بين الرضا والتذمر مساحات شاسعة؛ تكمن فيها معان إيجابية وأخرى سلبية؛ لكنها جميعا ذات أبعاد نفسية واجتماعية؛ فيخطئ من يعتقد أن المحفزات المادية والمعنوية كفيلة وحدها في بلوغ مجمع الرضا والإشباع المعنوي عن الحياة.
فلا قيمة لوافر المحفزات والمزايا والمكافآت الحياتية التي نسعي نحو جنيها وتراكمها ما لم تقترن بعديد المتغيرات النفسية والاجتماعية؛ ويتوج هذه المتغيرات قيمة الإيمان بالله وبقضائه وقدره؛ حينها يتوج رأس المال النفسي الإيجابي للشخص سواء كان غنيا أو فقيرا؛ رئيسا أو مرءوسا بمفهوم معني الحياة والإيمان التام بأن فكرة العالم العادل ما هي إلا أسطورة نبغيها ونحلم بها؛ لكنها لم ولن تتحقق.
ويعد الانغماس أو المشاركة الوظيفية تعبيرًا عن الدرجة التي ينظر فيها العامل إلى أدائه الوظيفي؛ باعتباره مركزًا لكيانه الذاتي أو احترام الذات؛ حيث تتحول الأنا الذاتية إلى شريك رئيسي لا ينفصل عن الحياة العملية للموظف.
ويتسم العامل بهذا الانغماس عندما تكون مهنته جزءًا من تعريفه الذاتي لنفسه مع الآخرين؛ كنتاج مباشر لالتزامه، وأدائه مهام عمله بتفان وجدية، وإخلاص؛ مع امتلاكه مهارات الكفاءة الإدراكية لمتطلبات وظيفته؛ لتحقيق الأهداف والغايات التنظيمية.
لذا فإن العامل المنغمس وظيفيًا في مهام عمله؛ يصبح أقل عرضةً للتغيير؛ لأنه يبذل قصارى جهده نحو تطوير ذاته، ونحو دعم زملائه أيضًا؛ لتحقيق أهداف المنظمة؛ حيث تؤدي بيئة العمل التي يسود فيها الاحترام، والتقدير، والرضا، والقبول بين الموظفين، واعتبار مكان العمل مكانًا مرغوبًا فيه إلى تنامي مستوى انغماسهم الوظيفي.
ويكون الإنسان أكثر عرضة للنجاح في التعامل مع الضغوط؛ إذا كان لديه مجموعة متنوعة من الموارد، بدلاً من الاعتماد على مورد واحد؛ حيث يتم تخصيص وتوجيه هذه الموارد لأداء مختلف المهام والأهداف، فضلًا عن استخدامها في التعامل والتكيف مع الضغوط المختلفة؛ كي يكون قادرًا على الحفاظ على رفاهيته، والاستمرار في أداء مهام عمله بشكل طبيعي.
وإن لم يكن لدى الموظف موارد كافية للتعامل مع الضغوط، ومواجهة مطالب وأعباء عمله؛ فمن المحتمل أن يعاني عواقب سلبية مثل: (الإرهاق، العزلة، تدني مستوى الرفاهية) ما قد يؤدي في النهاية إلى انخفاض معدلات مشاركته الوظيفية، وولائه التنظيمي.
وإن عرضنا تحليلًا لمكونات رأس المال النفسي الإيجابي؛ نجد أنها متمثلة في التفاؤل؛ الذي يمنح العامل ثقة في نفسه؛ فيعزي النجاح لقدراته الذاتية؛ ويحرص دومًا على بلوغ النجاح، ومواجهة التحديات، بينما يكمن عنصر الأمل في منح الموظف الموظف دافعية مواصلة العمل، وتحويل المشكلات إلى فرص.
وبالطبع إن لم نمتلك رضا تامًا بقضاء الله وقدره، فلن نتمتع بالمرونة، وهي الخصيصة اللازمة لصقل مهارات الإنسان، كي يتمتع بالمثابرة في إيجاد حلول للمشكلات وعقبات العمل الصعبة، والانتعاش سريعًا بعد انتكاسات العمل، ويأتي عنصر الكفاءة؛ ليعني قدرة الموظف على تلبية مطالب عمله، والاحتفاظ بمستوى ثقته بنفسه.