مهندسين من ابطال أكتوبر يكشفون أسرار عن الانتصار العظيم
كتبت سامية الفقى
شهدت احتفالية نقابة المهندسين بالذكرى الواحدة والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، جلسه حوارية تحدث خلالها أربعة من أبطال النصر العظيم، وهم : اللواء المهندس حسين مسعود، واللواء أركان حرب مهندس عصام عبد الحليم، واللواء بحري أركان حرب محمود متولي، واللواء أركان حرب مهندس محمد نادر عبدالوهاب.
وقدم المهندس كريم الكسار الأمين العام المساعد ومنسق الاحتفالية الأبطال الأربعة موجها لهم ولكل من شارك في صنع نصر أكتوبر التحية، مشيرًا إلى أن النقابة حريصة على إحياء هذه الذكرى التي ستظل خالدة في القلوب قبل العقول، مشيدًا بما قدمه سلاح المهندسين العسكريين خلال الحرب المجيدة، وقال: “المقام لا يكفي لسرد ما قام به كل بطل ممن شاركوا في تلك الحرب، التي أعادت لمصر وللأمة العربية كرامتها وكبريائها”.
أدار حوارات الجلسة الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد الدريني الذي بدأ الجلسة موجهًا الشكر لنقابة المهندسين والمهندس طارق النبراوي وهيئة مكتب النقابة ومجلسها الأعلى، على تنظيمه احتفالية بنصر أكتوبر العظيم، مشيرًا إلى أن أكتوبر نصر عظيم له شق عسكري بحت، وله أيضًا شق هندسي كان هو الحاكم والمتحكم في كل تفاصيل صناعة هذا النصر المجيد.
وبدأ اللواء المهندس حسين مسعود- وزير الطيران الأسبق، كلمته بتوجيه الشكر لنقابة المهندسين التي تضم خيرة عقول المصريين، مؤكدًا أن المهندسين العسكريين كانوا منتشرين في جميع أفرع وأسلحة القوات المسلحة، وكان لهم الدور الكبير في تحقيق النصر، وقال : “الهدف الرئيسي من كل احتفال بنصر أكتوبر هو أن نبعث برسالة للشباب وللأجيال الجديدة من المصريين ليدركوا أن حرب أكتوبر بقدر ما كان فيها من صعوبات وتضحيات تعد أسهل من الحرب التي تتعرض لها مصر حاليًا، ففي أكتوبر 1973 كان العدو واضحًا لنا وكانت الأمة المصرية متحدة خلف قواتها المسلحة، وكان العدو في جهة واحدة وهي الجبهة الشمالية والشرقية، بينما حاليًا العدو خفي، ومصر محاطة بالمخاطر من جميع الجهات، ولهذا على شباب مصر أن يتمسكوا بالانتماء لوطنهم وأن يتسلحوا بالعلم، فالمعركة القادمة هي حرب عقول فكر ومعلومات.
وأضاف “مسعود” الذي كان برتبة نقيب مهندس في سرب الهليكوبتر أثناء حرب أكتوبر، “خلال حرب 1967 لم تختبر القوات المسلحة، فلم تخض معركة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكن بعد النكسة بدأت القوات المسلحة إعداد وبناء القوات وشراء أسلحة حديثة، وقمنا بالتدريب عليها، وبدأنا التدريب العملي في حرب الاستنزاف، وبدأت حرب أكتوبر بتحركات القوات الثقيلة، ثم جاء دور الصاعقة خلف خطوط العدو، وكانت مهمتي في المعركة نقل قوات الصاعقة عبر طائرات الهليكوبتر خلف خطوط العدو بمسافات تتراوح بين 40 و45 كيلو متر، وهي أول مرة تستخدم طائرات الهليكوبتر في مهام قتالية وكان المطلوب نقل كتيبة الصاعقة 143 للتعامل مع القوات المدرعة للعدو في قلب سيناء، وانطلقت طائرات الهليكوبتر من قاعدة ألماظة الجوية ووصلنا لمنطقة وادى حجول بالقرب من السويس، حيث كانت تنتظر قوات الصاعقة، وكنت ضمن طاقم إحدى هذه الطائرات ومهندس السرب المكون من 12 طائرة، وكان دور قوات الصاعقة أنه أثناء مرور مدرعة العدو يتم عمل كمين لها لإعاقة تقدمها، ولم تتمكن رادارات العدو من اكتشافنا، وعندما وصلنا لمنطقة الإبرار، بدأ العدو في إخراج الطائرات الفانتوم لتتعامل مع طائراتنا، وعلى الفور تم نصب الكمين بكفاءة عالية جدًّا وأصيب قائد لواء العدو وقتل في هذه المعركة، وتم تدمير 7 دبابات، وواصلنا كمائننا الناجحة ضد قوات العدو من 11 وحتى 19 أكتوبر ولم نتوقف إلا قبل وقف إطلاق النار بأربع ساعات، حيث عدنا إلى منطقة القناة.
وقال اللواء أركان حرب مهندس عصام عبد الحليم أنه التحق بالكلية الفنية العسكرية ضمن الدفعة 5 جامعيين وتخرج منها عام 1968، وعقب تخرجه انضم لأحد كتائب الكباري التابعة لسلاح المهندسين العسكريين، وشارك في حرب أكتوبر كقائد مهندس برتبة رائد في الجيش الثاني الميداني بالقطاع الجنوبي لقناة السويس.
وأضاف” قبل الحرب بـ 10 أيام كنت في مأمورية عمل وتم إمداد المأمورية بـ 15 قارب مطاطي بالإضافة إلى زيادة كميات الوقود الممنوحة للمركبات الخاصة بالمأمورية بشكل كبير على غير المعتاد، كذلك صرف كميات من تغذية الطواريء، فأيقن حينها أن موعد الحرب قد اقترب، وقال: “صدق حدسي إذ صدرت لنا الأوامر صباح السادس من أكتوبر بعدم تنظيم طابور صباحي عكس المعتاد اليومي، وأن يتواجد الجميع في الخنادق، وفي التاسعة صباحًا تم إخبارنا بأن الحرب ستندلع في الثانية ظهرًا، وبالفعل قمنا بالاستعداد للمعركة، وحين مرت الطائرات فوق رؤوسنا في الثانية ظهرًا، انطلقت صيحات الله أكبر من جميع أفراد الوحدة”.
وأضاف: صدرت الأوامر لنا بعمل فتحات في الساتر الترابي لعبور قوات المشاة والمدرعات، وبالفعل تمكن سلاح المهندسين من فتح الثغرات في أقل من 5 ساعات وتم إنشاء 15 كوبري ثقيلًا لعبور الدبابات والمدافع والمعدات و10 كباري اقتحام خفيفة لعبور المشاة، وبعد إنجاز تلك المهمة تم التعامل مع حقول الألغام والمفرقعات الموجودة شرق قناة السويس التي قام العدو بزرعها.
وأشار بطل حرب أكتوبر إلى أن فرقته كانت الفرقة الوحيدة التي فتحت الثغرات في الساتر الترابي شرق قناة السويس أمام الكباري بواسطة أفراد من مهندسيها، بخلاف بقية الفرق التي استعانت بمهندسين من خارجها، لأن خراطيم المياه التي فتحوا الثغرات بها في مواقع أخرى، لم تصلح في الموقع الذي كان فيه نظرًا لطبيعة الساتر الترابي الطفلية.
وأشار اللواء أركان حرب عصام عبد الحليم إلى أن بناء الدفاع الجوي ألقى بمسئوليات جسيمة على عاتق المهندسين العسكريين حيث قمنا ما بين 1968 وحتى 1973 ببناء أعمال كثيرة لقوات الدفاع الجوي ومنها حائط الصواريخ وتم بناء أكثر من 600 ملجأ محصن للطائرات من الخرسانات المسلحة ب20 قاعدة عسكرية، فضلًا عن ملاجيء الطيارين وغرف العمليات بداخل القوات الجوية.
وقال اللواء أركان حرب بحري محمود متولي: “إن القوات البحرية المصرية لم تفقد أيه قطع بحرية خلال حرب عام 1967، كما أحبطت الهجوم على كل الموانيء المصرية واستطاعت أسر وقتل العديد من الضفادع البشرية الإسرائيلية الذين حاولوا تدمير ميناء الإسكندرية بعد أن دمرنا لهم ميناء ايلات يوم ٢١ اكتوبر وهو اليوم الذي اتخذ عيدًا للقوات البحرية، كما دمرت القوات البحرية المصرية سفينة الأبحاث الإسرائيلية أمام بحيرة البردويل .. كما ذكر بطولة القوات البحرية المصرية عندما كانت الغواصات المصرية تقف أمام حيفا وأشدود للاستطلاع دون أن يكتشفها الجانب الإسرائيلي .
وتحدث “متولي” عن ميناء إيلات حيث تمت الإغارة عليه بنجاح ٣ مرات في فترات متقاربة، مستعرضًا الأهداف الاستراتيجية للقوات البحرية في حرب أكتوبر، وأهمها منع البترول والإمدادات عن إسرائيل .. والمعاونة في أعمال القتال خلال العمليات والاشتراك في التمهيد النيراني وقصف الأهداف الحيوية للعدو وتأمين النطاق التعبوي للقوات البحرية في البحرين المتوسط والأحمر، مشيدًا بالدور الكبير الذي قام به الفريق أشرف رفعت رئيس عمليات القوات البحرية في حرب أكتوبر وصاحب فكرة غلق باب المندب أثناء الحرب لحرمان إسرائيل من الإمدادات البترولية، ودور المهندس أسامة مطاوع صاحب فكرة كتم أصوات اللنشات البحرية لتتمكن من المشاركة في العمليات القتالية.
وفي حتام كلمته دعا ” متولي” نقابة المهندسين إلى تنظيم رحلة لشباب المهندسين إلى ترسانة الإسكندرية ليشاهدوا بأنفسهم كيف تصنع الأيدي المصرية وحدات بحرية جديدة قادرة على حماية مصالح مصر في البحرين الأحمر والأبيض، وليروا أيضا الوحدات الجديدة التي اشترتها مصر مؤخرًا والتي جعلت الأسطول البحري المصري واحدًا من أقوى أساطيل المنطقة.
في كلمته أشار اللواء محمد نادر عبدالوهاب- رئيس أركان الدفاع الجوي الأسبق، إلى أن سلاح الدفاع الجوي تأسس في أغسطس عام 1970 ليتولى الدفاع عن سماء مصر من هجمات الطيران الإسرائيلي وبالفعل نجح الدفاع الجوي المصري في إقامة نظام دفاع جوي متكامل لحماية الجبهة من طائرات العدو، فيما عرف باسم “حائط الصواريخ” حيث أقيم على مسافة تتراوح بين 12 و18 كيلو متر من خط المواجهة مع الجيش الإسرائيلي لمنع طائرات العدو من استطلاع قوات الجيش المصري غرب القناة، والتي كانت تتم بالاستعانة بطائرات الفانتوم القادرة على تحديد أماكن القيادة لوحدات الجيش المصري في مجال يتراوح بين 30و40 كيلو متر مربع، إضافة إلى استعانة الجيش الإسرائيلي بطائرات استطلاع الكتروني ذات قدرة على التعامل مع جميع النقاط التي يصدر عنها أي ترددات لاسلكية وتحديد إحداثياتها بدقة.
وأوضح “عبدالوهاب” انه أمكن التعامل مع هذه الطائرات بدفع كتائب في مواقع متقدمة لمفاجأة العدو والاشتباك معه، ونجحت هذه الكتائب في إسقاط طائرة “ستراكوروز”، يوم 17 سبتمبر عام 71 في منطقة جنيفة.
وأضاف أن اشتراك قوات الدفاع الجوي مع الجيش في خطة الخداع ا لاستراتيجي كانت من خلال إقامة نماذج هيكلية للصواريخ بطول الجبهة حتي يتم تضليل العدو عن الأماكن الحقيقية لمواقع الصواريخ، بالإضافة إلى إيحاء العدو بأن الجيش المصري يمتلك عدد ضخم من كتائب الصواريخ .
وأشار إلى أنه في صباح يوم 6 أكتوبر ومع هجوم الطائرات المصرية على مواقع القيادة الإسرائيلية توقعت قوات الدفاع الجوي أن يقوم العدو بهجمة جوية مضادة خلال نصف ساعة وهو ما حدث بالفعل فكانت صواريخ الفرقة المسؤولة عن تأمين القناة لها بالمرصاد ونجحت في إسقاط 36 طائرة.