Site icon بوابة العمال

د.فتحي حسين يكتب: فوضى الترقيات العلمية في الجامعات

في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه الجامعات منارات للعلم والبحث الرصين، تعاني العديد منها في مصر والعالم العربي من أزمة حقيقية في نظام الترقيات العلمية.واذا أخذنا كليات الإعلام نموذجا ،سوف نري اشياء يتعجب منها الجميع ،وربما يصل إلي درجة ما من الخبل!

وربما يتساءل البعض ،لماذا كليات الإعلام تحديدا ؟ ،الاجابة لأنها الاسرع والاكثر انجازا في الترقية وإعداد الرسائل وسرعة مناقشتها والابحاث في أيام قليلة ،عن غيرها ، هذه الأزمة لا تتعلق فقط بالتعقيدات الإدارية، بل تمتد إلى المحسوبية والمجاملات التي تجعل من الترقيات أداة لخدمة المصالح الشخصية على حساب الكفاءة والعدالة الأكاديمية. ومن أبرز المشكلات التي تواجه الباحثين الراغبين في الترقية إلى درجات علمية أعلى، كالأساتذة المساعدين أو الأساتذة، هو اشتراط أن يكون المتقدم معينا في كلية أو معهد جامعي رسمي. هذا الشرط، رغم أنه يبدو منطقيا ظاهريا، يُقصي عددا كبيرا من الباحثين المستقلين أو أولئك الذين يعملون في جامعات خاصة أو خارج السلك الأكاديمي الرسمي. فالعديد من الباحثين المتميزين، الذين قد يكونون أكثر كفاءة من زملائهم المعينين، يجدون أنفسهم محرومين من الترقية فقط لأنهم لم يحصلوا على وظيفة أكاديمية دائمة.

ولا تتوقف الأزمة عند الشروط المجحفة، بل تمتد إلى آليات تقييم الأبحاث العلمية. كثيرا ما تكون لجان التقييم خاضعة لعلاقات شخصية بين أعضائها والمتقدمين للترقية، مما يجعل القرارات غير موضوعية. في بعض الأحيان، يتم قبول أبحاث ضعيفة فقط لأن أصحابها لديهم نفوذ داخل الجامعات الحكومية أو الخاصة أو المعاهد العليا ،كالاخوات والاقارب وأبناء أعضاء هيئة التدريس، بينما يتم رفض أبحاث قوية بحجج واهية، لمجرد أن الباحث لا يحظى بالدعم الكافي داخل الدوائر الجامعية.

وهذه الفوضى تؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى البحث العلمي في كليات الإعلام. فحين تصبح الترقية مسألة علاقات أكثر منها استحقاقا علميا، تتراجع جودة الأبحاث الأكاديمية، ويضعف دور الجامعات في إنتاج معرفة حقيقية تفيد المجتمع والصناعة الإعلامية. كما أن إحباط الباحثين الأكفاء يدفعهم إما للهجرة إلى دول تحترم معايير الترقية العادلة، أو التخلي عن الطموح الأكاديمي، مما يحرم الجامعات من العقول المتميزة. ولحل هذه الأزمة، يجب اتخاذ خطوات إصلاحية جذرية، أهمها إلغاء شرط التعيين الرسمي وجعل الترقية قائمة على معايير البحث العلمي وليس الوظيفة الإدارية.و تشكيل لجان تقييم مستقلة لا تعتمد على العلاقات الشخصية بل على معايير موضوعية بحتة. فضلا عن الشفافية في التقييم، من خلال نشر معايير واضحة وتقييمات معلنة تمنع أي شكل من أشكال المحاباة.و تشجيع الباحثين المستقلين ومنحهم فرصة عادلة للترقي من خلال نظام أكثر انفتاحا.لذلك فإن استمرار هذه الفوضى لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع في مستوى البحث العلمي والإعلامي في المنطقة، بينما العالم يتجه إلى تعزيز النزاهة الأكاديمية وتشجيع التميز البحثي بعيدًا عن أي اعتبارات غير علمية. فهل نمتلك الإرادة لإصلاح هذا الخلل المستمر في كليات الإعلام وأقسامها بالكليات الاخري؟!

Exit mobile version