يبدو أن اتحاد الكرة المصري قرر أن يُحوّل اللوائح من قوانين صارمة إلى كُتيب إرشادات مرن، يُعدَّل حسب المقاس… لكن بشرط أن يكون المقاس “أحمر”، لا أبيض، لا أزرق، ولا حتى رمادي!
نتذكر جميعًا حين انسحب الزمالك في إحدى مباريات الدوري، فخرج علينا اتحاد الكرة بوجهه العابس، حاملًا العصا الغليظة، ليُعلن دون تردد: “خصم 3 نقاط من رصيد الفريق في نهاية الموسم”. نفذ القرار بلا مراجعة، بلا تأجيل، بلا تفاوض. أما الآن، ومع انسحاب النادي الأهلي – أو “النادي السيادي” كما يحلو لبعضهم تسميته – فوجدنا أنفسنا أمام لائحة جديدة… نسخة معدلة، فقط خصم 3 نقاط من رصيد هذا الموسم، لا خصم إضافي في نهاية الموسم، ولا تأنيب، ولا حتى “كلمة بحبك”.
هنا لا نحتاج لخبير قانوني كي يخبرنا أن ما جرى ليس تطبيقًا للائحة، بل هو تأليف موسيقي على أوتار اللوائح، يتم ضبطه حسب الجهة المنسحبة. فهل نحن في دوري كرة قدم، أم في فرقة موسيقية؟ ومن الذي يمسك بعصا القائد؟ يبدو أنها بيد من لا يعرف العدل، بل يعرف فقط لون القميص!
وهكذا، فإن الدوري المصري لم يعد بطولة رياضية، بل عرض مسرحي طويل، نهايته معروفة مسبقًا: الأهلي يفوز، والكل يصفق! وإن تجرأ أحد على الاعتراض، قيل له: “مصلحة الوطن فوق الجميع”. لكن أي وطن هذا الذي تُمارس فيه كرة القدم بمعايير سياسية؟ وهل العدالة صارت خطرًا على الأمن القومي؟
في الحقيقة، إن استمرار هذا المسلسل الرديء، لا يُسيء فقط إلى الأندية التي تُعامل كمواطنين درجة ثانية، بل يُكرّس مبدأً كارثيًا: أن العدالة اختيارية، تُطبَّق فقط على الضعفاء، وتُعلَّق عندما يتعلق الأمر بالأقوياء. وهذا هو مربط الفرس، بل مربط الخيبة كلها.
ما يحدث في الكرة، لا ينفصل عما يحدث في باقي نواحي الحياة. فإذا غابت العدالة هنا، فكيف نطلبها في التعليم، أو في الصحة، أو في القضاء؟ كيف نعلّم أولادنا أن الحق يُنتزع لا يُوهب، بينما نرى أمام أعيننا من يُمنح الفوز بالبطولات، فقط لأنه صاحب الحظوة والقُربى؟
ولذا، لا تسألوني: “لماذا انحدرت الكرة المصرية؟”، فالانحدار نتيجة طبيعية عندما يصبح القانون مجرد وجهة نظر، ويصبح البطل معروفًا قبل صافرة البداية.
فيا سادة اتحاد الكرة، دعونا نلعب كرة قدم… لا سياسة، ولا محاباة، ولا استغباء!