Site icon بوابة العمال

د.فتحي حسين يكتب: وزير التعليم.. الذي قرر المواجهة لا المداراة

منذ اللحظة الأولى لتولي محمد عبد اللطيف حقيبة وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، أدرك الجميع أن الرجل لا ينتمي إلى مدرسة الشعارات، ولا إلى نهج المسكنات المؤقتة، بل إلى مدرسة الفعل قبل القول، والميدان قبل المكاتب، والإصلاح الجذري قبل الإرضاء السطحي.

لم يكن غريبًا أن يحتل اسمه محركات البحث، لا بحثا عن شهرة، بل لأن وزارة التعليم، على مر العقود، كانت ولا تزال من أكثر الملفات حساسية لدى المواطن المصري، الذي يعلق على التعليم آماله في التغيير والارتقاء والعدالة الاجتماعية. ومثلما ورث الوزير منظومة شديدة التعقيد، ورث معها إرثا من الانتقادات التي طالت من سبقوه، فدخل في مرمى نيران السوشيال ميديا، لا لذنب اقترفه، بل لقرار شجاع اتخذه: البدء الفوري في العلاج.

لم يمضِ سوى أيام على أدائه اليمين الدستورية، حتى نزل إلى الميدان، زائرًا المدارس، مستمعًا إلى المعلمين، محاورًا الطلاب، متفقدًا تفاصيل لم يكن كثير من الوزراء يلتفتون إليها. أكثر من 400 مدرسة زارها بنفسه في فترة قياسية، ليقف بنفسه على التحديات الحقيقية، لا تلك التي تُكتب في التقارير الباردة.

ولأن الإصلاح الحقيقي لا يحلو لأصحاب المصالح، كانت القرارات الجريئة للوزير سببًا مباشرًا في إطلاق موجات من التشكيك والشائعات، التي لا تستهدفه شخصيًا بقدر ما تستهدف تعطيل المشروع الوطني لإصلاح التعليم. فالرجل قرر مواجهة مافيا الدروس الخصوصية، ولم يرضَ بأن تبقى المدرسة هامشية في حياة الطالب. وضع نصب عينيه عودة الانضباط، وإحياء هيبة المعلم، وربط المناهج بسوق العمل، والقضاء على “بعبع” الثانوية العامة الذي طالما أرهق الأسر المصرية نفسيًا وماديًا.

ولأن الوزير لم يكتفِ بوضع السياسات من فوق، بل أصر على مشاركتها مع أطراف العملية التعليمية أنفسهم، أصبحنا أمام منظور جديد للإصلاح: يشارك فيه المعلم والطالب وولي الأمر، في تشخيص المشكلات واقتراح الحلول. وهذه فلسفة لا يجرؤ عليها إلا من يثق في أدواته ونقاء مقصده.

وللأمانة، فإن التجربة حتى الآن تقول إن محمد عبد اللطيف لم يخشَ المواجهة، ولم يساوم على جوهر الإصلاح، بل تقدم الصفوف، حاملاً واحدًا من أعقد الملفات، مؤمنًا بأن بناء الإنسان يبدأ من التعليم، وأن دولة بحجم مصر لا تستحق إلا تعليمًا يليق بتاريخها وطموحاتها.

فهل نمنح هذا المشروع حقه من الوقت والدعم؟

وهل نكف عن التسرع في الأحكام، لنقف مع من يعمل لا من يتكلم؟

التاريخ، في النهاية، لا يحفظ الضجيج، بل يسجل الفعل.

Exit mobile version