوار ” العقل المدبر، في معركة ” طوفان الأقصى ” يوم السابع من أكتوبر (عام 2023 م.). حيث خلخل الصورة الذهنية التي رسمتها ” البروباغندا” الصهيونية، حول جيش إسرائيل، وقوته، وتفوقه العسكري، وما يمتلكه من مقومات مسلحة، ومزودة بأحدث التقنيات الحديثة. ولدرجة محاولة تسويق ” نتانياهو ” نفسه كحكيم ومدبر لأمور الشرق الأوسط الجديد، وظن أن قطار التطبيع ” المجاني “، الذي كان يسير فيه بدعم أميركي، تجاوز به محطة الحديث عن ” دولة فلسطين”.
وهنا يكمن بيت القصيد!؛ فمعركة ” نتانياهو ” الحقيقية، هو طمس ” قضية فلسطين”؛ وكشف عن نواياه في ذلك من فوق منبر الأمم المتحدة، قبل معركة ” طوفان الأقصى “، بأقل من شهر تقريبا، عندما لوح بخريطة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد، خالية من فلسطين؛ وكأن كل شيء تم اعداده وبشكل محكم ، على موائد اللئام!. وربما يفسر هذا سر استمرار ” نتانياهو” في الحرب على قطاع غزة، وعدم قبوله بوقف الحرب في القطاع ، وإنهاء صفقة تبادل الأسرى الإسرائيليين المختطفين في القطاع، واستعادتهم من يد ” المقاومة”. وفي الاتجاه المعاكس لتيار التفاوض، يسير رئيس الحكومة الصهيونية الإسرائيلية، مدعوما من اليمين الإسرائيلي المتطرف؛ والذي أطلق على ” حرب الإبادة الجماعية”، اسم ” حرب القيامة “، بدلاً من ” السيوف الحديدية”؛ وتعزيز خطابه باقتباسات توراتية؛ وكأنه يريدها ” حرب دينية”، وتحقق النبوءات – المزعومة- ” أرض الميعاد” ، ودولة ” إسرائيل الكبرى”.
ومن المقولات الشهيرة للكاتب المصري الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق قوله: “إن التاريخ يكرر نفسه؛ لأن الحمقى لم يصغوا إليه جيدًا في المرة الأولى”. وهكذا فيما يبدو أن “نتنياهو “، لا يريد أن يتعلم من أخطاء الماضي، ولا يلتفت إلى أصوات العقلاء، في الدعوة إلى حل الدولتين؛ لأن عينه تتجه فقط، نحو الانتخابات الأميركية القادمة!، في انتظار القادم؛ ظناً منه ، بأنه سوف يُطلق يد الاحتلال في تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، وابتلاع كل الأرض الفلسطينية، وطمس ” قضية فلسطين”؛ كمحاولة للقضاء على الحلم الفلسطيني في دولة مستقلة، وعاصمتها ” القدس”، وإن كانت؛ قد أثبتت كافة التجارب، أن الفلسطينيين ملتصقون بأرضهم؛ فلا يمكن كسرهم واقتلاعهم، كما أن المستوطنين لن يكونوا في أمان من ” طوفان جديد”، حتى ولو استمرت سياسة الاغتيالات .
كاتب وصحفي
[email protected]