Site icon بوابة العمال

وائل الغبيسي يكتب : الرجل المخبول

هتف الناس بالشارع:

– أدركوا الرجل المخبول!

– أمسكوه!

وسرعان ما وجد نفسه في قبضة العشرات أمام باب القسم.. لم يرحم أحد منهم شيبته، فأوسعوه ضربا..

قال له المأمور متبرمًا:

– هل جننت! لمَ أقدمت على ذلك؟

وبدلًا من أن يجيبه إسماعيل ناوله صرة مقفولة من جيبه.. فتحها ضابط برتبة صغيرة.. نظر إليها المأمور باندهاش قائلًا:

– وترشو المأمور بملاليمك الزهيدة!

قال إسماعيل بوهن استحكم منه:

– ليست رشوة يا سيدي المأمور! إنما هي أجري لما عملت في السابق.

قال المأمور متحمسًا:

– وما قصتك؟

وبدلًا من أن يجيبـه إسماعيل رنا نحو الباب كأنه يستقبل أضيافه.. قال مبتسمًا:

– عزيزي محمد… افتقدتك فقالوا لي إنهم استغنوا عنك، فحلت محلك كاميرا لعينة في سقف حقير بالشارع.. كاميرا صغيرة أنهت كل شيء، فلم يتذكروا سنواتك الطويلة في رعاية الدار والسهر على المسنين.. تلك الكاميرا منزوعة الإحساس التي أنهت ما بيننا، فلم تأت لتسمع مني ما كنت نويت قوله. قالوا لي بالأمس إنك لم تحتمل فمت ورجوت أن يكونوا كاذبين، ولكني تيقنت من صدقهم لما وجدت اسمك منقوشًا بماء الحزن على مقبرة قديمة من مقابر الصدقة.

وقررت الانتقام.. قمت باكرًا، ففككت كل الكاميرات التي وضعتها بيدي، واستعصت واحده عليَّ، فنبذتها بعصا غليظة بحجم غلي”

وسار إسماعيل في الغرفة يعثر في خطوه.. رمقه المأمور ومن حوله. هم البعض ليمسكوه، فأشار إليهم المأمور باسطًا أصابعه ليتركوه.

قال إسماعيل مخاطبًا ضيفه الخفي:

– قِف عندك ولا ترتكب حماقة بالسير، فما زلت مريضًا، لذا ينبغي أن أرعاك ريثما تبرأ. (ووقف برهة ثم استطرد) أما زلت تفكر في دينك الذي لا ينتهي ونفقاتك المنزلية؟! لم لا تقبل هذه الأموال؟!

ونظر للصرة أمام المأمور. خذها حتى ينصلح حالك.. إنك لا تعلم مدي فرحتي بعودة ولدي أيمن من بعثته باليونان.. ولكنه لن يعيش معي طويلًا، وغالب ظني إنه سيتزوج، ويسكن بعيدًا كما اعتاد، وربما يأخذ زوجتي – أمه – التي لا تكف عن رفع صوتها لأقل هفوة. هل…

وتداعى البنيان الصامد.. وتململ الكلام.. سقط للأمام معتمدًا على راحتيه.. ثم اعتدل كالقرفصاء.. لملم المأمور ما تبعثر من صرة إسماعيل، فوضعها في قبضته المرتخية الغائبة، ثم دس يديه في جيبه، فأخرج شيئًا وضعه بالصرة. ربت على إسماعيل، وقد فرت من عينيه عبرات حارة.

Exit mobile version