اعجبتني كثيرا مقولة للكاتب الكبير نجيب محفوظ عندما قال “حين تغلبك عفويتك يكون الصدق شعارك والنية الطيبة منهجك فلا ترهق نفسك لاثبات ذلك، فلن يفهمك إلا من يشبهك”.
حقيقة واقعية نراها في كل مكان وزمان، ان الافراط في العطاء يعلم الناس الاستغلال، والافراط في التسامح يعلم الناس التهاون في حقك، والافراط في الطيبة يجعلك تعتاد الانكسار، والافراط في الاهتمام بالاخرين يعلمهم الاتكالية، فكم من طباع جميلة انقلبت على اصحابها.
الحياة تكشف لنا يوميا، اصنافا من البشر يتفننون في قلب الحقائق بغية تشويه الاخرين، تزيين القبيح وتقبيح الحسن، كلنا نعلم ان الانسان مهما كان محبوبا بين الناس ستجد مريضا نفسيا يكرهه بلا سبب، انت تعيش في زمن كثر فيه اهل الباطل، ان سمعوا عنك خيرا اخفوه، وان سمعوا عنك شرا اذاعوه ونشروه، وان لم يسمعوا عنك شيئا اخترعوه، هم على ظنونهم يأثمون وانت على طهارة قلبك ترزق فلا تبالي.
اناس يكرهونك ليس لانك سيئ وانما حضورك يلغي وجودهم،فكل انسان يراك بعين طبعه،فلا تنتظر من الخبيث ان يراك نقيا.
والله لو صاحب الإنسان جبريلا .. لم يسلم المرء من قال ومن قيـلا
قد قيل فى الله أقوالاً مصنفهً .. تتلى إذا رتل القـرآن ترتيلا
قـد قـيـل أن له ولـداً وصاحبهً .. زوراً عليه و بهتاناً وتضليلا
هذا قولهم فى الله خالقـهم .. فكيف لو قيل فينا بعض ماقيلا.
لذا لا اجد وصفا لهذا الصنف من البشر، إلا ان اطلق عليهم موتى القلوب، فاذا مات القلب ذهبت الرحمة، واذا مات العقل ذهبت الحكمة، واذا مات الضمير ذهب كل شيء، فلا تبالي.
هناك قاعدة لابد ان تستفيد منها، البحر الهادئ لا يصنع بحاراً ماهراً أبداً ..أستفد من العقبات فأنها تزيد مهاراتك .
امثال هؤلاء جعلونا نقول، لاسامحهم الله ولا عفى عنهم جعلونا نقول ان الطيبة اسوأ ما فى الانسان، ونسوا ان الله خلق الوجوه لتبتسم، ولم يعلموا ان كل مايقال خلف الابواب المغلقة، يتم امام وجه الله، والله يمهل ولا يهمل.
فهل هذا نوعا من الحسد؟ نعم فالحسد ليس دائما مرتبط بالماديات فقط، فهناك اشخاص اذا وجدوك محبوبا يمرضون .
اعلم يقينا ان الانسان لن يستطيع ان يمنع الناس من الكلام عنه، لكن تستطيع ان تمنع نفسك من التأثر بما يقولون ، لان مفتاح العقول بيديك لا بايديهم. اعلم يقينا انك لست مجبرا لتصحيح افكار الاخرين، ولكن انت مضطر لمرعاة حجم عقولهم. فالنفوس الخبيثة كالارض المالحة لن تنبت خيرا ولو سقيتها انهارا.
علاج هؤلاء، هو الصبر، والكتمان ،
فهيبة الصمت اجمل من الف حديث، فالاقدار مكتوبة فلتعش بهدوء، وكرم الله لن يتأخر، وانما ياتي في الوقت المناسب، وما كان ربك نسيا.
التجاهل هو عبارة وداع بطريقة قاتلة تجعل صاحب الكرامة إن وجدت تتمزق ببطء، وتيقن بان كل الخسائر قابلة للتعويض إلا ان تخسر سنوات عمرك باحثا عن ارضاء الناس.
القوة ليست دائما فيما نقول ونفعل، احيانا تكون فيما نصمت عنه وفيما نتركه بارادتنا او فيما نتجاهله .
اذا كنت مثلا لا ترى إلا الجزء السيئ من زميلك في العمل فاعلم ان هذا مايناسبك، عاشر من يزيد حياتك حياة، ورافق من يكون لك عونا على الحياة، وصاحب من يجعل لك من الصعاب حياة، وصاحب من يبهج قلبك ويعيد له الحياة، فعجبا للبشر، يحبون الطيب لكن لا يعطونه حقه، ولا يحبون السيئ ولكن دائما يحسبون له الف حساب.
ومن سنة الحياة انه لن يبقى كل شيئ على حاله، حتى الشمس ستكسر الروتين يوما وتشرق غربا لتعلن النهاية. وفي النهاية اذا لم تستطع ان تنافس الصالحين في صلاحهم فنافس المذنبين في استغفارهم.