عايدة عوض تكتب : الفتنة الطائفية المصرية
الفتنة الطائفية المصرية هذا هو الاسم المعطى في مصر للتناحر الديني بكل أنواعه، كان بين الأديان المختلفة او بين الطوائف المختلفة لكل دين.
حزنت كثيراً مؤخراً عندما قرأت على فيسبوك مشادة قوية بين أناس محترمين ومتعلمين. حزنت لانهم دخلوا الدوامة التي نصبت للعالم كله ولم يعوا ان كل ما يقولوه إنما يصب في صالح من قام بالمؤامرة الأولى. حزنت لأني اعرف انهم يعرفون المؤامرة ولكن عندما يأتي الدور لتطبيقها على واقعنا، ننجرف فيها ونصبح غاضبين.
تكلمت كثيراً عن المخطط الصهيوني بالنسبة للعالم وبالأخص بالنسبة لسياسة “فرق تسد” والتي وجدوا اكبر صدى لها في نفوس البشر عندما تتعلق بمسألة الدين. من طبيعة الشعوب الشرق أوسطيه محبة الدين بلهف وغيره ، ولذا اي مساس بأي دين يمكن اثارة صاحبه بشدة. وهذا تماماً ما استغلوه.
بدأوا بتدمير الدين اليهودي بان حرفوه بعيداً عن تعاليم التوراه واصبح التلمود هو دينهم الصحيح. التلمود هو تجميع للتقاليد والعادات المجتمعية القديمة حتى قبل اليهودية. ولكن لكي يجعلوها مقبولة من اليهود أوهموا الشعب اليهودي ان التلمود هو كمالة اليهودية والتي لم تكتب وانها موروثة شفهياً من جيل لآخر. ثم قالوا انه لكي لا تندثر فيجب كتابتها. وعلى هذا الأساس بدأ “الحكماء” القدماء في كتابة التلمود، واهمين الشعب ان كل ما فيه هو تكملة للتوراه.
واتضح بعد ذلك ان التلمود انحرف تماماً عن تعاليم وروح التوراه وظل كاتبي التلمود يضيفون له كل ما يتوافق مع خططهم حتى يومنا هذا. ومن درسوا التلمود بتبحر، وخصوصاً أمثال ستيفن بن دانون مقدم برنامج Israeli News Live على اليوتيوب، يؤكد بالدليل القاطع على انحراف مبادئ التلمود تماماً عن المبادئ اليهودية الأصلية وان التعاليم اليهودية الحقيقه لا يعمل بها في التلمود. واصبح التلمود كتاب يستخدم لخدمة أغراض سياسية للصهيونية العالمية.
من اهم المبادئ التي حورها التلمود وحور معناها هو ان اليهود شعب الله المختار. ولم يحدد الرب اليهود بانهم هم شعب الله المختار بل حدد كل من آمن به واطاعة هو من شعبه المختار. ولكنهم بعد ٣٠٠ عام بعد مجئ المسيح أرادوا ان يمحوا عن نفسهم تهمة انهم هم الذين قتلوه فحوروا الموضوع الى انه لم يكن المسيح الحقيقي وانهم مازالوا ينتظرون المسيح الحقيقي وانهم هم وحدهم دون غيرهم شعب الله المختار. ومن ذلك نبع كل نوع من التعالي والتفرقة والتحيز والتعصب واصبح باقي البشر اقل من اليهود ولابد ان يسخّروا لخدمتهم. ومن هنا بدأت المشاكل التي استمرت حتى يومنا هذا. بدأوا خطتهم للسيطرة على العالم وايضاً خطتهم لهدم الأخلاق بهدم الأديان.
وجد الاستعمار الإنجليزي وسيلة فعالة للسيطره على اي شعب وهي التفرقة. ولم يجد لدي الشعب المصري اي شئ يفرقه ويكون فعال في التفرقة مثل الدين. فأسس النسخة المصرية لليهودية التلمودية في جماعة الاخوان المسلمين. وبالرغم من انها بدأت دعوية الا انها سرعان ما أصبحت سياسية وعنيفه في محاولات تطبيق سياساتها وما تؤمن به عقائدياً وان كل من لا يؤمن بما بؤمنون فهو كافر.
ودخل على هذه الجماعة تأثير الوهابية السعودية والتي كانت أكثرها تراث للعادات والتقاليد البدوية والصحراوية والتي تطورت في السنوات الأخيرة في نسختها الشعبية بالبعد عن مبادئ وروح الدين الإسلامي الصحيح. فدخل العنف والقتل وكل أنواع الرزيله الى هذا “الدين” وايضاً كما في الدين اليهودي والتلمود، دخل التشدد والتعصب والاستعلاء وان هذا وحده هو الدين الصحيح ومن ليس عليه فهو كافر. وبذلك وصلنا الى داعش فيما قيل انه الإسلام والى اسرائيل فيما قيل انه اليهودية. وكلاهما انعكاس لما وصل اليه تحريف الدين الاصلي.
اما بالنسبة للمسيحية فمحاولات الهدم لم تتمكن من مس مبادئ التعاليم لانه لم يكتب اي تراث اجتماعي لهذه الحقبة ولم تتمركز المسيحية في منطقة الشرق الاوسط بل انتشرت شرقاً وغرباً بالمبادئ الأصلية البسيطه جداً ولذا لم يكن هناك مجالاً كبيراً لتحريرها.
ولكن ما فعلته الصهيونيه كان تحريف المفاهيم للديانة. وبدأ ذلك في الثلاث قرون الماضية. فكان انحلال الأخلاق والابتعاد عن الكنيسة على انها افكار قديمة تتعارض مع الحداثة. ثم مؤخراً بدأ الصهاينة اختراق الكنيسة نفسها ومحاولة تحريفها من الداخل. وفعلاً نجحوا في اختراق الكنيسة الكاثوليكية وبدأوا يضيفوا اشياء لم تكن من الديانة المسيحية الاصليه مثل ما يسمونه the rapture وهو ان بعد عودة المسيح سينتقي المؤمنين منهم ويرفعهم للسماء قبل ان ينهي العالم بكل الخطائين الذين عليه.
ولذا نجد ان في كل ديانة تم التحريف فيها لخدمة أغراض وطموحات دنياويه. ولكن اهم ما زرعوه في كل ديانه هو الكراهية لكل من لا يتماشى مع معتقداتهم هم فقط.
وما حدث في مصر كان إيصال هذه الكراهية الى العنف حيث تم الاعتداءات على المسيحيين الذين لم يتمكنوا من الرد لان ديانتهم تمنعهم من ذلك. وكانت نتيجة ذلك ان الكثير من المسلمين الذين يعرفون دينهم الصحيح يشعرون بالكثير من تأنيب الضمير والذنب لما يفعله المتطرفين بالمسيحيين وبذلك نجد مصادمات بين المسلمين وبعضهم البعض. ومن كل هذا نري ان الخطة الصهيونية قد نجحت بإبهار.
عندما يعى كل المصريين ان ما يحدث لهم هو خطة مدبره للايقاع بينهم وان كل الأديان تطالب بالمحبة والأخاء والتسامح بين كل الناس ولا تفرقة في الأديان او اي شئ اخر. ولكن التفرقة هي اساس الصهيونية وكذلك التعالي والتعصب وهذا ما يبثونه في كل الأديان التي حرفوها.
النقاش الذي دار على فيسبوك لم يكن ليحدث لو ادرك كل طرف من هذا النقاش انهم يفعلون ما رسم لهم من عدوهم المشترك. وهذا ما يدركه بجلاء الرئيس السيسي ويرى ما يحدث للمصريين وقد طالب القائمين على الشئون الدينيه بالعمل على تصحيح المسار. وقد قالها السيسي انه يصعب جداً لمن بداخل المنظومة ان يرى المشكله ليحلها.
النقاشات على فيسبوك لن تحل المشكله بل قد تعقدها اكثر. ما سيحل المشكله هو المعرفة والتوعية بالدين الصحيح وبالتشبث بالمبادئ الأخلاقية التي يحث عليها كل الأديان من تسامح وقبول لكل من هو مختلف كان في الديانة او الطائفة. وعندما يقبل كل واحد الاخر سيعم السلام وسينتهي العنف والفتنة الطائفية.
اعجبني كلام الدكتور وزير الأوقاف من تفهم للموقف وصراحة في كلامه عن محاولات تأجيج التفرقة بين أفراد الشعب الواحد وتوصيفه للمعنى الحقيقي الوطني في هذه المداخلة التليفونية. تحيه لهذا الرجل الوطني الواعي.
ووجدت صدي لما يدور في العالم في كلام الشيخ خالد الجندي، وجدته واعى لما يحدث للأديان في مطالبه لتجديد الخطاب الديني حيث يرفض كل من التشدد الذي لا يمت للدين بصله ، وايضاً يرفض الاباحية التي لا تمت للدين الوسطي الحق بصلة. وجدت كلامه يتماشي مع ما يمر به العالم كله من محاولات هدم الأخلاق عن طريق هدم الأديان وانه متفهم لاهمية وجود مبادئ واخلاق الدين في ممارساتنا اليومية كي ينشأ جيل متفتح وسطي ذو أخلاق وعلم تتقدم البلاد على يديه.
هذه المعركه من اهم معارك هذه الحرب التي تشنها الصهيونية العالميه على المصريين لانها تمس اعز ما لديهم وهو دينهم ولن يتمكن الشعب من تخطي هذه المشكلة بدون مساعدة من القائمين على الشئون الدينيه. ومازلنا لم نخطو الخطوه الأولى من اقتناع هؤلاء بالقيام بواجبهم نحو هذا الشعب المضلل. ولكن ثقتي كبيره في وطنية الجميع وحبهم لهذا الوطن وهذا الشعب وان الجميع سيعمل على نشر الوعي بالمخطط الذي يستهدف وحدتنا.
حفظ الله مصرنا الحبيبه وأبناءها الواعين.