م. خالد محمود يكتب: التاريخ لايعرف الثبات

في زمنٍ يركض فيه الذكاء الاصطناعي بخطى لا تُرى، صار من الممكن أن نصحو ذات يوم فنجد مهنة التمثيل السينمائي قد انقرضت، كما انقرضت صناعة الطرابيش يومًا ما…تلك المهنة التي كانت رمزًا للبريق والنجومية، قد تتحول إلى ذكرى تُعرض في المتاحف أو تُدرّس في كليات الفنون كمجرد تاريخ.
فالفيلم لم يعد بحاجة لمخرج يُفكر، ولا كاتب يَسهَر، ولا ممثل يُجهِد جسده وروحه.
بل أصبح مجرد معادلة تُدخِل فيها كلمات مفتاحية، ويخرج منها عمل.
“اصنع لي فيلماً عن صراع عشائري في صعيد مصر، بلهجة محلية، وموسيقى شرقية، وأداء يشبه محمود عبد العزيز.”
وخلال دقائق، سيظهر فيلمٌ كامل… صُنع بلا إنسان.
الوجوه مصنوعة، الأصوات مركبة، الانفعالات مزيفة، لكن النتيجة براقة…
براقة بما يكفي لتخدع العين، لا القلب.
المسرح يعود لأن الإنسان سيشتاق للإنسان
وسط كل هذا الغزو الرقمي، يبدو المسرح كأنه المحراب الأخير للروح البشرية.
هناك، يقف ممثل حقيقي أمام جمهور حي، ينبض، يرتجف، يخطئ، يضحك، يتنفس…
كل شيء فيه حي، غير قابل للتزييف.
ولهذا، سيعود المسرح، لا كوسيلة ترفيه، بل كفعل مقاومة.
المسرح سيصبح ملاذ الإنسان الأخير ليتذكّر أنه إنسان.
مع ذلك لن نودّع التمثيل إلى الأبد
و على الفنان أن يطوّر مهنته… أو يخسرها في مواجهة هذا الطوفان، لا يكفي أن يتمسّك الممثل بدوره الكلاسيكي.
بل يجب أن يتحوّل إلى:
مدرب للذكاء الاصطناعي: يغذيه بتعبيراته، بصوته، بأسلوبه، ليخلق نماذج تمثيلية مستوحاة منه.
لاننا المنتج سيقول له اريد اداء يشبه اداء صلاح قابيل او عادل امام ولذلك لابد من وجود عادل امام الحقيقى او صلاح قابيل الحقيقى ولكن دورهم سيكون مختلف و هو تدريب الذكاء الصناعى
فيصبح مصمم أداء رقمي: يشارك في ضبط الانفعالات، توقيت النظرات، طبيعة الأداء الصوتي للنسخ الرقمية.
مخرج انفعالات ذكية: يدير فرقًا من المبرمجين والفنانين الرقميين لصناعة مشاهد ذكية لها روح بشرية.
مؤلف سيناريوهات تفاعلية: يكتب قصصًا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّلها إلى تجارب تفاعلية حيّة للجمهور.
المهن الجديدة التي ستولد من رماد السينما التقليدية
مثلما ماتت مهن وولدت أخرى بعد الثورة الصناعية، سيحدث الأمر نفسه مع الذكاء الاصطناعي.
وقد نشهد ظهور مهن جديدة مثل:
مُرخص الأداء التمثيلي يبيع أو يؤجر صوته/وجهه/أدائه ليُستخدم في أعمال رقمية.
مُصمم تعبيرات رقمية يبرمج كيف “تضحك” أو “تغضب” الشخصية الرقمية.
مؤلف سينما مخصصة يكتب سيناريوهات تتغير حسب مزاج المشاهد أو تفاعله.
مهندس تفاعل درامي يدمج الذكاء الاصطناعي مع المشاهد ليصبح جزءًا من القصة.
نحن لا نعيش نهاية الفن… بل ولادة فن جديد
التاريخ لا يعرف الثبات.
كما اندثرت آلات الكاتبة وظهرت الحواسيب،وظهرت الطباعة ثلاثية الأبعاد،
قد تموت السينما التقليدية، لكن الفن لا يموت.
يبقى السؤال:
هل سنقبل بأن نكون جمهورًا فقط؟
أم سنشارك في صناعة الفن الجديد؟
هل سيقف الممثل متشبثًا بالماضي؟
أم سيقود هو مستقبل الفن بأسلحته الجديدة؟
حين تُغلق آخر دار عرض… ستُضاء خشبة مسرح
ربما ينتهي عصر النجومية كما عرفناه،
لكن في أحد أركان المدينة، سيظل هناك ممثلٌ حي،
يقف تحت ضوء باهت، أمام جمهور وتدق خشبة المسرح و يفتح الستار
ويقول جملته الأخيرة بصوتٍ ثائر :
“ها أنا هنا… انا لست مزيفا. أنا الحقيقة.”