Site icon بوابة العمال

المرأة الجديدة: دماء الفتيات على الطريق تكشف هشاشة الحماية الاجتماعية للنساء العاملات

كتبت : ميادة فايق 

تنعى مؤسسة المرأة الجديدة ببالغ الحزن والأسى ضحايا الحادث المروّع الذي وقع على الطريق الإقليمي بمركز أشمون في محافظة المنوفية، وأسفر عن مصرع 19 شخصًا، بينهم 18 فتاة في عمر الزهور، وإصابة ثلاثة آخرين.

في يوم الجمعة 14 يونيو 2025، فجعت قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف بفقدان 18 من بناتها، تراوحت أعمارهن بين 14 و22 عامًا، أثناء توجههن إلى أحد مصانع مدينة السادات. اصطدم الميكروباص الذي كان يقلهن بشاحنة نقل ثقيل، ليتحول الطريق إلى مسرح دموي لفاجعة لم تكن قضاءً وقدرًا فحسب، بل جريمة اجتماعية مكتملة الأركان.

وراء هذا الحادث تتكشف من جديد هشاشة منظومة الحماية الاجتماعية في مصر، التي تدفع بأضعف الفئات – فتيات لم تتح لهن فرصة التعليم، ولا توفرت لهن وسائل نقل آمنة، ولا تأمين اجتماعي أو صحي، ولا حتى الحد الأدنى من شروط العمل اللائق – إلى الموت المجاني على طرقات لا ترحم.

إن وصف ما جرى بـ«حادث سير» يُفرغ المأساة من سياقها الحقيقي. فهذه الكارثة تمثل تجليًا لعنف بنيوي منظم تُنتجه سياسات اقتصادية واجتماعية لا تكترث بالفقراء، خاصة النساء الشابات، اللواتي يقعن ضحايا معادلة جشع السوق وغياب العدالة.

وتكشف هذه الفاجعة عن تقاطع أشكال معقدة من العنف البنيوي والتمييز الهيكلي ضد النساء، في مقدمتها الفقر الذي يجبر فتيات في سن الطفولة على دخول سوق العمل بلا حماية. ضعف الإنفاق العام على التعليم يُفاقم أزمة التسرب الدراسي، خاصة في المناطق الريفية، ليعيد إنتاج الفقر عبر الأجيال.

وفي غياب سياسات تشغيل تراعي النوع الاجتماعي، وانتشار النقل غير الرسمي وغير المؤمَّن، تجد العاملات أنفسهن معرضات لمخاطر مميتة، بلا ضمانات للسلامة أو الكرامة.

إن حادث كفر السنابسة ليس نتيجة إهمال فردي عابر، بل هو نتاج نسق إنتاجي كامل يتخلى عن أبسط معايير الحماية، ودولة تخلت فعليًا عن مسؤولياتها تجاه النساء الفقيرات.

كما أن وجود ضحايا لم يتجاوزن الرابعة عشرة من العمر يسلط الضوء على ظاهرة عمالة الأطفال، المنتشرة خاصة في المناطق الريفية والصناعية بلا رادع أو رقابة. هذه الظاهرة تتغذى على الفقر، وتفاقمها سياسات عاجزة عن تقديم الدعم الاجتماعي الفعال.

تُدفع الأسر الفقيرة بأطفالها – بنات وبنين – إلى سوق العمل في أعمال شاقة وخطرة، دون عقود أو تأمينات، في خرق سافر للقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.

وهنا تتحمل وزارة العمل مسؤولية مباشرة، بسبب صمتها عن الانتهاكات المستمرة وتراخيها في فرض معايير السلامة، وفشل مكاتب العمل في رصد وتشديد الرقابة على عمالة الأطفال.

 

وتحمل مؤسسة المرأة الجديدة الدولة وأجهزتها، وكذلك شركات القطاع الخاص المستفيدة من عرق هؤلاء الفتيات، المسؤولية الأخلاقية والقانونية والسياسية عن هذه المأساة.

هذه المؤسسات لم تلتزم بتوفير وسائل نقل آمنة، أو تأمين اجتماعي، أو حتى ظروف عمل إنسانية. كما نحمّل الدولة المسؤولية عن غياب شبكات الحماية الاجتماعية، وترك سوق العمل يستبيح النساء والفتيات بلا رقابة أو محاسبة.

هذه الكارثة لا يجب اختزالها في بيان عزاء أو حادث مروري عابر. إنها مأساة بنيوية تكشف خللًا عميقًا في تصور التنمية، وفي مكانة النساء في سوق العمل، وفي كيفية التعامل مع الفقر كقضية تهدد السلم الاجتماعي.

هؤلاء الفتيات لم يمتْن في حادث عرضي، بل سقطن ضحايا نسق اقتصادي جشع ومجتمع يلقي بأعباء الإعالة على أكتاف طفلات، ودولة غائبة عن واجب الحماية والرقابة والمساءلة.

إن هذه الفاجعة اختبار صارخ لمنظومة العمل والحماية الاجتماعية في مصر. لذلك، تطالب مؤسسة المرأة الجديدة بـ:

Exit mobile version