أهم الأخبارالاقتصادتحقيقات و ملفاتعمال

الحد الأدنى للأجور نضال اتحادات عمالية انتقل من قضية وطنية لرأي عام عالمي

الاتفاقيات الدولية ملزمة للحكومات.. وتوفير مستوى معيشي لائق وظروف عمل عادلة ركيزة أساسية للحقوق الاجتماعية

كتب: محمد حربي
الحد الأدنى للأجور، والبحث عن أجر مُنصف للجميع، هو ثمرة نضال حركات واتحادات عمالية، وانتقل من مجرد قضية كفاح وطني، إلى رأي عام عالمي؛ حيث انطلقت شرارته الأولى من نيوزيلندا في عام 1894م.، ثم امتد لهيبها إلى أستراليا عام 1896 م.، ومن بعدهما المملكة المتحدة عام 1909م.؛ فيما ظلت الولايات المتحدة الأمريكية معزولة عن هذا التيار، قرابة ثلاثة عقود زمنية؛ حتى أقرته بموجب قانون معايير العمل العادل في عام 1938م.؛ وأما على مستوى البلدان النامية، فكانت الهند من الأوائل في إقرار سياسة الحد الأدنى للأجور ضمن قوانينها في عام 1948م.

واليوم هناك أكثر من 90 بالمئة من الدول الأعضاء بمنظمة العمل الدولية، التي صادقت على الاتفاقية رقم (131) لسنة 1970م.، ملزمة بإنشاء نظام للأجور الدنيا، يغطي جميع فئات العاملين بأجر. وبما أن الاتفاقيات الدولية، تكون مكملة للقوانيين الوطنية، بعد المصادقة عليها من البرلمانات المحلية؛ فإنها تصبح ملزمة للحكومات؛ وعليها الوفاء بتعهداتها لمنظمة العمل الدولية، في توفير مستوى معيشي لائق وظروف عمل عادلة؛ باعتبار ذلك يمثل الركيزة الأساسية للحقوق الاجتماعية.

وكانت من أوائل الدول العربية، التي صادقت على اتفاقية منظمة العمل الدولية، بشأن الحد الأدنى للأجور، هي: مصر في (12 مايو 1976م.)، العراق في (16 مايو 1974م.)، لبنان في (1 يونيو 1977م.)، ليبيا في (27 مايو 1971م.)، المغرب في (16 مايو 2013م.)، سوريا في (18 أبريل 1972م.) اليمن في (29 يوليو 1976م.).
وفي كل قوانين العالم، تتولى الحكومات تحديد الحد الأدنى للأجور، باعتباره مؤشراً اجتماعياً، وأحد أدوات السياسات الاجتماعية والاقتصادية لضمان الحدود الدنيا من الدخل، التي توفر حياة كريمة للعاملين وأسرهم، وتحميهم من استغلال أرباب العمل، والقطاع الخاص ” المُستغل”. كما يتسم الحد الأدنى للأجور، بأنه متزايد، بشكل يواكب التغيرات المضطردة في مستويات المعيشة؛ بما يُعزز منظومة الحماية الاجتماعية، ويقلل من مستويات التفاوت الاجتماعي (اللامساواة الاقتصادية)؛ وإلى جانب ذلك، فهو يلعب دوراً أساسياً كمحفز اقتصادي، من حيث دوره الأساسي في زيادة الطلب المحلي الكلي على السلع والخدمات، وتحريك لعجلة الاقتصاد.
وفي سبيل حماية العمال من الاستغلال، ولضمان حصولهم على أجور عادلة؛ فإن الدول الأوروبية، تقوم بفرض عقوبات رادعة ضد الممتنعين عن تطبيق الحد الأدنى للأجور، تشمل: غرامات مالية، وفرض قيود على السفر، وتجميد للأصول، وفقدان للمزايا التجارية؛ وقد تصل أحياناً إلى فرض حظر على التجارة مع الدول التي لا تلتزم. وأما على المستوى العربي، فإن المملكة الأردنية الهاشمية، ووفقاً لنص المادة ” 53″ من قانون العمل الأردني، تقوم بفرض عقوبات ضد كل صاحب عمل، يدفع أجراً أقل عن الحد الأدنى للأجور المقررة.
وقد جاء قرر المجلس القومي للأجور، بزيادة الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص إلى 7000 جنيه، وتطبيقه اعتبارًا من 1 مارس لعام 2025م.؛ ليعكس رؤية الرئيس عبدالفتاح- رئيس الجمهورية، وحرصه على تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وبما يتماشى مع المستجدات الاقتصادية الراهنة، والمعايير الدولية في دعم القوى العاملة، وتحسين مستوى المعيشة؛ خاصة في ظل دعوة منظمة العمل الدولية للدول الأعضاء، بضرورة مراجعة الحد الأدنى للأجور على أساس دوري، لحماية القوة الشرائية للأسر، واستيعاب التغيرات الاقتصادية التدريجية.
ولم يشهد الحد الأدنى للأجور في مصر حالة ثبات؛ بل كان دائما متحركاً على منحنى التدرج والزيادة؛ حيث صدر أول نظام للأجور، وعُرف ” بكادر الموظفين” خلال القرن الماضي في عام 1907 م.، وقسمها إلى ثمان درجات، تبدأ من أدنى السُلم الوظيفي عند الدرجة الرابعة وقرر لها خمس جُنيهات شهريًا، وتنتهي في أعلاه بدرجة ناظر إدارة بمبلغ 65 جُنيهًا. وفي عام 1978م.، أصدر الرئيس الراحل أنور السادات- رئيس الجمهورية، عدة قوانين تُنظم أحوال الموظفين، برفع الحد الأدنى للأجور من 12 إلى 16 جُنيهًا شهريًا، ثم توالت بعد ذلك التعديلات على الحد الأدنى للأجور ليبلغ 35 جنيهًا شهرياً في 1986م، ثم أرتفع إلى 214.75 جنيهًا شهرياً في عام 2013 م، وفي عام 2015 م. وصل 621.75 جُنيهًا شهرياً.
وفي عام 2016 م.، صدر قانون الخدمة المدنية الجديد، والذي رفع الحد الأدنى للأُجُور ليبلغ 835 جُنيهًا شهرياً، وذلك بزيادة قدرها 213.25 جُنيهًا أي ما نسبته 34% من الحد الأدنى للأُجُور، مقارنة بعام 2015م. وبعد ذلك صدور القرار الرئاسي في 2019 ليرفع الحد الأدنى للأجور من 835 جُنيهًا إلى 2000 جُنيهًا شهريًا، بزيادة قدرها 140% تقريبًا من الحد الأدنى السابق عليه، ثم تلى ذلك القرار برفعه إلى 2400 جنيه شهرياً في 15 مارس 2021م. وهذا كله مفاده زيادة النقود القابلة للإنفاق في أيدي العمال، وتوجيهها لعمليات الشراء الاستهلاك، بما يؤدي لتحريك الأسواق، وتحفيز الإنتاج؛ وبالتالي زيادة معدلات التشغيل والتوظيف، ومن ثم تخفيض معدلات البطالة.
هذا والحد الأدنى للأجور، تختلف معدلاته من مجتمع لآخر، وفقاً لثقافة حقوق الإنسان، في إقرار الأجر العادل، وذلك كما تظهره الجداول التالية:

زر الذهاب إلى الأعلى