بقلم السفير الدكتورالحبيب النوبي مستشار عمدة مدينة نيويورك لشئون الموارد البشرية وإدارة المشردين
عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الولايات المتحدة بعد أول زيارة رسمية له للخارج، والتي كانت أيضًا أول زيارة خارجية له خلال ولايته الأولى، وكانت إلى منطقة الخليج العربي. وبعد عودته، بدأ الجميع يتساءل: ماذا حققت هذه الزيارة؟
أولاً، من الناحية الاقتصادية، استطاع ترامب تأمين عقود استثمارية تصل إلى أربعة تريليونات دولار لصالح الولايات المتحدة، وخاصة لصالح مصانع السلاح والمعدات الدفاعية، التي ضمنت استثمارات لسنوات طويلة قادمة. كذلك شركة بوينج الأمريكية حصلت على صفقات تكفيها لعشر سنوات قادمة. كما افتتح ترامب خلال زيارته أكبر مركز للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة في دولة الإمارات.
أما من ناحية العلاقات الاستراتيجية، فقد أعلن ترامب شراكة استراتيجية مع دول الخليج، مؤكدًا أن الولايات المتحدة مسؤولة عن الدفاع عن هذه الدول، وخاصة الإمارات. وهنا يمكننا ان نقول المثل الشهير في مصر: “اللي متغطي بأمريكا عريان”، وهذا المثل يشير إلى أنه لا يمكن الاعتماد بشكل كامل على أمريكا في الحماية، وهو ما أثبتته التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية.
فبعد أن تعهدت أمريكا بالدفاع عن اليابان، سمحت اليابان لامريكا ببناء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها في اوكيناوا. ولكن فجأة احتلت روسيا الجزر اليابانية الكوريل في الشمال، هنا لم تتدخل أمريكا لحمايتها، واستعادة هذه الجزر ومازالت حتى الان تحت الاحتلال الروسي مما دفع اليابان لإعادة بناء جيشها ليصبح الآن سادس أقوى جيش في العالم.
أما على الجانب الآخر، فكان أحد الأهداف الرئيسية لزيارة ترامب هو مواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة الخليج، خاصة بعد انضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة “بريكس” التي تضم دولًا كبرى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى دول جديدة مثل مصر وإريتريا وإندونيسيا.
هذه المجموعة بدأت تفكر في إطلاق عملة جديدة تنافس الدولار الأمريكي، وهو ما أثار قلق الولايات المتحدة. ولهذا جاء ترامب الي منطقة الخليج ليقنع دول الخليج ولاحتواءهم لكي لا ينضموا لهذه المجموعة، لأن انضمام دول قوية اقتصاديًا كالخليج سيزيد من قوة “بريكس” وسيضعف الدولار الامريكي مستقبلا ولذلك واعتقد ان الهدف الاستراتيجي الامريكي لهذه الزيارة هو منع دول مجلس التعاون الخليجي من الانضمام الى البريكس.
من بين نتائج الزيارة أيضًا، قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ولقاء ترامب بأحمد الشرع، وهو أمر فاجأ الكثيرين. فقد كانت الولايات المتحدة تعتبره شخصية إرهابية، وكانت قد عرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه. لكن الآن، وبعد وعود قدمها الشرع بتنفيذ شروط ترامب الخمسة، تم رفع العقوبات، مما أثار فرحة في الشارع السوري، رغم أن الخطوة تعني خروج سوريا من عباءة إيران ودخولها تحت النفوذ التركي وبالتالي الأمريكي.
على جانب آخر، كان ترامب يخطط لإنهاء زيارته بجولة إلى إسطنبول لحضور قمة السلام بين روسيا وأوكرانيا. وقد حضر الرئيس الأوكراني، لكن الرئيس الروسي بوتين لم يحضر، إلى تركيا. وهذا يمكن اعتباره أول إخفاق في الزيارة، حيث كان يأمل ترامب أن ينجح في إقناع الرئيس الروسي باتفاق وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 3-4 حيث يتم انتخاب برلمان ورئيس جديد يوقع اتفاق سلام دائم لان الرئيس الاوكراني والبرلمان ولايتهم منتهية لذلك لا يحق لهم توقيع اتفاقية لذلك يجب ان يتم انتخابات جديدة في اوكرانيا ليحل السلام.
وكانت الخطة أن يلي ذلك نجاحًا ثانيًا بإعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة. ولكن نتنياهو لم يلتزم بتعهداته، وفور مغادرة ترامب للمنطقة، أطلق عملية عسكرية موسعة في غزة ” عربات جدعون”، مما جعل ترامب يؤجل زيارته لإسرائيل، ويعتبر هذا الإخفاق الثاني.
أما الإخفاق الثالث، فكان فشل التوصل إلى اتفاق مع إيران بخصوص ملف السلاح النووي، حيث ترفض طهران تسليم المخزون لأي طرف، حتى مع اقتراح روسيا أن تكون الطرف الوسيط.
ورغم هذه الإخفاقات، فإنني ارى أن ترامب وهو في طائرته الرئاسية “Air Force 1″، كان يشعر بالرضا، لأنه حقق الهدف الاستراتيجي الأهم من الزيارة، وهو إضعاف التقدم الصيني السريع اقتصاديًا، ووقف تمدده داخل منطقة الخليج، الذي كانت الصين تسعى إلى تحويله إلى بوابة جديدة لمشاريعها العملاقة، مثل طريق الحرير وهو الطريق الذي سيمر بشكل اساسي على الامارات وهو ما كان يسعى اليه ترامب ان يبطئ تقدم الصين السريع بإصلاح العلاقات مع دول الخليج والامارات والسعودية.
وهكذا يمكن القول إن زيارة ترامب إلى الخليج نجحت في تحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية مهمة، وأعادت التأكيد على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ورغم وجود بعض العقبات في ملفات أخرى الا ان يبدو أن ترامب، بعد نجاحه في أهم أهدافه وهو الحد من نفوذ الصين، سيتجه في الفترة القادمة إلى التركيز على الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف السلام وإيقاف الحروب، بين روسيا واوكرانيا، وبين اسرائيل وغزة، سعيًا لتحقيق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام.