تشهد محافظة السويداء السورية منذ أكثر من عام تحولات متسارعة على المستويين الأمني والاجتماعي، وصلت ذروتها في يوليو 2025 باشتباكات دموية بين فصائل محلية درزية ومجموعات من عشائر البدو في ريف المحافظة الشرقي، وسط حالة من التوتر المتزايد والتدخلات الإقليمية الحذرة.
خلفية الوضع في السويداء
السويداء، التي يقطنها غالبية من طائفة الموحدين الدروز، اتخذت موقفًا فريدًا منذ بدايات الأزمة السورية عام 2011. فعلى عكس العديد من المحافظات، لم تنخرط المحافظة بشكل مباشر في الصراع المسلح، مكتفيةً بحالة من الحياد الحذر، ومحتفظةً بتركيبة اجتماعية متماسكة إلى حد كبير.
ومع الوقت، ظهرت على الساحة فصائل محلية مسلّحة، أبرزها “رجال الكرامة” و”قوة مكافحة الإرهاب”، تولت مهام ضبط الأمن وحماية المجتمع المحلي، خاصة بعد انحسار النفوذ المباشر للأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة السورية.
حكم ذاتي غير معلن
فعليًا، تدار السويداء اليوم بشكل شبه مستقل. فبينما لا تزال الدوائر الحكومية تعمل اسمياً تحت إشراف الدولة، فإن سلطة القرار الميداني، لا سيما الأمني، باتت في يد الفصائل المحلية. هذه الفصائل تنفّذ اعتقالات، تنظم حواجز تفتيش، وتصدر قرارات داخلية دون الرجوع إلى دمشق.
ورغم أن هذا الوضع لم يُعلن رسميًا كـ”حكم ذاتي”، إلا أن الواقع على الأرض يشي بوجوده، في ظل غياب فعلي لسلطة الدولة المركزية عن معظم مفاصل الحياة اليومية، باستثناء بعض المؤسسات المدنية.
اشتباكات يوليو 2025: تصعيد ميداني خطير
اندلعت في أوائل يوليو الجاري اشتباكات عنيفة بين مجموعات درزية مسلحة وعناصر من عشائر البدو، إثر اتهامات متبادلة حول تورط بعض المجموعات العشائرية في التهريب وزعزعة الأمن. أسفرت المواجهات عن سقوط عشرات القتلى من الجانبين، واتهامات بارتكاب إعدامات ميدانية، وهو ما فجّر غضبًا واسعًا وأدى إلى تدخل الجيش السوري بشكل مؤقت.
وعلى الرغم من إعلان هدنة يوم 15 يوليو، عادت الاشتباكات بعد ساعات فقط، في ظل رفض بعض الأطراف – ومنها مشيخة عقل الدروز بقيادة الشيخ حكمت الهجري – للاتفاق، معتبرين أن الأمن في السويداء يجب أن يبقى بيد أبنائها، دون وصاية من أي طرف خارجي.
التدخل الإقليمي الخارجى
أثار التصعيد في السويداء قلق إسرائيل، التي اعتبرت نفسها “مسؤولة أخلاقياً” عن حماية أبناء الطائفة الدرزية، لا سيما مع وجود مكوّن درزي فاعل داخل أراضيها. وترافق ذلك مع ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع سورية قرب المحافظة، في خطوة وُصفت بأنها رسالة سياسية أكثر منها عمل عسكري مباشر.
من جانبها، اكتفت الحكومة السورية بالمراقبة الحذرة، فيما بدا أنه رغبة في عدم الانجرار إلى مواجهة مفتوحة مع مكوّن طائفي لطالما حافظ على نوع من العلاقة الخاصة مع الدولة.
قراءة في المشهد
الوضع في السويداء اليوم يمثل نموذجًا فريدًا في الجغرافيا السورية: منطقة لا تعلن الانفصال، لكنها لا تخضع لسلطة الدولة فعليًا؛ مجتمع مسلّح لكن ليس في حرب مع النظام؛ وتوازن دقيق بين الاستقلال الذاتي والرغبة في البقاء داخل الإطار الوطني.
هذا التوازن يبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى، خصوصًا في ظل الاشتباكات الحالية، ووجود أطراف محلية وإقليمية قد تجد مصلحة في تفجير الوضع أو توجيهه في مسارات جديدة.
الخلاصة
السويداء لا تزال تمثل لغزًا سياسيًا وأمنيًا في المشهد السوري المعقّد. فبين رغبة أبنائها في حماية خصوصيتهم وهويتهم، وسعي الدولة إلى الحفاظ على وحدة السيطرة، تبقى الكلمة الفصل للأحداث القادمة، التي قد تحدد شكل العلاقة بين المركز والمناطق الطرفية في مستقبل سوريا.