أثار مقطع الفيديو الذي ظهر فيه عامل مزلقان ينقذ شابًا متهورًا من موت محقق أمام القطار جدلًا واسعًا بين الناس، ليس فقط لأنه كشف بطولة رجل بسيط خاطر بروحه لإنقاذ آخر، بل لأنه سلّط الضوء على واحدة من أخطر العادات التي تدمر الأرواح يوميًا: العجلة التي مصدرها وسوسة الشيطان.
ذلك الشاب لم يكن في حاجة لسرعة عبور المزلقان أصلًا، ولم يكن أمامه ما يبرر هذه المغامرة القاتلة الا اذا كان متعجل لانقاذ روح مريض مثلا او اطفاء حريق . لكنه استسلم للوسوسة التي همست في أذنه: “ستعبر قبل أن يصل القطار”. هذه اللحظة العابرة كادت أن تكون نهاية عمر كامل، لولا أن ساق الله له عاملًا شجاعًا أدرك خطورة الوسوسة قبل أن تكتمل. هنا يظهر بوضوح أن الشيطان لا يأتي غالبًا بالمعاصي الكبيرة مباشرة، بل يبدأ بخطوة صغيرة من التهوين والاستهانة، خطوة تجعل الإنسان يظن أن دقيقة تختصر الطريق بينما هي في حقيقتها قد تختصر الحياة كلها.
وما جرى عند المزلقان يتكرر كل يوم أمام إشارات المرور، حيث يندفع السائق في الثواني الأخيرة قبل أن تكتمل الإشارة الحمراء، فيتوهم أن المكسب بضع لحظات، فإذا بالنتيجة كارثة. ويتكرر حين يتخيل عابر الطريق أن خطواته ستسبق سيارة مسرعة، فيلقي بنفسه إلى الهلاك. والأعجب أن هذه الدقائق التي يغامر من أجلها قد يضيع مثلها وأكثر في الانتظار أو اللهو. هذه المفارقة ليست سوى صورة من صور الخداع الشيطاني، إذ يوهم الإنسان بأنه يستفيد بينما هو في الحقيقة يخسر كل شيء.
ولعل أجلى ما يكشف الفرق بين العجلة المذمومة والعجلة المحمودة هو ما نراه في سيارات الإسعاف والمطافئ. فهي تنطلق بسرعة هائلة، لكنها نادرًا ما تتسبب في حادث. والسبب أن اندفاعها ليس من وسوسة الشيطان، بل من رحمة الرحمن. فهي تسعى لإنقاذ روح أو إطفاء حريق أو رفع بلاء، ولهذا تراها محفوظة برعاية الله، على عكس من يقود مسرعًا وراء لهو أو موعد عابر، فيكون عرضة للهلاك.
إن حادثة عامل المزلقان ليست مشهدًا عابرًا يثير الإعجاب ثم يُنسى، بل رسالة بالغة العمق: أن وسوسة الشيطان تكمن في لحظات الاستعجال، وأن ثواني الصبر قد تعني عمرًا كاملًا، بينما لحظة تهور قد تكتب نهاية مأساوية. فالتأني من الرحمن، والعجلة من الشيطان، وبينهما يتحدد مصير الإنسان.