Site icon بوابة العمال

م. خالد محمود يكتب:التيبس غطاء يُبرر بضعف الأجور ام ابتزاز للمستهلك؟

في الكثير من المجتمعات العربية، أصبح “التيبس” أو البقشيش سلوكًا اجتماعيًا معتادًا، بل وأحيانًا متوقعًا. لكن هذه العادة، التي يراها البعض نوعًا من “التقدير”، تحولت في مواضع كثيرة إلى “واجب” غير مكتوب، يضغط على كاهل المواطن العادي بدلًا من أن يتحملها صاحب العمل.

وقد أثار الإعلامي المصري تامر أمين موجة من الجدل مؤخرًا حين قال إن العامل الذي لا يتقاضى أجرًا كافيًا من صاحب عمله يمكن أن يحصل على ما يعوّضه من “جيب الزبون”، في إشارة إلى ترك “تيبس” مناسب. لكن هذه النظرة تتغافل عن المسؤول الرئيسي في هذه المعادلة: صاحب العمل الذي يربح من تشغيل هذا العامل، ويتهرب من دفع مرتب عادل، ثم يطالبنا – بشكل غير مباشر – أن نعوّض ذلك من أموالنا!

هذا التوجه يطرح سؤالًا صادمًا: لماذا يُحمّل المستهلك عبء ما يجب أن يكون واجبًا على رب العمل؟ هل أصبح “التيبس” غطاءً يُبرر به ضعف الأجور؟ وهل من المقبول أن يَعتاد العامل على النظر إلى الزبون كمصدر دخل إضافي ثابت، لا كمجرد متطوع يُظهر تقديرًا شخصيًا؟

والأدهى أن هذه الثقافة لا تُعمم في كل الدول، بل تصطدم بواقع مختلف تمامًا في أماكن أخرى. ففي معظم دول الخليج – كالسعودية والإمارات وقطر – لا يُعد التيبس ثقافة متجذرة. الكثير من العاملين في الفنادق والمطاعم لا يتوقعون بقاشيش او اكرامية ، بل يلتزمون بأداء واجبهم المهني كجزء من وظيفتهم التي يتقاضون عليها أجرًا واضحًا من صاحب العمل، لا من الزبائن.

ويصطدم الشباب القادمون من مصر أو دول الشام أو المغرب العربي إلى الخليج بواقع مختلف تمامًا: لا أحد هنا يمد يده لطلب التيبس، ولا ينتظر أحد ورقة مطوية تحت كوب الشاي. في البداية يشعر البعض بأن هذا “برود” أو قسوة، لكنه مع الوقت يفهم أنه نظام عمل يضمن كرامة العامل ويُحمّل المسؤولية لصاحب العمل وليس للزبون.

وفي المقابل، يُلاحظ أن التيبس شائع في بلاد مثل مصر ولبنان وتونس، حيث يختلط بعوامل اجتماعية واقتصادية، وربما يُبرره الفقر وتدني الأجور. لكن حتى في دول غربية، مثل الولايات المتحدة، حيث يُتوقع التيبس – خاصة في المطاعم – فإن الجدل لا يزال قائمًا، وهناك حركات تطالب بمنع العمل بنظام الأجور المنخفضة المعتمدة على التيبس، كما فعلت بعض ولايات كندا وألمانيا.

إذًا نحن أمام خيارين: إما أن نستمر في تحميل المستهلك عبء مسؤولية لا تخصه، أو نواجه الواقع بشجاعة، ونطالب أصحاب العمل بدفع أجر عادل مقابل خدمة واضحة، دون أن نُسقط كرامة العامل أو نبتز الزبون.

Exit mobile version