قال تعالى “وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ” [يوسف: 87].إن طقس اليوم الثلاثاء الموافق غرة شهر يوليو سنة 2025م ليحمل في ثناياه رسائل قوية من ربٍّ أقوى لأمة سبقت الكلمة لها من القوي المتين بالنصر والغلبة، “وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ” [الصافات: 171 : 173].
طقسٌ درجة الحرارة فيه جاوزت الأربعين، وكأن الشمس دنت من الرؤوس بعد أن ازداد توهجها، وفجأة يأمر القوي المتين السحاب أن يظلل سماءنا ويأذن له أن يصبّ من مائه على أرضنا، وما ذاك إلا ليربط على قلوبنا ويثبت أقدامنا لتأمن قلوبنا وتأنس أرواحنا بإله عظيم هو معنا في كل حين ولن يتركنا لعدونا.
ولكأني به جلّ في علاه ينادينا من خلال سحابه وغيثه، لا تيأسوا أحبابي من روحي ولا تقنطوا عبادي من رحمتي، فإياكم أن يتسرب اليأس إلى نفوسكم أو يعرف القنوط طريقه لقلوبكم فها أنا معكم بقدرتي التي لا يعجزها شيء وبقوتي التي لا يقف لها شيء، فكما حولت طقسكم في لحظة فأنزلت لكم غيثي أستطيع أن أحول حالكم في مثلها فأنزل لكم نصري، لكن نصري مشروط بنصركم إياي في أنفسكم بطاعتي والتزام أمري وإلا سلطت عليكم كلابي حتى يردوكم إليّ.
لما دخل التتار مدينة بغداد دمروها وقتلوا أهلها، خرجت ابنة هولاكو زعيمِهم يومًا فأخذت تطوف في شوارعها، فرأت جمعاً من الناس يلتفـون على رجل منهم، فسألت عنه. فإذا هو أحد علماء بغداد، فأمرت بإحضاره، فلما مثل بين يديها سألته:
ألستم المؤمنين بالله ؟.
قال: بلى
قالت: ألا تزعمون أن الله يؤيد بنصره من يشاء؟ قال: بلى.
قالت: ألم ينصرنا الله عليكم؟.
قال: بلى.
قالت: أفلا يعني ذلك أننا أحبّ إلى الله منكم ؟.قال: لا. قالت: لم؟!.
قال: ألا تعرفين راعي الغنم ؟.
قالت : بلى.
قال: ألا يكون مع قطيعه بعض الكلاب؟.قالت: بلى. قال: ما يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامه وخرجت عن سلطانه؟.
قالت: يسلط عليها كلابه لتعيدها إلى سلطانه. قال: كم تستمر الكلاب في مطاردتها؟.
قالت: ما دامت شاردة.
قال: فأنتم _ولله المثل الأعلى_ أيها التتار كلاب الله في أرضه، وطالما بقينا شاردين عن منهج الله وطاعته فستبقون ورائنا حتى نعود إليه.
نعم قد تتغير أصناف الكلاب وجنسياتها لكن مهمتها واحدة وهي رد الأمة الشارة إلى ربها، ومتى عادت ورجعت عاد لها النصر ورجع لها التمكين. ولن تنزجر تلك الكلاب حتى تجتمع الأمة الشاردة.
ما أريد قوله: إننا أمة لن تموت، وإن نصر الله لنا سبق في علمه، ولن يستطيع أحد مهما أوتي من جبروت أن يؤخر ما سبق في علم الله، أو أن يضع من رفعه الله، فالله غالب على أمره، فلا يأس ولا قنوط ما دامت أرواحنا في أجسادنا.
ورحم الله عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة حين قرأوا قوله تعالى: “وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ” حيث قرأوا «رُوح» بالضم، وفسر بالرحمة على أنه استعارة من معناها المعروف لأن الرحمة سبب الحياة كالروح وإضافتها إلى الله تعالى لأنها منه سبحانه، وقال ابن عطية كأن معنى هذه القراءة لا تيأسوا من حيّ معه رُوح الله الذي وهبه فإنّ كل من بقيت روحه يرجى، ومن هذا قوله: وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع[الألوسي: روح المعاني].
ولا شكّ أنّ أفضل العبادات وأعلاها انتظار الفرج من الله تعالى، روى الطبراني في معجمه والترمذي في سننه كل بسنده: “عن عبد الله بن مسعود قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ”.
وأختم بقول الشاعر عبدالرحمن العشماوي:
ستار ظلام الليل سوف يجاب وتسقى بأضواء الصباح رحابُ
وسوف يبين الفجر ما كان خافياً ويفتح من بعد التغلق بابُ
وتشدو عصافير المنى بعد صمتها ويخلع ثوب الشؤم عنه غرابُ
وتخلص من معنى التشاؤم بومةً لها لغة من حبها وخطابُ
وما الشؤم إلا في نفوسٍ مريضةٍ عليها من اليأس الثقيل حجابُ
أقول لمن زلَّ الطريق بخطوهِ
ومَنْ عَزْمُهُ عندَ الخطوبِ يُذابُ
سيمنحنا وجهُ الهلال استدارةٌ ويفتحُ باباً في الظلامِ شِهابُ
ستورِقُ أشجار الوفاء وترتمي قشورٌ، ويبقى للصَّبورِ لُبابُ
ستخصبُ أرضُ الحب منْ بعدِ جدْبها ويُسْعفها بعدَ الجفافِ سحابٌ
سنرقى ونرقى ثم نرقى، لأنَّنا تُحَكَّمُ فينا سنَّةٌ وكتابُ
لنا الكعبة الغراء والمسجد الذي بناه الرسولُ المُجْتَبى وصِحابُ
لنا المسجد الأقصى وصخرته التي تحومُ قرودٌ حولها وذئابُ
ثلاثةُ أقطابٍ تكامل حُسنُها وعزَّ بها في العالم ينجنابُ وألَّفها وحيُ السَّماء على الهدى فطابتْ لأصحاب اليقين وطابوا
إذا سُئل التاريخُ عن سرَّ مجدهِ فمنَّا وفينا للسؤال جوابُ
وما الليلُ إلا رائدُ الفجرِ بعدَه تُغرْدُ شمسٌ يستبينُ صوابُ.
هذا والله تعالى نسأل النصر لأمتنا والعز لمصرنا والحفظ لأوطاننا والمجد لديننا. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.