ايهاب عمر يكتب: الإخوان وايران و عروش الخليج
عقب نجاح بريطانيا في تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، بدأ رجالات المخابرات البريطانية في نشر الفكرة وتأسيس أذرع للتنظيم، وكان للتنظيم دور رئيسي في الهند البريطانية، حيث تأسست الجماعة الإسلامية عام 1941 على يد الإمام أبو الأعلى المودودي.
وكما فعلت بريطانيا في كل الدول التي قامت باحتلالها، لعبت لعبة «فرق تسد»، وبعد أن كانت المقاومة الهندية فريقًا واحدًا، شجعت بريطانيا الحركات الإسلامية المطالبة بأسلمة المقاومة الشعبية والسياسية، ثم لاحقًا طالبت بدولة للمسلمين في الهند بعيدًا عن باقي طوائف الشعب الهندي، رغم أن أهم دولة حكمت الهند قبل الاستعمار كانت امبراطورية مغول هندوستان وكانت دولة متعددة الأعراق رغم انتساب حكامها للدين الإسلامي.
أرادت بريطانيا تفتيت الهند قبل جلائها، وكسر الوحدة الهندية والأهم قطع الطريق أمام قيام دولة مسلمة يومًا على كامل أراضي شبه الجزيرة الهندية، كما كان في بعض فترات امبراطورية المغول المسلمين في الهند، وأتى تنظيم الإخوان المسلمين في شبه الجزيرة الهندية جنبًا الى جنب مع تنظيمات إسلامية أخرى برعاية بريطانيا ليصنع المعجزة التي حلمت بها بريطانيا وتطالب الحركة الوطنية في الهند بدولتين وليس دولة واحدة إذا ما تم الاستقلال.
خسرت الهند وحدتها، وخسر المسلمون وحدة الهند، وخسرت شعوب الهند تنوعها بانعزال أغلبية المسلمين في دولة أخرى، وهكذا تأسست باكستان عام 1947، ولكن باكستان وقتذاك كانت دولة كبيرة أيضًا من وجهة نظر بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وما هي إلا بضع سنوات وكانت الذراع الباكستانية لتنظيم الإخوان المسلمين مع ساسة باكستان وعلمائها يتسببون في حرب أهلية باكستانية أفضت إلى انفصال باكستان الشرقية تحت اسم «بنجلاديش»عام 1971، ويواصل الإسلاميون اليوم لعبة تفتيت شبه الجزيرة الهندية بالسعي لإعلان قيام جمهورية بلوشستان برعاية أمريكية، وبالطبع هذا ليس نهاية المطاف فجمهورية وزيرستان مشروع محتمل أيضًا.
تزامن نجاح مهمة الإخوان في الهند مع اغتيال حسن البنا في القاهرة وفكرت بريطانيا في بادئ الأمر باستقدام «أبو الأعلى المودودي» من باكستان لمصر ليصبح المرشد الثاني للجماعة، وبالفعل وافق العديد من قادة الجماعة وقتذاك إلا أن لندن تراجعت عن الفكرة.
ولكن يظل الجناح الإيراني لتنظيم الإخوان المسلمين هو خير شاهد على حقيقة أن بريطانيا أسست التنظيم حتى يكون جامعة لكل التيارات السلفية والصوفية والشيعية التي كانت تعمل مع بريطانيا، فكانت جماعة «فدائيان إسلام» الإيرانية لمؤسسها مجتبي نواب صفوي والذى لا يصفه رجالات تنظيم الإخوان اليوم إلا بالشهيد عقب إعدامه عام 1955.
الباحث والمؤرخ الأمريكي روبرت دريفوس (Robert Dreyfuss) رئيس وحدة الشئون الاستخباراتية للشرق الأوسط في مركز (Executive Intelligence Review) الخاص بدراسات تاريخ وحاضر المخابرات الغربية يذكر في كتابه «رهينة الخميني» Hostage to Khomeini، أن الفرع الإيراني لتنظيم الإخوان المسلمين لعب دورًا مهمًا في الإطاحة بوزارة محمد مصدق الثورية التي قامت بتأميم صناعة النفط الإيرانية.
وكان «مصدق»قد اختير من قبل النخبة الوطنية الإيرانية رئيسًا للوزراء، وبدأ في سياسات وطنية تتعلق بالتأميم وإلغاء النظام الملكي بشكل تدريجي، وعلى إثر ذلك فر الامبراطور الإيراني محمد رضا بهلوي إلى العراق ثم إلى أوروبا، ووافق على مخطط أمريكي بريطاني لصناعة ثورة شعبية ضد مصدق تفضي إلى إسقاط حكمه.
سعى الغرب لإسقاط مصدق نظرًا لأنه أوقف هيمنة بريطانيا على صناعة النفط في إيران، كما أن سياساته كانت قريبة من سياسات الاتحاد السوفيتي رغم محاولاته إبداء عكس ذلك، ورغم أن الإسلاميين في إيران وقفوا مع مصدق في بادئ الأمر إلا أنهم مع أول إشارة من صانعهم الأول المخابرات البريطانية وفروا الغطاء الشعبي لخلع مصدق عبر النزول للشارع في مظاهرات حاشدة مؤيدة لقرار الشاه الإيراني بإقالة الوزارة الثورية، وكان لتشكيلات الإخوان المسلمين في الشوارع وأتباع «آية الله كاشاني» و«»الملا شمس كناد أبادي» الدور الحاسم في تقديم الظهير الشعبي والثوري والديني لتحرك الجيش الإيراني لتنفيذ قرار إقالة مصدق وتعيين حكومة عسكرية واستقبال الشاه مجددًا.
يذكر أن آية الله أبو قاسم كاشاني كان أحد المرشحين لتولي منصب المرشد العام لتنظيم الإخوان عقب اغتيال حسن البنا، ولكن البريطانيين تراجعوا عن هذا القرار وبالفعل أاثبتت الأيام مدى فاعليته في إيران، رغم أن مصدق أعطاه رئاسة البرلمان ما بين عامي 1952 و1953 إلا أن أبناء التيار الإسلامي عموما والإخواني تحديدًا لديهم سجل حافل في خيانة الثورات والتيارات المدنية لصالح الأجندات الأجنبية.
وكان ملاحظًا أن الأمريكان في ثورة 1953 الإيرانية تواصلوا مع عصابات الشوارع وزعماء العالم الإجرامي وشبكات البلطجية من أجل النزول للشارع وفقًا للمؤرخ الأمريكي.
هكذا عاد الشاه إلى طهران عام 1953 يده في يد كيرميت روزفيلت، مسؤول المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط وحفيد الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفيلت، هذا الموقف المذل للشاه أكسبه طيلة حياته شعورًا بالدونية والخوف من الحركة الوطنية جعلته يُقرب جوقة من الفاسدين ويجعلهم نخبة حكمه ونخبة بلاده، ولطالما نصحه جنرالات المؤسسة العسكرية باستبعاد الفاسدين من حاشيته دون جدوى حيث كان يقيلهم واحدًا تلو الآخر، وكان القرار الأول المطلوب من الشاه الموافقة الإجبارية عليه هو اتفاق مع شركة النفط البريطانية «بريتش بيتروليوم»على عقد مجحف لمدة 25 عامًا وقعه الشاه في انكسار.
شبكات الفساد الإيرانية التي تدير صناعات السجاد والخضر والفاكهة والدعارة والقمار من أجل الحفاظ على مصالحها من المد الشيوعي والناصري كررت تجربة مشايخ أمن الدولة في الدول العربية ولكن في إيران كانت «ملالي السافاك» وهو جهاز المخابرات وأمن الدولة الذي أنشأه الشاه عام 1957 وكان تحت تدريب ورعاية المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
في هذا الجهاز الأمريكي الإسرائيلي تم رعاية وصناعة وتقديم رواتب شهرية لعدد من رجال الدين كانوا لاحقًا هم زعماء ما يسمي الثورة الإسلامية وعلى رأسهم الموسوي الخميني الذى ي كان يقبض راتبًا شهريًا من نظام الشاه منذ أن شارك في مظاهرات الاخوان المسلمين المؤيدة لثورة خلع مصدق.
المؤرخ الإيراني أمير طاهري في كتابه «روح الله: الخميني والثورة الإسلامية» (The Spirit of Allah: Khomeini and the Islamic Revolution) أشار إلى أن الخميني كان عضو الجناح الإيراني لجماعة الإخوان المسلمين وتسلم مسئولية تنظيمها عقب إعدام مؤسسها إلى إن تم نفي الخميني خارج إيران عام 1964، وانتقل التنظيم إلى يد آية الله صادق خلخالي.
والحاصل أن الشاه عام 1963 حاول تقليم أظافر بعض شبكات المصالح الإيرانية التي ترتزق بالتقرب إليه عبر سلسلة من قرارات التأميم، وبحث أباطرة الدعارة والقمار والتهريب عن رجل دين يصدر فتوى ضد الشاه ووجدوا ضالتهم في الخميني، فأصدر فتوى بتحريم التأميم في الإسلام لأن الإسلام يحترم الملكية الخاصة وهكذا في بضع ساعات تحول الرجل المغمور إلى زعيم سياسي على يد وسائل الإعلام التي تملكها شبكات الفساد في ايران وقتذاك، وما هي إلا بضعة أشهر وأصدر الشاه قرارا بنفى الخميني إلى العراق، ولكن الأزمة حولت الخميني إلى زعيم للمعارضة.
بجانب كتاب الباحث والمؤرخ الأمريكي روبرت دريفوس والمؤرخ الإيراني أمير طاهري فإن السطور المقبلة مصدرها كتاب في غاية الأهمية صدر عام 2003 بعنوان «كل رجال الشاه: الانقلاب الأمريكي وجذور الإرهاب في الشرق الأوسط» All the Shah’s Men: An American Coup and the Roots of Middle East Terror للمؤرخ الأمريكي ستيفن كينزر Stephen Kinzer، ماذا أجمع ثلاثتهم وهم من أهم مؤرخي هذه الحقبة حول إيران منذ بداية السبعينات؟.
إن الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1977 لم تبدأ على يد الإسلاميين فحسب بل لم تبدأ أصلا على يد الشعب الإيراني، والحاصل أن عقد عام 1953 الموقع ما بين الشاه وشركة بريتش بيتروليوم البريطانية للنفط لمدة 25 عامًا كان يفترض أن ينتهي عام 1978، وأن الشاه بسياساته التي بدأها أوائل السبعينات أبدى رفضًا للشروط المجحفة حيال صناعة النفط الإيرانية من قبل الشركة البريطانية وطلب شروطًا في مباحثات أولية خلال السبعينيات رفضتها بريطانيا، وبدأ الشاه يتواصل مع الشركة الإيطالية «ايني» في مجال النفط والغاز ما أثار غضب شبكات المصالح في بريطانيا وهو ائتلاف من أسر نبيلة تحكم بريطانيا منذ عام 1660 حتى اليوم.
كان ظن الشركة والحكومة البريطانية أن استقرار إيران هو مصدر قوة الشاه وبالتالى فإن خلخلة المجتمع الإيراني وإشعال انتفاضة شعبية ضد الشاه سوف تجعله يقبل التوقيع على اتفاق مجحف حيال شعبه، كما وقع عام 1953 تحت وطأة ثورة مصدق ثم الثورة الأمريكية البريطانية المضادة.
أما الأمريكان فقد وافقوا على خطة تأديب الشاه لأسباب سياسية قبل الأسباب النفطية، أولا: التقارب مع مصر عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وسياسات السادات التوافقية مع طهران، علمًا بأن هذا التقارب خط أحمر لدى شبكات المصالح عموما ومن يمثلها في الحكومات الأمريكية والبريطانية، ثانيا:تنسيق الشاه مع السعودية والملك فيصل ثم الملك خالد في ملف سعر برميل النفط متجاهلًا نصائح أقرب للأوامر قادمة من واشنطن حول ضرورة التوقف عن هذا التنسيق والقبول بالتلاعب الأمريكي في هذا الملف، وصولًا إلى زيارة الملك خالد التاريخية إلى طهران.
ثالثًَا: اتفاق الجزائر الذى وقعه مع صدام حسين نائب الرئيس العراقي وقتذاك، ونص الاتفاق على وقف التمرد الكردي شمال العراق ما انهي واحدًا من أهم فصول المؤامرة على العراق في هذه السنوات، وكانت ايران تمول هذا التمرد بالسلاح والمال، هذه المصالحة العراقية الإيرانية أتت بدون علم أمريكا وقربت إيران من العراق بعد السعودية ومصر بشكل لم يحدث منذ عقود، كما أن الاتفاق وفر للرئيس العراقي أحمد حسن البكر فرصة تحويل كردستان إلى أكبر منطقة ذات معدلات نمو في المنطقة.
رابعًا: الاتفاق الثلاثي في مجال الغاز مع ألمانيا الغربية والاتحاد السوفيتي، في زمن كان نقل الغاز فيه ليس بالتطور الحاصل اليوم، اتفق الشاه مع الاتحاد السوفيتي على أن يتم تصدير الغاز الإيراني إلى الاتحاد السوفيتي عبر الحدود المشتركة مقابل أن يصدر الاتحاد السوفيتي الغاز إلى المانيا الغربية عبر الحدود المشتركة مع ألمانيا الشرقية، بلغة العصر يمكن القول إن الاتفاق أشبه بمد أنبوب غاز من إيران للأراضي السوفيتية وصولًا إلى الأراضي الألمانية، ولم تكن أوروبا الغربية أو أمريكا موافقة على هذا الاتفاق خصوصًا التواصل الإيراني الذى جرى مع الاتحاد السوفيتي.
خامسًا: التنسيق مع ألمانيا الغربية وفرنسا في مشروع صندوق النقد الأوروبي وهو المشروع الذى واجه وقتذاك معارضة أمريكية.
صحيح أن الشاه لم يوقع التعامل مع أمريكا في ملفات أمنية واستخباراتية عديدة وقتذاك، إلا أن الرجل عبر خمسة خطوط حمراء دفعة واحدة ووجب تأديبه، وهكذا اندلعت ثورة يناير الإيرانية في 7 يناير 1978.
خطط إشعال الشارع الإيراني ضد الشاه ما يلى:
1 – زعماء الفتنة في الحلبة الداخلية: وهو مصطلح استخباراتي يعني الموالين للمؤامرة داخل جهاز الدولة، ضغطت بريطانيا وأمريكا على الشاه لتعيين «جمشيد اموزيجار» رئيسًا للوزراء باعتباره إصلاحيًا بدلًا من رئيس الوزراء الكفء عباس أمير هويدا، وشكل الرجل وزارة الغرض منها ضرب وتأليب الشعب على الشاه، سواء رفع الأسعار أو فرملة الصعود الصناعي والتطاول على رجال الدين وصولًا إلى وقف الاعتماد الحكومي للمساجد والمؤسسات الدينية الرسمية.
كما عملت الوزارة العميلة على تهجير القرويين إلى العاصمة والمدن الكبرى بحجة العمل ما وفر جيشًا من «البلاهة القروية» للمشاركة في الثورة، لأنه وفقًا للخبراء النفسيين يمكن التحكم بالقرويين أكثر من أبناء المدن الكبرى.
يقول دريفوس: «الدفع بمتظاهرين في وجه بنادق الشرطة سيئة التدريب لا يعني إلا سقوط قتلى، وسقوط القتلى لا يعني إلا تكاثر المتظاهرين، إنه تكييف مشاعر الخوف واليأس في نفوس الناس للزج بهم إلى مطحنة سياسية لا تعرف إلا القسوة المنكلة للذات، ما يعني أننا أمام انتحار جماعي على مستوي الأمة بأسرها».
بجانب الوزارة كان هنالك عناصر في رجال الشرطة قاموا بالإغارة على منزل رجل الدين «آية الله كاظم شريعتمداري» وإهانته وقتل أحد أنصاره علنًا ما جعل الشعب يميل إلى الآراء التي راحت منظومة الإخوان المسلمين والملالي تبثها في الشوارع أن الشاه أسفر أخيرا عن الوجه الذي نعرفه جميعًا بمعاداة الدين الإسلامي نظرا لتاريخه الطويل في التعامل مع الغرب وإسرائيل.
كما أن «آية الله كاظم شريعتمداري»لم يكن منحازًا للثورة ولكن عقب هذا الإجراء أمر أتباعه بالانضمام إلى الميادين والمسيرات.
ثم أتى دور الجنرال حسين فردوست الذي يعتبر حلقة الوصل ما بين الشاه والسافاك وهو مدرب في أمريكا، حيث منع وصول معلومات مهمة للشاه عن غليان الشارع.
نشطاء مؤسسة «برتراند راسل» للسلام انتشروا بين مصافى آبار النفط الإيرانية ودعموا اضطراب العمال عام 1978، كما استجابت عائلات بهائية ويهودية من أباطرة صناعة السجاد وسحبوا 700 مليون دولار دفعة واحدة من السوق والبنوك الإيرانية.
إن أسلوب تجنيد عملاء الحلبة الداخلية ليس صعبًا كما يتصور البعض، أسلوب الإقناع هو وضع الشخص أمام حقيقة أن الحاكم سوف يرحل وأنه من الأفضل للكوادر الوطنية أن تتحرك من أجل أن تصبح بديلًا له بدلًا من ذهاب البلاد إلى الفوضى.
بسبب هذه السياسات أصبحت المساجد هي نقطة تجمع وانطلاق المظاهرات تمامًا كما رأينا في ثورات الربيع العربي.
2 – الاعلام الأجنبي: وتحديدًا قناة «BBC» في نسختها الناطقة باللغة الفارسية، حيث كانت تستضيف يوميًا على مدار الساعة زعماء المعارضة وتبث تاريخ تعاون الشاه مع الغرب كما لو كانت قناة تلفزيونية تبث من داخل طهران، كما جرى الاتفاق على وجود كاميرات القناة في توقيت معين في أماكن معينة، على أن تقوم المساجد في هذه المناطق ببث عبر مكبرات الصوت تسجيلات لإطلاق رصاص وصرخات ما أنتج ميدانيًا عشرات الأفلام ولقطات الأخبار عن تعرض مواكب حشود غاضبة لإطلاق الرصاص والصراخ المستمر، هذه العملية جرت تحديدًا يوم 2 ديسمبر 1978 وكان يومًا فاصلًا في تاريخ الثورة الإيرانية.
كما أن نشر شبكة مراسلين للقناة كان في واقع الأمر شبكة لنشر موعد وأماكن انطلاق التظاهرات، وقد عملت المخابرات البريطانية على اختيار الشبكة وتدريبها قبل إطلاقها في الداخل الإيراني، بالإضافة إلى نشر أخبار دورية كاذبة عن هروب الشاه أو تنحيه عن العرش، أو أنه فقد عقله وأصبح مجنونًا أو حتى اغتياله، وشاركت وكالة أنباء «يونايتد برس إنترناشونال» التابعة لـ«بي بي سي» في هذا النهج الإعلامي.
يقول دريفوس إن «BBC» تتبع وحدة العمليات الخارجية في المخابرات البريطانية.
3 – القطاع الحقوقي: يقول دريفوس ان منظمة العفو الدولية إنما هي في الحقيقة جبهة للمخابرات البريطانية، وبالتالي المخابرات الأمريكية، وبدأت هذه المنظمة تمطر إيران بتقارير حقوقية عن القمع والظلم والقهر إلى آخر أدوات البرمجة النفسية لتحويل الشعب الإيراني إلى كتلة مشتعلة موتورة حيال الشاه.
إن خوف الشاه من ردة فعل هذه المنظمات وبالتالي الشكل العام لحكمه أمام شعوب العالم هو ما أخر نزول الجيش للشوارع لفض الثورة أو حتى القيام بانقلاب عسكري شكلي، كما أن خوف الشاه أدى إلى تأخير تعليق العمل بالدستور وفرض الأحكام العرفية ولما حدث كل ذلك كانت الدولة الإيرانية قد أصبحت جزءًا من التاريخ، ما يعني أن التقارير الحقوقية المحلية والدولية ما هي إلا أدوات ترهيب للحكام بغية جعل الأيادي مرتعشة دائما أمام التدابير اللازمة لحماية الأوطان.
4 – حريق سينما ريكس في عبادان واحد من اهم الحوادث التي قلبت الشعب على الشاه، حيث قامت عناصر إخوانية مدربة بإشعال حريق متعمد في قاعة عرض سينمائي في 19 أغسطس 1978، كما قامت العناصر بغلق باب الخروج عمدًا، ولقي 400 إيراني مصرعهم وعملت الدعاية المعادية على فكرة أن الشاه هو من أشعل الحريق ردًا على الثورة.
لم تبدأ الثورة إسلامية قط، بل بدأت على يد التيارات العلمانية، سواء التيار الليبرالي الداعم لفكرة ملكية دستورية، أو التيار الشيوعي، أو القوميين العرب والكرد والبلوش،بينما كان الإسلاميون سواء المقربيون من التيارات العلمانية أو الإسلاميون المتطرفون مثل «الإخوان المسلمين» في نهاية الطابور بلا صوت يسمع باستثناء الأعمال التخريبية التي كانت تخدم على الثورة.
وعقب مرور تسعةأشهر على الثورة ورفض الشاه لتوقيع الاتفاق النفطي وهو الخلاف الذي لم تُكتب عنه كلمة واحدة قط في كل صحف العالم وقتذاك، انتبهت بريطانيا إلى حقيقة أن الثورة التي صنعتها لتأديب الشاه قد عبرت الخط الأحمر، وأن الشاه أصبح ورقة محروقة بالفعل وأن الثورة في طريقها إلى النجاح، وأن التيارات العلمانية في حلبة الثورة لن تصمد أمام التيار الشيوعي وأن إيران في طريقها إلى أحضان الاتحاد السوفيتي إذا ما انتصرت الثورة على هذا النحو، وبدأت لندن في إفساح المساحة لدور أمريكي أكبر في تحديد مستقبل الثورة الإيرانية.
في واشنطن بحلول يناير 1977 أتت إدارة الرئيس جيمي كارتر، وكان مستشاره للأمن القومي «زبجنيو بريزنسكي» من أصول ارستقراطية بولندية أشد ما يكره هو الزحف الشيوعي على أوروبا الغربية عمومًا، وكان الرجل هو مهندس فكرة الاستعانة بالأصوليين الإسلاميين لصنع ثورة في الجنوب السوفيتي المسلم حيث 50 مليون نسمة يشكلون 25 % من سكان الاتحاد السوفيتي صوفيين أو سلفيي الهوي، ثم لاحقًا فكرة تلغيم أفغانستان بالإسلاميين وتفجيرها في وجه السوفيت ودعم الإسلاميين هنالك من أجل تركيع موسكو وهو المخطط الذي كان له دور رئيسي بالفعل في تفجير الامبراطورية السوفيتية، ورغم خروج بريزنسكي من البيت الأبيض مع كارتر في يناير 1981 إلا أن المخطط استمر.
رأى بريزنسكي وكارتر أن البديل الإسلامي في إيران أفضل من الشيوعي، وأن رؤية نظام إسلامي في إيران أقل ضررًا من رؤية نظام شيوعي سوفيتي في إيران، وأن الخميني خيار مناسب عن الشيوعيين، هكذا تم الإيعاز لفرنسا بقبول استقبال الخميني من منفاه العراقي إلى باريس، ثم بدأ مقر الخميني الباريسي يستقبل وفودًا من حكومات العالم وشبكات المصالح من أجل إعداد رجل ايران الجديد.
أما ثوار التيار المدني الإيراني فقد سلموا ثورتهم بكل سذاجة للإسلاميين ظنًا منهم أنهم رفقاء الميدان الثوري، بل تباهي البعض بأن الحشود الإسلامية سوف تكون أكبر من أبناء التيار المدني ما يسهل عملية إسقاط الشاه وأن قادة التيار الإسلامي مجموعة من القرويين الأغبياء سوف يتم استغلالهم بسهولة لنصرة الثورة الشعبية الإيرانية وإقامة الدولة العلمانية.
تخوفت أمريكا من ردة فعل الجيش الإيراني، وتم الاتفاق مع آية الله صادق خلخالي، المرشد الأعلى للإخوان المسلمين في ايران، على استقبال 200 ألف عنصر إيراني إخواني في القواعد العسكرية لحلف الناتو في تركيا حيث تم تدريبهم لتنفيذ عمليات تصفيات محتملة.
في محاولة أخيرة للشاه لإنقاذ الموقف، قام بتعيين «شابور بختيار» رئيسًا للوزراء في 6 يناير 1979، ولكن دون جدوى، كانت قراراته متأخرة للغاية وتأخره شجع المثقفين والطبقة الوسطى الساذجة على الانضمام إلى الثورة بينما كان الاتحاد السوفيتي والعراق وحتى دول الخليج العربي في انتظار أي مطلب منه للتدخل ولكن الشاه الساذج حتى اللحظة الأخيرة كان يعول على اتصالاته مع أمريكا، وهكذا استقبلت إيران الخميني في 1 فبراير 1979 وغادر الشاه وطنه للأبد في 16 يناير 1979 وأعلن في 11 فبراير 1979 انتصار الثورة وفي اليوم التالى 12 فبراير 1979 أعلن الخميني قيام الجمهورية الإسلامية وأنه سوف يطرح هذا النظام للاستفتاء.
عقب عودة الخميني وتفهم الجيش قبل الشعب أن النظام القادم إسلامي، حدث تمرد في بعض قواعد الجيش وهنا تحركت الميشيات الإخوانية وقتلت ما لا يقل عن 35 ضابط جيش في شوارع إيران، بالإضافة إلى المئات من الشعب الإيراني ممن جاهروا برفض السيناريو الأمريكي لنقل السلطة إلى الإسلاميين.. ولكن كيف صمت 350 ألف عنصر عسكري هم قوام الجيش الإيراني أمام مقتل 35 جنديًا فحسب؟
الجيش الساذج بدوره استمع إلى نصيحة أمريكية بعدم الانقلاب على الخميني وانتظار فشل الثوار في إدارة البلاد ما يوفر وقتذاك دعمًا دوليًا وشعبيًا لحكم عسكري في ايران، وبالطبع كان الأمريكان يخدعون الجيش الإيراني لأنه عقب صدور بيان 11 فبراير 1979 من الأركان الإيرانية بوقوف الجيش على حياد، تم تكليف قائد المليشيات الاخوانية مصطفى شمران بوزارة الدفاع وقام بتفكيك الجيش الإيراني الذي ظن رجالاته أن التيار الإسلامي والثورة حدث عارض سوف ينتهي بأوامر أمريكية تأتيهم للانقلاب قريبًا، بل إن الجيش قام بإعدام البعض ممن رفض الحياد باعتباره يتدخل في مخطط أمن قومي متفق عليه مع الأمريكان!.
إن قصة مصطفى شمران لوحدها تدل على مدى سذاجة الأنظمة العربية في التعامل مع الملف الإسلامي، حيث كان النظام الناصري في مصر مناوئًا للشاه الإيراني ودأبت صحافة مصر في الستينيات على نشر صور الامبراطورية الإيرانية «فرح ديبا» بالمايوه مع عبارات مسيئة للامبراطور باعتبار الأمر خوضًا في عرض الشاه – ثم يأتي أنصاف المثقفين اليوم للقول بأن الفكر الوهابي وصل مصر في السبعينيات على يد السادات – وفي إطار تعاون الرئيس جمال عبد الناصر مع المعارضة الإيرانية تواصل مرارًا مع الخميني، كما قبل أن تقوم مصر بدورة تدريبية لبعض المعارضين الإيرانيين على رأسهم مصطفى شمران، أي أن القاهرة بينما كانت تسجن قادة الجناح المصري لتنظيم الإخوان كانت دون أن تدري تتعاون مع الجناح الإيراني للتنظيم ضد الشاه.
وقد شارك شمران في تأسيس حركة «أمل» وكان في الحاشية الإخوانية للشيخ موسي الصدر في لبنان، والطريف أن تنظيم حركة أمل كان على اتصال مع نظام الشاه، أي أن تنظيم الإخوان كالمعتاد كان يعمل مع وضد النظام الحاكم حسب المكاسب التي يتلقاها من هذا وذاك.
أما بعض الجنرالات المعروف عنهم رفضهم للمخططات الأمريكية في الجيش الإيراني، فقد قام الجنرال روبرت هويسر، الرجل الثاني في حلف الناتو الذي أقام في طهران ما بين يناير وفبراير 1979، بتهديد هذه القيادات بشكل واضح وصريح بأن أمريكا سوف تسلم بياناتهم وبيانات أسرهم وكل رجالات الجيش إلى الميلشيات الإخوانية لاغتيالهم ما يعني فناء المؤسسة العسكرية الإيرانية وأنه من الأفضل أن يقف الجيش على حياد في غمار الثورة.
هكذا تلاعبت أمريكا بالشاه والجيش، ولم يكن الجيش مرغوبًا فيه في واشنطن لأنه يمكن أن ينفذ سياسات وفاق مع الاتحاد السوفيتي، بينما الخميني -على سبيل المثال- أفتي في أيامه الأولى بتحريم التعامل والمتاجرة مع الاتحاد السوفيتي الكافر وهكذا لم تعد موسكو تحظى بالنفط أو الغاز الإيراني، هل كان الجيش أو الشاه قادرين على اتخاذ مثل هذا القرار أو حتى موافقين عليه؟
عقب انتصار الثورة بدأ الخميني في هيكلة إيران، وبدأ في هيكلة تنظيم الإخوان المسلمين في إيران وتحديدًا تنظيم «فدائيان إسلام»، حيث اختار أهم العناصر في التنظيم وصنع منها مكتب الإرشاد «مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحاكم في إيران حتى اليوم»، أما الميلشيات فأصبحت الحرس الثورى الإيراني على يد وزير الدفاع مصطفي شمران، والمرشد الأعلى للتنظيم آية الله صادق خلخالي ولاه منصب رئيس محكمة الثورة حيث أعدم المئات سواء بشكل مباشر أو بفتاوى أباحت للميلشيات أن تقوم بذلك، وكان على رأس من أعدمتهم الثورة هو رئيس الوزراء الإصلاحي عباس أمير هويدا، ثم غدر بباقي التنظيم ولم يعد الجناح الشيعي للإخوان المسلمين له كيان مستقل باستثناء حزب «فدائيان إسلام» المؤسس عام 1989 وهو حزب صوري فحسب.
أما الجناح السني للتنظيم في إيران فقد قام الملالي بتحجيمه في جماعة الدعوة والإصلاح المؤسسة عام 1979 بقيادة ناصر سبحاني، وكان الغرض من التنظيم وقتذاك قمع الولايات العربية والكردية والبلوشية نظرًا للأغلبية السنية في هذه الولايات، ولما تجاوز سبحاني الخطوط الحمراء أعدم في مارس 1990 يوم عيد الأضحي تمامًا كما فعلت الحكومة العراقية الموالية لإيران لاحقًا حينما أصرت على استلام وإعدام الرئيس العراقى الأسير صدام حسين يوم عيد الأضحي.
وعقب تقليم أظافر الجماعة الإخوانية ترأسها الشيخ عبد الرحمن بيراني عام 1991، وحتى اليوم تقوم جماعة الإخوان المسلمين في ايران بالعمل على قمع الثورات العربية والكردية والبلوشية جنبًا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني.
عبد الرحمن بيراني بتكليف من مكتب الإرشاد شارك الشيخ يوسف القرضاوي ولفيف من الإسلاميين العرب الذين أصبحوا لاحقًا رموز الربيع العربي، بتأسيس الاتحاد العالم لعلماء المسلمين عام 2004 برعاية قطرية، جنبًا الى جنب مع حسن عابدين شقيق عضوة التنظيم الدولي للإخوان «هوما عابدين» مستشارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون في زمن الربيع العربي وضابط الاتصال ما بين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وإدارة الرئيس باراك أوباما.
آخر رئيس وزراء في عصر الشاه شابور بختيار حاول الصمود والتفاوض لصالح إيران قائلا «إذا استولى الكهنة على إيران فإنها ستعود بذلك إلى العصور المظلمة»، ولكنه لم يستطع الصمود أكثر من خمسة أسابيع، عقب تنظيم مظاهرات ضده جعلته يستقيل ويغادر إيران، بختيار قال قبل مغادرته إيران «الخميني رجل جهول حقود هدام ساعٍ في الخراب، وحاشيته مرتع حقيقي للحيوانات يضم أناسًا الأصل فيهم الشبهة والريبة، وإن شطر الناس الذين يصيحون ضدي في الخارج أجهل من الدواب، وبدلًا من أن يرتادوا دور العبادة، يلزمهم أن يذهبوا إلى المدارس أولًا، وما فعله الخميني في أسابيع قليلة قد فاق في الدمار ما فعله نظام الشاه في خمس وعشرين سنة»، وفي 3 أغسطس 1991 تم اغتيال بختيار وأحد جيرانه وضابط شرطة في العاصمة الفرنسية باريس على يد عناصر من الحرس الثوري الإيراني تم إلقاء القبض على أحدهم، وقد قُتل الثلاثة ذبحًا على نفس نمط جرائم الإخوان وداعش والقاعدة اليوم سواء في العراق أو سوريا أو حتى فرنسا وألمانيا، بينما يأتي أنصاف المثقفين للحديث عن اعتدال إيران مقارنة بإرهاب الإسلام السياسي السني.
وعلى النمط الإخواني الداعشي جاب آيات الله في قرى ايران بالفؤوس يحطمون كل تماثيل ومنجزات وبقايا الحضارات الفارسية وسط تهليل السوقة والغوغاء فرحًا بتحطيم ما أسموه «الأصنام»، وتم فرض ارتداء الحجاب رسميًا ومنع استيراد الأثاث واللحوم المجمدة بفتاوى رسمية وكان الغرض هو ضرب اتفاقيات تجارية بين إيران ودول غير مرغوب في ازدهار اقتصادها من قبل الأمريكان.
واصطفى الخميني تنظيمه الخاص من قلب الجناح الشيعي للإخوان المسلمين وقام بأسلمة الثورة الإيرانية والدولة الإيرانية، بينما في واقع الأمر أن ما جرى كان مشروع أخونة، ثم بدأ رحلة التنكيل بالثوار، فقد أعدم المئات من أبناء الطائفة البهائية رغم مشاركتها في الثورة، أو الإسلاميين ذوي الشعبية داخل الأوساط الغربية مثل صادق قطب زاده، ثالث وزير خارجية بعد الثورة، وترك التيار المدني يشكل الوزارة الأولى عقب الثورة ومع أول ترنح أقالهم، بمن فيهم أول رئيس لإيران بعد الثورة «أبو الحسن بن صدر» المنفي حتى اليوم في فرنسا، واستفاد الخميني بأن أولى رؤساء ووزارات الثورة كانت مقبولة لدى أمريكا ما سهل الاعتراف بالجمهورية الجديدة وتلقى أطنانا من صفقات السلاح والتدريب والاستشارات السياسية.
بحلول منتصف عام 1981 كان الثوار ما بين معتقل أو مقتول أو منفٍ، وكان الإسلاميون آخر من انضم للركب الثوري وقد أصبحوا الدولة الإيرانية ذاتها وخضع الجيش والشرطة والمخابرات لمكتب الإرشاد، وجرى استفتاء شكلي في 1 ابريل 1979 للموافقة على إعلان الجمهورية الإسلامية.
لم يتوقف غدر الإسلاميين عمومًا والخميني خصوصًا بكل من حوله، إذ أتى الدور على الأمريكان أنفسهم، رغم أنه وافق على جميع مخططاتهم حيال الاتحاد السوفيتي وافتعال الحرب الخليجية الأولى مع العراق لاستنزاف ثرواته، بل قدمت إيران دعمًا لوجستيًا للإرهاب السني في أفغانستان ضد السوفيت ولاحقًا في الشيشان وباقي جمهوريات القوقاز ضد روسيا الاتحادية وحتى عشية الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان جرت تفاهمات بين البلدين وصولًا إلى الحكومات المشتركة في العراق، ولكن الخميني مثل باقي التيارات الإسلامية لديه أجندته الخاصة التي يرى أن تعاونه مع الأمريكان يكفل له تنفيذها.
والحاصل أنه قبل مغادرة الخميني لباريس متوجهًا إلى طهران مع لفيف من الثوار الذين أتوا لاصطحابه – وقد أعدم بعضًا من هذا الوفد لاحقًا – أتى لزيارته كل من مدير المخابرات الامريكية الأسبق جورج بوش الأب ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنرى كسينجر، وتم الاتفاق مع الخميني على حزمة من المكاسب والوعود حال تنفيذ مشكلة ضخمة ضد المصالح الأمريكية في طهران تؤثر في شعبية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في زمن الانتخابات، حيث كان بوش الأب وكسينجر المنتميان للحزب الجمهوري مدعوماين من شبكة مصالح دولية لا ترغب في استمرار الديموقراطي كارتر في البيت الأبيض، وبالاتفاق والتواصل مع الخميني وبوش الأب وكسينجر جرى ترتيب حادثة احتجاز كامل موظفي السفارة الأمريكية في الفترة ما بين 4 نوفمبر 1979 و20 يناير 1981، ويا للمصادفة فإنه اليوم الذي أدى فيه الرئيس الجمهوري رونالد ريجان اليمين الرئاسية عقب هزيمته لجيمي كارتر بعد انهيار شعبية الأخير على وقع أزمة الرهائن في طهران، ويا للمصادفة فإن نائب ريجان كان جورج بوش الأب بينما كان كسينجر أحد مستشاري الظل لهذه الإدارة الامريكية.
غدر الخميني والإسلاميون في إيران بكارتر وبريزنسكي، وسنت ايران الإسلامية سياسة خارجية حتى اليوم تخدم أجندتها الإمبراطورية رغم الحفاظ على قناة اتصال مع الأمريكان وحتى إسرائيل في بعض الأحيان، كما أن إيران كانت بالذكاء الكافي لعدم ترك التنظيمات الإخوانية بيد السعودية أو حتى مصر في الصراع الإقليمي، فلن ينسى الإخوان أن الخميني ورجالاته كانوا يومًا الجناح الشيعي للإخوان، ولن ينسي الخميني ورجالاته الحاكمون في إيران اليوم قوة الإخوان في زعزعة استقرار الخليج ومصر.
لذا لا عجب أن نرى التعاون بين الفريقين رغم محاولات البعض ادعاء عدم وجود هذا التنسيق بدعوي سنية الإخوان وشيعية إيران، ولكن باستثناء الملف السوري، فإن هنالك توافقًا تامًا بين ملالي ايران وأئمة الإخوان في كل القضايا الإقليمية والدولية.
أمريكيًا جرى التوافق في نخبة واشنطن على استغلال ايران قدر الإمكان بعيدًا عن هذي الشيطان الأكبر، فهى البعبع الذي مهد العراق قبل الاحتلال الأمريكي ومن ساعد في تمويل الإرهاب ضد السوفيت في أفغانستان وضد الروس في الشيشان.
البعبع الفارسي الذى جعل الخليج العربي لسنوات يمكث في بيت الطاعة الأمريكي، ثم إنه الوكيل الإقليمي الذى عمل مع إدارة باراك أوباما مرارًا، ويبقى السؤال: هل شبكة المصالح الأمريكية التي وقفت خلف دونالد ترامب راغبة فعلا في تفكيك قناة الاتصال مع إيران وتفكيك دورها الإقليمي في الشرق الأوسط بعد 16 عامًا من المكاسب غير المقصودة في سنوات جورج بوش الابن والمقصودة في سنوات باراك أوباما، أم تكون سنوات ترامب مكسبًا جديدًا للنظام الإيراني؟.
ختامًا: تبقى الحقيقة أن أسلمة إيران أتت على يد أبناء تنظيم الإخوان المسلمين في إيران وهما روح الله الخميني وآية الله صادق خلخالي، وأن أخونة وهدم الجيش الإيراني أتتا على يد كادر إخواني هو مصطفى شمران، وأن تسليم ايران لهذه الجوقة الإخوانية أتى على يد الأمريكان في زمن جيمي كارتر ورونالد ريجان، ولعل هذا يبرر البيان الجماعي لكل تنظيمات الإخوان في العالم، خاصة في مصر والخليج، المرحب بانتصار ثورة الخميني على الشاه وسط دهشة وفزع العروش الخليجية.