Site icon بوابة العمال

د.عاطف محمد كامل يكتب: الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة الإنسان

مقالة علمية

إن التنوع البيولوجي هو المورد الذي تعتمد عليه الأسر والمجتمعات والأمم والأجيال القادمة. إنه الرابط بين جميع الكائنات الحية على الأرض، ويربط كل منها بنظام بيئي مترابط، حيث يكون لكل الأنواع دورها. إنه شبكة الحياة. وتتكون الأصول الطبيعية للأرض من النباتات والحيوانات والأرض والمياه والغلاف الجوي والبشر! معًا، نشكل جميعًا جزءًا من النظم البيئية للكوكب، مما يعني أنه إذا حدثت أزمة تنوع بيولوجي، فإن صحتنا وسبل عيشنا معرضة للخطر أيضًا. لكننا نستخدم حاليًا 25٪ من الموارد الطبيعية أكثر مما يمكن للكوكب تحمله ونتيجة لذلك، تتعرض الأنواع والموائل والمجتمعات المحلية لضغوط أو تهديدات مباشرة (على سبيل المثال من فقدان الوصول إلى المياه العذبة). ولقد منحت الطبيعة البشرية فوائد صحية لا حصر لها، ويعتقد أنها تحوي العديد من الإنجازات الصحية غير المكتشفة. إلا أننا إذا واصلنا الإضرار بالبيئة، فإننا قد نجازف بفقدان هذه الفوائد… ويقال إن مليون نوع معرض لخطر الانقراض الآن، وإذا استمر تفاقم خسائر الأنواع، فإن وظائف النظام البيئي الحيوية لصحة الإنسان وحياته ستستمر في التعطل.

يشكل تنوع الكائنات الحية أساسًا لنظم بيئية صحية توفر لنا الغذاء والهواء النقي. ففقدان نوع واحد قد يؤثر على التوازن البيئي، مما يؤدي إلى انقراض أنواع أخرى ويهدد سلامة أنظمتنا البيئية. ببساطة، يعني انخفاض التنوع البيولوجي أن ملايين الأشخاص يواجهون مستقبلًا حيث تكون إمدادات الغذاء أكثر عرضة للآفات والأمراض، وحيث تكون المياه العذبة غير منتظمة أو قليلة. بالنسبة للبشر، هذا أمر مقلق. مقلق للغاية بالفعل. ويدعم التنوع البيولوجي صحة الكوكب وله تأثير مباشر على حياتنا جميعًا. ويُعد التنوع البيولوجي أمرًا أساسيًا لصحة ومرونة النظم البيئية ، بما في ذلك قدرتها على الصمود والتعافي من تأثيرات الطقس المتطرف المرتبطة بشكل متزايد بتغير المناخ. توفر النظم الإيكولوجية الغنية بالتنوع البيولوجي مجموعة واسعة من “الخدمات” الحيوية، مثل تلقيح المحاصيل، ودورة المغذيات، وتنظيم المناخ، والتي تعد ضرورية لبقاء جميع أشكال الحياة.

حيث توفر النظم البيئية السلع والخدمات التي تحافظ على كل أشكال الحياة على هذا الكوكب، بما في ذلك حياة الإنسان. وفي حين أن لدينا معرفة واسعة عن كيفية عمل العديد من النظم البيئية، فإنها غالباً ما تنطوي على تعقيدات واسعة النطاق لدرجة أن البشرية قد تجد أنه من المستحيل استبدالها، بغض النظر عن مقدار الأموال التي قد يتم إنفاقها لهذا الغرض.

غالبية الأدوية التي توصف في البلدان الصناعية مشتقة من مركبات طبيعية تنتجها الحيوانات والنباتات (المختبر الحي) حيث يعتمد مليارات الأشخاص في العالم النامي بشكل أساسي على الطب التقليدي القائم على النباتات في الرعاية الصحية الأولية. كما أن العديد من العلاجات التي تأتي من الطبيعة معروفة؛ فالمسكنات مثل المورفين تأتي من خشخاش الأفيون، والكينين المضاد للملاريا من لحاء شجرة الكينا في أمريكا الجنوبية، والمضاد الحيوي البنسلين تنتجه الفطريات المجهرية.

على سبيل المثال، مع ذوبان موطن الدبب القطبية – المصنفة الآن على أنها “مهددة” – في القطب الشمالي بسبب تغير المناخ، أصبح أكبر حيوان مفترس بري في العالم رمزاً للمخاطر التي يشكلها ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وقد يكون أيضاً رمزاً للصحة. تجمع الدبب القطبية كميات هائلة من الدهون قبل السبات، وعلى الرغم من وصول بدانتها إلى درجة تهدد حياة الإنسان، إلا أنها على ما يبدو محصنة ضد مرض السكري من النوع الثاني. وعلى الرغم من انعدام حركتها لعدة أشهر، إلا أن عظامها لا تتأثر. كما أنها لا تتبول خلال هذه الفترة، ولكن كلاها لا تتضرر. إذا فهمنا واستطعنا إعادة إنتاج كيفية قيام الدبب بإزالة السموم من أجسامها أثناء السبات، فقد يقدرنا ذلك على علاج – وربما حتى منع – السمية الناتجة عن الفشل الكلوي لدى البشر.

ويعاني حالياً 13 في المائة من سكان العالم من السمنة السريرية، ومن المتوقع أن يرتفع عدد المصابين بالسكري من النوع الثاني إلى 700 مليون بحلول عام 2045. كما أن واحدة من كل ثلاث نساء فوق سن الخمسين، وواحد من كل خمسة رجال سيعانون من كسور مرتبطة بهشاشة العظام. في الولايات المتحدة وحدها، يقتل الفشل الكلوي أكثر من 82000 شخص ويكلف الاقتصاد الأمريكي 35 مليون دولار سنوياً. لقد طورت الدبب القطبية بشكل طبيعي “حلولا” لهذه المشاكل – مرض السكري من النوع الثاني من السمنة، وهشاشة العظام من انعدام الحركة، والسمية من الفشل الكلوي – التي جميعها تسبب البؤس للملايين. ومثال آخر هو من الشعاب المرجانية، والتي أحيانا تسمى بـ “غابات البحر المطيرة” بسبب كثافة تنوعها البيولوجي. من بين سكان هذه الشعاب التي لا تعد ولا تحصى توجد أصداف مخروطية، وهي رخويات مفترسة تصطاد بالسهام وتوفر 200 مركب سام مختلف.

إن توفير المركبات الكيميائية ليس الأمر الوحيد الذي يجعل التنوع البيولوجي أمراً حيوياً لصحتنا، فقد ساهمت مجموعة مذهلة من الأنواع في إحداث ثورة في المعرفة الطبية. لطالما كانت أسماك الزرد مركزية في معرفتنا بكيفية تكوين الأعضاء، وخاصة القلب. وقد أدت الدودة المستديرة المجهرية إلى فهم “موت الخلايا المبرمج” الذي لا ينظم فقط نمو الأعضاء، ولكن يمكن أن يسبب السرطان عند تعطله. كما استخدم ذباب الفاكهة والأنواع البكتيرية بشكل رئيسي في الأبحاث التي أدت إلى ترسيم خريطة الجينوم البشري. وقد تكون هناك أنواع غير مكتشفة، مثل حيوانات المختبرات العلمية، تمتلك سمات تجعلها مناسبة بشكل خاص لدراسة وعلاج الأمراض التي تصيب الإنسان، وإذا ما فقدنا هذه الأنواع، ستضيع أسرارها معها.

ما الذي يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي؟

إن العامل الرئيسي الذي يؤدي حالياً إلى فقدان التنوع البيولوجي هو تدمير الموائل – على الأرض وفي الجداول والأنهار والبحيرات والمحيطات. ما لم نقم بتقليل استخدامنا للوقود الأحفوري بشكل كبير، من المتوقع أن يهدد تغير المناخ وحده ما يقرب من ربع أو أكثر من جميع الأنواع على الأرض بالانقراض بحلول عام 2050، متجاوزاً حتى فقدان الموائل باعتباره أكبر تهديد للحياة على الأرض. إن الأنواع الموجودة في المحيطات وفي المياه العذبة معرضة أيضاً لخطر كبير من تغير المناخ، خاصة التي تعيش في النظم البيئية الحساسة لارتفاع درجات الحرارة بشكل خاص، مثل الشعاب المرجانية، إلا أن المدى الكامل لهذا الخطر لم يقدر حتى الآن.

كوكب صحي لبشر أصحاء حيث تؤثر الخسائر في التنوع البيولوجي على صحة الإنسان بعدة طرق. فاضطراب النظام البيئي وفقدان التنوع البيولوجي لهما تأثيرات كبيرة على ظهور ونقل وانتشار العديد من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان، وتعد 60 في المائة من مسببات الأمراض المعدية، مثل الملاريا وفيروس كوفيد، حيوانية المصدر، مما يعني أنها دخلت أجسامنا بعد أن عاشت في حيوانات أخرى. إن الفيروس الذي يسبب نقص المناعة البشرية / الإيدز، والذي قتل أكثر من 40 مليون شخص حتى الآن، من المحتمل أن يكون قد أتى من لحوم الشمبانزي التي ذبحت في غرب وسط أفريقيا. وبشكل عام، قد يكون هناك عشرة آلاف فيروس حيوانية المنشأ قادرة على القفز بين الأنواع وإلينا وتنتشر بصمت في البرية اليوم. وهذا ما يجعل نهج “صحة واحدة” – وهو نهج تعاوني متعدد القطاعات ومتعدد التخصصات يجمع بين مختلف الوكالات الحكومية الدولية والحكومات والجهات الفاعلة المحلية والإقليمية لمعالجة صحة الإنسان والصحة البيئية معا – أمراً بالغ الأهمية لتقليل مخاطر انتشار الأمراض في المستقبل. لذلك، إذا أردنا التفكير بطريقة أنانية، فإن تمتع العالم الطبيعي بصحة جيدة سيؤدي إلى أن نكون نحن أيضا أصحاء.

بوليصة تأمين لحياة الكوكب ويتمثل التحدي الرئيسي للمنظمات التي تعمل على الحفاظ على التنوع البيولوجي في إقناع الآخرين – صناع السياسات والجمهور على وجه الخصوص – بأننا نعتمد بشكل أساسي على الحيوانات والنباتات والميكروبات التي نتشارك معها هذا الكوكب الصغير. نحن نعتمد كلياً على السلع والخدمات التي يوفرها العالم الطبيعي، وليس لدينا خيار آخر سوى الحفاظ عليه.

Exit mobile version