مع تسارع وتيرة التغير البيئي والمناخى وتزايد الضغوط على التنوع البيولوجي والحيوانات البرية من تدمير البيئات الطبيعية والصيد الجائر وتأثير التغيرات المناخية ، أصبحت الحاجة إلى حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة وماتحتوية من حيوانات برية بأنواعها أشد من أي وقت مضى.
يوفر الذكاء الاصطناعي سبيلاً واعداً لمواجهة هذه التحديات وخاصة الأمراض البيطرية، إذ يوفر لخبراء الحياة البرية وأطباء الطب البيطرى أدوات فعّالة لمراقبة الحياة البرية وصحتها، والتنبؤ بالتغيرات البيئية والمناخية ومعرفة الأمراض وانواعها، ودفع جهود الحفاظ القائمة على الأدلة والفحص الدقيق ضد الأمراض البيطرية بأنواعها. ومن خلال تبني الذكاء الاصطناعي والاستفادة من قدراته، يمكننا تعزيز جهودنا لحماية الحيوانات البرية من الأمراض والحفاظ عليها للأجيال القادمة.
ما هو علم الأمراض البيطرية؟ علم الأمراض البيطرية مجالٌ متعدد الجوانب في الطب البيطري، يُركز على تشخيص الأمراض لدى الحيوانات البرية. يُعدّ هذا التخصص أساسيًا للحفاظ على صحة الحيوان، وبالتالي صحة الإنسان. يشمل علم الأمراض البيطرية جوانب تشخيصية وبحثية وما قبل سريرية، ولكلٍّ منها دورٌ حاسم في فهم أمراض الحيوانات البرية وطرق إدارتها. ومع تطور الذكاء الاصطناعي بشكل مستمر، أصبح من الممكن تطبيق هذه التكنولوجيا في العديد من المجالات، ومنها رعاية الحيوانات. يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة حياة الحيوانات في البرية. هذا المجال يشهد العديد من الابتكارات التي تهدف إلى توفير رعاية صحية أفضل وحياة أكثر راحة للحيوانات البرية وحمايتها من الإنقراض.
يشمل علم الأمراض البيطرية التشخيصي فحص الأنسجة وسوائل الجسم والأعضاء لتشخيص أمراض الحيوانات.
ويلعب أخصائيو علم الأمراض البيطرية دورًا حاسمًا في تحديد الأمراض وتوصيفها، والمساعدة في اتخاذ قرارات العلاج الفوري وإدارة الأمراض.
ويركز علم الأمراض البيطرية البحثي على دراسة آليات وأسباب وعلاجات أمراض الحيوانات البرية. ويُساهم هذا الفرع في تطوير الطب البيطري، وتطوير علاجات جديدة، وفهم علامات المرض.
يركز علم الأمراض البيطرية ما قبل السريري على تقييم سلامة وفعالية الأدوية والمواد الكيميائية والتدخلات الأخرى في الحيوانات قبل تطبيقها سريريًا. يلعب هذا الفرع دورًا حاسمًا في تطوير الأدوية، وضمان سلامة العلاجات وتقليل المخاطر على صحة الحيوانات البرية والإنسان.
ولمعرفة كيف يُدمج الذكاء الاصطناعي في علم الأمراض البيطرية؟ حيث يتزايد دمج الذكاء الاصطناعي في علم الأمراض البيطرية، مُحدثًا ثورةً في طريقة تشخيص أخصائيي الأمراض للأمراض البيطرية وإجراء البحوث. تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في علم الأمراض البيطرية ما يلي:
-تحليل الصور: يُحلل الذكاء الاصطناعي الصور، مُساعدًا أخصائيي الأمراض على تحديد التشوهات وتشخيص الأمراض، بما في ذلك الكشف عن الأورام، وتصنيف الخلايا، وتحديد خصائصها.
-التعرف على الأنماط: يتعرف الذكاء الاصطناعي على الأنماط، مُساعدًا أخصائيي الأمراض على تحديد اتجاهات المرض، وارتباطاته، ومؤشراته الحيوية، وهو مفيدٌ بشكل خاص للأبحاث التي تكشف عن آليات المرض.
-المساعدة التشخيصية: تُعدّ أنظمة الذكاء الاصطناعي بمثابة أدوات تشخيصية، تُزوّد أخصائيي الأمراض بآراء طبية ثانية، وتُساعدهم في اتخاذ القرارات.
-النمذجة التنبؤية: يُمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في التنبؤ بالمرض باستخدام تاريخ المريض، ونتائج المختبر، والتصوير، مما يُساعد أخصائيي الأمراض على توقع تطور المرض وتصميم العلاجات لتحقيق نتائج أفضل.
-يمكن للذكاء الاصطناعي حل التحديات في علم الأمراض البيطرية. حيث غالبًا ما يواجه أخصائيو علم الأمراض البيطرية أمراضًا معقدة ذات أعراض متنوعة ومتداخلة. يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تشخيص الأمراض من خلال تحليل الصور الرقمية للأنسجة وسوائل الجسم، وتحديد الأنماط الدقيقة والتشوهات التي قد لا تكون واضحة للعين البشرية ، حيث يمكن أن يساعد هذا في تقليل عبء العمل وتحسين فترات الاستجابة. هذه الأنظمة تتيح جمع بيانات دقيقة حول حركة الحيوانات وتفاعلاتها، مما يساعد الباحثين على اتخاذ قرارات علمية لعلاجها ولحمايتها.
يتمتع الذكاء الاصطناعي أيضًا بالقدرة على تخفيف التعب من خلال تقليل الحاجة إلى المهام الشاقة أو المتكررة، مثل العد (مثلًا: أعداد الانقسامات أو تعداد الخلايا)، أو القياس (مثل أقطار النواة أو الخلايا)، أو البحث عن التفاصيل الدقيقة (مثل الخلايا ثنائية أو متعددة النوى بين مجموعات الخلايا وحيدة النواة الورمية).
ويعني استخدام الذكاء الاصطناعي المساعد أن النتائج المُنتجة تُستخدم لدعم أخصائي علم الأمراض البيطرية في اتخاذ القرارات.
-التشخيص عن بعد تستطيع حيث تعتمد أنظمة علم الأمراض عن بُعد القائمة على الذكاء الاصطناعي تجاوز العوائق الجغرافية من خلال تمكين الاستشارة والتشخيص عن بُعد.
ويمكن لأخصائيي علم الأمراض استخدام التصوير الرقمي وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل العينات من مواقع بعيدة، مما يُوسّع نطاق الوصول إلى خدمات علم الأمراض البيطرية، ويُحسّن رعاية المرضى. باختصار، يُقدم الذكاء الاصطناعي فوائد جوهرية لعلماء الطب البيطرى:
قاعدة معرفية مُوسّعة: يُسهّل الذكاء الاصطناعي تجميع وتحليل كميات هائلة من البيانات من مصادر مُتنوعة، مما يُؤدي إلى اكتشاف علامات مرضية جديدة، وأهداف علاجية، واستراتيجيات علاجية.
– المراقبة الصحية باستخدام الذكاء الاصطناعي حيث تُعد صحة الحيوانات من الأولويات في رعايتها، والذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال. من خلال الأجهزة القابلة للارتداء، مثل الأطواق الذكية التي يتم تركيبها على الحيوانات، يمكن جمع البيانات الصحية المتعلقة بحالة الحيوان.
تتضمن هذه البيانات معلومات عن درجة حرارته، معدل ضربات قلبه، وحتى مستوى نشاطه اليومي. من خلال تحليل هذه البيانات، يستطيع الذكاء الاصطناعي اكتشاف أي تغييرات غير طبيعية قد تشير إلى مشكلات صحية مبكرة. هذا التحليل يتيح للأطباء البيطريين التدخل سريعًا وعلاج المشاكل الصحية في الحيوانات البرية قبل تفاقمها.
– تشخيص الأمراض البيطرية باستخدام الذكاء الاصطناعي حيث يقدم الذكاء الاصطناعي أدوات متطورة لتشخيص الأمراض في الحيوانات البرية. على سبيل المثال، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الطبية مثل الأشعة السينية أو الأشعة المقطعية. تقوم هذه الأنظمة بالبحث عن علامات الأمراض أو تحديد الإصابات في الصور، ويمكنها التعرف على أنماط معينة قد تكون غير مرئية للبشر. هذا يساعد في تسريع التشخيص وتقديم العلاج في وقت مبكر، مما يحسن من صحة الحيوان. الابتكار في الأجهزة المساعدة للحيوانات
أيضًا في مجال الأطراف الاصطناعية، حيث يقدم الذكاء الاصطناعي حلولًا مبتكرة للحيوانات التي فقدت أطرافها. باستخدام التقنيات الحديثة، يتم تصميم أطراف صناعية ذكية تمكّن الحيوانات من التكيف بشكل أسرع مع حياتها اليومية. تتضمن هذه الأطراف تقنيات تساعد الحيوان على المشي بشكل طبيعي، كما يمكن تعديلها وفقًا لاحتياجات الحيوان. هذا النوع من الابتكارات يعزز جودة حياة الحيوانات التي تواجه تحديات جسدية صعبة.
– مراقبة التغذية والسلوك فالذكاء الاصطناعي أيضًا يُستخدم في مراقبة سلوك الحيوانات الغذائي وتحليل نمط حياتها. من خلال أنظمة ذكية تراقب طعام الحيوان، يمكن تحديد أي تغييرات غير طبيعية في شهيته أو نمط تناوله. التغيرات المفاجئة في التغذية قد تكون مؤشرًا على وجود مشكلة صحية مثل التسمم أو فقدان الشهية بسبب الأمراض. هذه الأنظمة الذكية تتيح لأصحاب الحيوانات الأليفة أو الأطباء البيطريين اتخاذ الإجراءات اللازمة في وقت مبكر، مما يساعد في الحفاظ على صحة الحيوان.
-تحسين التدريب السلوكي للحيوانات بعد العلاج من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تساعد أيضًا في تحسين برامج تدريب الحيوانات. كذلك تساعد الأنظمة الذكية في تدريب الحيوانات البرية المريضة بشكل أكثر كفاءة من خلال تكييف الأساليب بما يتناسب مع احتياجات كل حيوان على حدة. هذا النوع من التكنولوجيا يساهم في تحسين استجابة الحيوانات ويزيد من فاعلية التدريب.
وختاما لايقتصر إستخدام الذكاء الاصطناعي فقط على الحيوانات الأليفة أو الزراعية، بل يمتد أيضًا إلى الحياة البرية ومرقبة الأنواع المهددة بالإنقراض. ُساعد التطورات التكنولوجية أخصائيي علم الأمراض البيطرية على تحقيق دقة أكبر بجهد أقل وخاصة في الحيوانات البرية في الغابات. ويكتسب تحليل الصور المُعزز بالذكاء الاصطناعي مكانةً في الطب البيطري كأداة قياسية وفعّال ومع تطبيق المزيد من الأجهزة، على سبيل المثال، يتم تركيب كاميرات مزودة بتقنيات التعرف على الصور لرصد الحيوانات البرية في بيئاتها
كاتب المقال. ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – عضو اللجنة العلمية والإدارية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- المستشار العلمى لحديقة الحيوان بالجيزة-الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة.بين شعوب العالم