فنون

عودة الروح.. قصة قصيرة من وحى خيالى

بقلم: م. خالد محمود خالد

المقدمة: الفخ القاتل

في أحد الأحياء المتواضعة، كانت سلمى، فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، تعيش مع ابنها ياسين البالغ من العمر خمس سنوات، بعدما تخلى عنها زوجها. كان ياسين طفلًا ذكيًا، يهوى الرسم، وكان دائمًا ما يرسم لوحات صغيرة يعلقها على جدران غرفته. كانت سلمى تعمل محاسبة في شركة صغيرة وتحلم بمستقبل أفضل لها ولابنها، لكن الأقدار خبأت لها مصيرًا قاسيًا.

في أحد الأيام، استُدعيت سلمى إلى مكتب المدير العام، حيث وُجّهت إليها تهمة اختلاس أموال من الشركة. شعرت بصدمة شديدة، لم تفهم كيف حدث ذلك، لكن الأدلة كانت واضحة: تحويلات غير مشروعة تحمل توقيعها الإلكتروني. لم تكن تعلم أن كامل الصفتي، زميلها الطامع في ترقيتها، قد استخدم بياناتها ولفّق التهم ضدها. حاولت الدفاع عن نفسها، لكن الجميع تخلوا عنها، حتى المحامي الذي وكلته اكتشفت لاحقًا أنه كان متواطئًا.

خلال جلسات المحكمة، كانت سلمى تشعر وكأنها في كابوس. لم يسمحوا لها حتى برؤية ياسين، الذي بكى بحرقة وهو يراها تُساق مكبلة بالأصفاد. صدر الحكم بالسجن عشر سنوات، وتم أخذ ياسين منها دون أن تعرف إلى أين ذهب. كانت تلك اللحظة أكثر قسوة من الحكم نفسه، فقد شعرت وكأن روحها تُنتزع منها.

الصراع الأول: خلف القضبان والفقدان القاسي

في السجن، واجهت سلمى واقعًا أشد مرارة. كانت الليالي طويلة، والأيام ثقيلة، لكن أكثر ما كان يقتلها هو مصير ابنها المجهول. لم تتوقف عن السؤال عنه، لكن لم يكن هناك من يجيبها.

حاولت الانتحار أكثر من مرة، لكن إحدى السجينات العجائز، وتُدعى أم حسن، أنقذتها وأصبحت لها بمثابة الأم، قائلة لها: “اللي ظلمكِ هينداس تحت رجلك يومًا ما، بس لازم تفضلي واقفة!”

مع مرور السنوات، بدأت سلمى تستعيد قوتها. تعلمت الخياطة داخل السجن، درست القانون، وأصبحت ملجأ للسجينات المحتاجات للدعم. لكن في داخلها، ظل قلبها يبكي على ابنها.

إثبات البراءة والخروج من السجن

في العام الثامن لسجنها، ظهرت ندى السيوفي، محامية شابة طموحة، وجدت ملف قضيتها وقررت التحقيق فيه. اكتشفت ثغرات كبيرة، وأدلة جديدة أثبتت أن التحويلات تمت باستخدام بيانات مزورة. بعد معركة قانونية استمرت عامين، صدر حكم ببراءة سلمى وأُطلق سراحها.

عندما خرجت من السجن، كانت أول خطوة لها هي البحث عن ياسين. جابت دور الأيتام، طرقت كل الأبواب، لكنها لم تجد له أثرًا. أخبرها البعض أنه ربما يكون قد هرب من دار الأيتام ليعيش متشردًا في الشوارع. كانت تسير في الطرقات كل ليلة، تراقب الأطفال المشردين، تبحث في عيونهم عن وجه ابنها، لكنها لم تجده.

الصراع الثاني: الكفاح من جديد

اضطرت سلمى لبدء حياتها من جديد. استأجرت غرفة صغيرة، ووجدت عملًا في مصنع صغير للملابس، حيث بدأت كمشرفة على خط الإنتاج. كانت تعمل بجد حتى كسبت ثقة الإدارة، لكنها لم تكن سعيدة، فكل يوم كان ينتهي ببحث مرير عن ابنها الضائع.

في المصنع، لفت انتباهها شاب هادئ يعمل في البوفيه، اسمه آدم. كان يتعرض للتنمر من بعض الموظفين، الذين كانوا يسخرون منه ويعاملونه بازدراء. كانت سلمى دائمًا تعطف عليه، وكانت تترك له بعض المال سرًا ليعينه.

نقطة التحول: النجاح المفاجئ

بعد سنوات من العمل الجاد، حصلت سلمى على تعويض مالي ضخم نتيجة الظلم الذي تعرضت له. قررت استثماره بحكمة، فاشترت المصنع الذي كانت تعمل فيه، وبدأت في تطويره حتى أصبح مجموعة مصانع كبرى.

أما آدم، فكان لا يزال في وظيفته المتواضعة، لا يعلم أن صاحبة المجموعة الجديدة هي المرأة التي كانت تعطف عليه.

الصراع الثالث: الحبكة الدرامية تشتد

بعد توسع الشركة، انتقل آدم إلى أحد الفروع الأخرى، وهناك وقع في حب ليلى، ابنة نائب المدير. عندما تقدم لخطبتها، واجه رفضًا قاسيًا، بل وسخرية وإهانة. لم يكتفِ والدها برفضه، بل دبر له مؤامرة مع بعض المديرين، واتهموه بالإهمال وسوء السلوك، تمهيدًا لطرده.

الذروة: اكتشاف الحقيقة

في أحد الأيام، وصلت إلى مكتب سلمى لوحة فنية قديمة، كان أحد العمال قد أخذها من أحد الفروع ووضعها تزيينًا لمكتبها. عندما رأتها، شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. كانت هناك طريقة رسم مألوفة، نفس الأسلوب الذي كان ابنها ياسين يرسم به. اقتربت من اللوحة، ودموعها تنهمر دون أن تشعر، وأدركت أن آدم قد يكون هو ابنها المفقود!

لم تنتظر، بل استخدمت وسائل سرية للحصول على عينة من حمضه النووي، وأجرت التحليل… وعندما ظهرت النتيجة، سقطت على ركبتيها وهي تبكي… إنه ياسين! إنه ابنها!

الخاتمة: العدالة والانتصار

لم تنتظر لحظة، بل توجهت بنفسها إلى الفرع الذي يعمل فيه آدم، ووصلت في اللحظة التي كانوا على وشك فصله فيها ظلمًا.

“توقفوا فورًا!” صرخت بصوت قوي جعل الجميع يتجمدون في أماكنهم. ثم وقفت أمام ابنها، تنظر إليه بعينين غارقتين بالدموع، وقالت بصوت مرتجف: “آدم… أنت ابني! أنت ياسين!”

نظر إليها مصعوقًا، غير قادر على التصديق، بينما هي مدت يديها لتلمس وجهه بحنان مفقود منذ سنوات. ثم انفجر بالبكاء، واحتضنها بقوة وهو يهمس: “أمي… لقد بحثت عنك طوال حياتي!”

بعدها، أعلنت سلمى أمام الجميع: “آدم ليس مجرد عامل بوفيه، إنه ابني… وهو منذ الآن نائب رئيس المجموعة!”

أما من ظلموه، فقد تمت معاقبتهم، وطُرد نائب المدير وأعوانه، بينما بدأ ياسين، أو آدم، حياة جديدة إلى جانب والدته، وقد استعادا معًا ما سُرق منهما قبل سنوات.

وبينما كانت الشمس تغرب في الأفق، جلست سلمى في مكتبها، ممسكةً بأحد رسوم ابنها القديمة، وهي تبتسم لأول مرة منذ عشر سنوات. لقد عادت الروح من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى