فوقيه ياسين
أكد .د نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، أن الوسطية في الإسلام تتجلى في كثير من المعاني التي دعا إليها الإسلام، وتظهر جلية في علاقة الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى، وعلاقته بأخيه الإنسان وعلاقته مع سائر المخلوقات والبيئة التي يعيش فيها، وقد كان الاهتمام خاصاً في بناء الفرد والمجتمع تربوياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وروحياً وأخلاقياً على الوسطية والاعتدال والتوازن.
جاء ذلك خلال المحاضرة العلمية التي ألقاها بجامعة الأمير سونغكلا جنوبي مملكة تايلاند تحت عنوان “الوسطية في مجتمع متنوع” على هامش زيارة فضيلته الرسمية الرسمية للبلاد، بحضور سعادة السفير، تاناوات سيريكول، سفير مملكة تايلاند لدى القاهرة، والسيدة باتيماه صدي يامو، محافظة بتتاني، والأستاذ الدكتور أتشاي أويانانتسانت، نائب رئيس الجامعة، والأستاذ الدكتور محمد رافلي واهما، عميد كلية العلوم الإسلامية بالجامعة.
وأضاف أن مظاهر الوسطية في الإسلام كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها:
الوسطية في العبادة:
فمن ينظر إلى العبادة في الإسلام يجد أنها تتسم بالوسطية والاعتدال، وأنها بعيدة كل البعد عن الغلو، فلا إفراط فيها ولا تفريط، وقد جاء التوسط في العبادات الإسلامية منسجماً مع نعمة الله تعالى على هذه الأمة المحمدية بأن جعلها أمة وسطاً، فالعبادات في الإسلام ليست على حالة واحدة أو وقت واحد وإنما متنوعة وفي أوقات مختلفة حتى تكون ميسرة على الجميع.
فالإسلام يرفض الغلو في العبادات، لأنها تؤدي بالمسلم إلى التهلكة، والإسلام جاء ليحارب كل ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمسلم، قال تعالى:{وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في العبادات، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا، (المتنطعون) أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
وطبق النبي صلى الله عليه وسلم الوسطية في العبادة فعن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». فالشريعة الإسلامية مبناها على اليسر ورفع الحرج والتخفيف والرحمة والسماحة كما قال تعالى: “يريد ربكم اليسر ولا يريد ربكم العسر”، وقال سبحانه: “ما يريد ليجعل الله عليكم من حرج”، وقال عز وجل: “ذلك تخفيف من ربكم ورحمة”، واليسر والعسر في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية.
الوسطية في التعامل مع الآخرين:
والوسطيّة تعني أيضاً الاعتراف بالحرية للآخرين، ولا سيما الحريّة الدينية المشروعة في الإسلام في قول الله تعالى: “لا إكراهَ في الدّين قد تبيّنَ الرُشد من الغيِّ”، بل إن الإسلام يأمرنا باحترام المعتقدات الدينية للآخرين فقد قال سبحانه وتعالى: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
فالإسلام دين يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان الذي يؤدي إلى زرع الحب والاحترام في قلوب الناس جميعا، مما يحقق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
ومن مظاهر الوسطية في الدين الإسلامي أمر بالتزام العدل مع الجميع حتى مع المخالفين، حيث بني الإسلام علاقة متوازنة بين المسلمين وغيرهم من حيث الحقوق والواجبات؛ قال سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”.
الوسطية في الدعوة:
والوسطية في الإسلام تعني كذلك التزام المنهج الوسطي في الدعوة إليه، لأن الهدف من هذا الدين هو هداية الناس أجمعين دون أن تقتصر الدعوة على جنس بذاته، أو قوم بذاتهم، أو مكان معين؛ فهي موجهة إلى الناس كافة، قال تعالى: “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”.
الوسطية في الحياة:
والوسطيّة تعني أيضاً الجمع بين العمل للدنيا وإعمارها وتنميتها والعمل لللآخرة كذلك، لأنّ العمل الصحيح يكون للدنيا واللآخرة معا، لقوله تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”.
ولا يمكن أن نحكم على الإسلام بالتشدد من خلال تصرفات بعض المنتسبين إليه، لأن منهج الشرع الشريف واضح في التزام التيسير والوسطية، فمبادئ الإسلام وأصوله قائمة على ما يحفظ السلم والسلام العالمي، ويقيم العدل والأمن في العالم أجمع، وبين أبناء البشر بلا تفرقة أو تمييز، ويوفق بين حاجاتهم وواجباتهم، ويكفل لهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ النسل البشري والعقل الإنساني، ومقومات الحياة المادية والاجتماعية.
وهذا الفكر الوسطي المعاصر المطلوب ينتهي إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من المنهج الوسط الذي وازن بين الفرد والمجتمع في الحقوق والواجبات بلا إفراط ولا تفريط وأقام على هذا النهج الأمة الوسط التي كانت خير أمة أخرجت للناس.
وأوضح أن الحضارة الإسلامية قد انطلقت من تعاليم الدين الإسلامي، ومثلت أرقى حالات التسامح والتعايش الإيجابي بين الأمم والشعوب من مختلف الحضارات والثقافات والأديان والأجناس، ولا تزال هذه التعاليم الإسلامية قادرة على توجيه سلوك وتعامل المسلمين مع غيرهم في كل زمان ومكان، فالدين الإسلامي في مجمل أحكامه وتشريعاته دينٌ وسطي، يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان، مما يحقق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، مضيفا أن التسامح قد تجسد في تعاليم الإسلام، حيث رسم الإسلام أسس الحياة الجديدة في المجتمع بأسره، فأزال الفوارق بين الطبقات والطوائف، فجعل مقياس التفاضل هو العمل الصالح، وقوم الحياة الاقتصادية؛ فحرم جميع أشكال المعاملات الجائرة والظالمة، واهتم بالجوانب العقلية، وحث على إعمال العقل من خلال التفكر والتدبر، ولم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز الاهتمام إلى تنظيم الحياة الاجتماعية، وتقوية الترابط الاجتماعي، والشعور بالانتماء، حتى تستقيم وتنتظم أحوال المجتمع الإسلامي.
وبين المفتي أن للتسامح في الحضارة الإسلامية أيضا الكثير من المظاهر، ومن أهمها:
الاعتراف بالحرية للآخرين، ولا سيما الحرية الدينية المشروعة في الإسلام في قول الله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، بل إن الإسلام أمرنا باحترام المعتقدات الدينية للآخرين؛ فقد قال سبحانه وتعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون”.
فلقد أعطى الإسلام لكل إنسان الحرية في اختيار الدين الذي يعتقده ويؤمن به، دون إكراه أو إجبار، فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده أحدا باعتناق الإسلام قسرا، قال تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )[يونس 99]، فالإسلام يعترف بصورة واضحة بوجود (الغير) المخالف في العقيدة، وحقه في الاعتقاد والتصور؛ إذ الأصل أن يختار الناس عقيدتهم بمحض إرادتهم، من غير إكراه مادي، أو ضغط معنوي.
ولقد صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم، ورعى حرمة شعائرهم، بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرٌ* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) .[الحج: 39 – 40].
التزام العدل مع الجميع، حتى مع المخالفين؛ حيث بنى الإسلام علاقة متوازنة بين المسلمين وغيرهم، من حيث الحقوق والواجبات القائمة على التسامح؛ قال سبحانه: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلىٰ أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا”.
فلم يجعل الإسلام عدم دخولهم فيه سببا في ظلمهم أو خيانتهم؛ قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ﴾[المائدة: 8].
وفي تاريخ القضاء أمثلةٌ ووقائع كثيرةٌ تؤيد هذا الفهم الإسلامي، بعيدا عن التطرف، وأصحاب الأفكار المنحرفة، والأقوال المغلوطة.
المحافظة على الدماء والأموال والأعراض: فمما لا شك فيه أن الأديان لا تأمر إلا بالخير والحق والصلاح، ولا تدعو إلا إلى البر والحب والرحمة والإحسان، ولا توصي إلا بالأمن والسلم والسلام، وما كانت يوما في حد ذاتها عائقا أمام التعايش والتعارف والتماسك والترابط.
فقد حرم الإسلام التعدي قولا أو فعلا، أو التعرض بأي أنواع الأذى للمسلمين أو غير المسلمين بغير حق، بل إن الإسلام أوعد وأغلظ في العقوبة لمن تعرض لهم بالأذى؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما”.
التزام التسامح في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن الهدف من هذا الدين هو هداية الناس أجمعين، دون أن تقتصر الدعوة على جنس بذاته، أو قوم بذاتهم، أو مكان معين؛ فهي موجهةٌ إلى الناس كافة، قال تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين”.
المساواة؛ حيث أكدت الشريعة الإسلامية مساواة الناس جميعا عند الله عز وجل، حيث يعد الإسلام الاختلاف سنة كونية، وأن الاختلاف والتنوع مقبولٌ في الدين الإسلامي، كما أقرت الشريعة الإسلامية مشروعية الاختلاف والتنوع، كما تقتضي تلك المسألة المساواة بين الناس جميعا؛ في الحقوق والواجبات من أجل إنسانيتهم.
كما يحترم الإسلام مبدأ الإنسانية، وعبر القرآن الكريم عن ذلك في عدة نصوص؛ حيث قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾، ولم يقل المسلمين، بل ابن آدم، فالإنسان في نظر الدين الإسلامي مكرمٌ من حيث كونه إنسانا.
ومن حيث التشريع لم يغفل الإسلام هذه الكرامة، فأمر -سبحانه وتعالى- بالإحسان في التعامل مع الإنسان، لكونه إنسانا، والآيات على ذلك كثيرةٌ، منها قوله تعالى: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ سواءٌ أكان أهلها كفارا أم مسلمين، وقوله سبحانه: ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ فالناس كلمةٌ عامةٌ تدل على الإنسانية، أي: إن الناس لهم قيمةٌ، فمن حقهم أن يحكم بينهم بالعدل، ومن حقهم أن تؤدى الأمانات لهم، فلهم قيمةٌ وكرامةٌ.
وأضاف فضيلته أن الأمثلة والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، حتى جعلت كبار كتاب الغرب ومفكريه يشهدوا لهذا الدين بالتسامح مع الآخرين، كما قال (جوستاف لوبون)، حينما أعجب ببراعة وحسن سياسة خلفاء وسلاطين الدولة الإسلامية في معاملة المخالفين لدينهم قائلا : “كانوا يحترمون عقائد الشعوب وعرفها وعاداتهم، مكتفين بأخذهم في مقابل حمايتها جزية زهيدة تقل عما كانت تدفعه إلى ساداتهم السابقين من الضرائب، كما حافظوا على كنائس النصارى ولم يمسوها بسوء”.
وإذا حدث بعض التقصير، أو سوء الفهم للتسامح الإسلامي من بعض المسلمين، فلا يمكن أن نحكم على الإسلام بالتشدد، أو عدم التسامح من خلال تصرفات بعض المنتسبين إليه؛ لأن منهج الشرع الشريف واضحٌ في التزام التسامح والتيسير والوسطية، فمبادئ الإسلام وأصوله قائمةٌ على ما يحفظ السلم والسلام العالمي، ويقيم العدل والأمن في العالم أجمع، وبين أبناء البشر بلا تفرقة أو تمييز، ويوفق بين حاجاتهم وواجباتهم، ويكفل لهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ النسل البشري والعقل الإنساني، ومقومات الحياة المادية والاجتماعية.
وهذا الفكر الوسطي المعاصر المطلوب ينتهي إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من المنهج الوسط الذي وازن بين الفرد والمجتمع في الحقوق والواجبات، بلا إفراط ولا تفريط، وأقام على هذا النهج الأمة الوسط التي كانت خير أمة أخرجت للناس.
وفي ختام محاضرته شدَّد المفتي على أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب والمسلمين المركزية، وأن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني هو التزام ديني وأخلاقي وإنساني، مؤكدًا على الموقف المصري الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، باعتبار ذلك تطبيقًا لمبادئ العدل التي أمر بها الإسلام وركيزة أساسية لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم.
من جانبه، أعرب الأستاذ الدكتور أتشاي أويانانتسانت، نائب رئيس الجامعة، عن بالغ تقديره لزيارة فضيلة مفتي الجمهورية، مشيرًا إلى أنها تمثل دعمًا علميًّا ومعنويًّا مهمًّا للجامعة وأساتذتها وطلابها، كما تعكس في الوقت ذاته مكانة مصر الدينية والعلمية الراسخة، ودورها الرائد في نشر قيم الوسطية وبناء جسور التواصل الحضاري والمعرفي بين الشعوب.
وتأتي زيارة مفتي الجمهورية إلى مملكة تايلاند في إطار تعزيز جسور التواصل بين مصر والعالم، وترسيخ دور دار الإفتاء المصرية في نشر قيم الإسلام السمحة، والتواصل الفعال مع المؤسسات الدينية والأكاديمية في مختلف بقاع الأرض.