عاطف عبد الستار يكتب: ما الذي تخسره مصر من إهمال الاستثمار في البشر؟

مهما امتلكت الدول من موارد مالية أو تقنيات متطورة، تبقى قوة العنصر البشري هي المحرك الحقيقي لاستمرار النمو و النجاح. وفي عالم سريع التغير، لم يعد بناء فريق عمل متميز ومؤهل خيارا إضافيا فى الشركات والمصانع يمكن الاستغناء عنه، بل أصبح ضرورة إستراتيجية لتحقيق الاستقرار والنمو والقدرة على المنافسة في الأسواق المفتوحة.
الدول التى نمت وتقدمت أدركت إن وجود ثقافة قائمة على الثقة، والتمكين، وتوفير فرص حقيقية للتدريب والتطوير يحقق الشعور بالأمان الوظيفي، حين يحظى الموظف بفرص التعلم والتأهيل المستمر، ويمنح مساحة لطرح أفكاره ويبتكر حلولًا جديدة، فإنه يتحول من مجرد عنصر عادي إلى شريك فعلي في صياغة المستقبل.
الاستثمار في العنصر البشري هو ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. يعتبر الإنسان المورد الرئيسي للابتكار والإنتاجية، ومحركا أساسيًا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي. من خلال توفير الموارد والفرص التي تساعد الأفراد على تطوير مهاراتهم وتعزيز قدراتهم، يمكننا إنشاء قوة عاملة مجهزة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.لأن الاستثمار في العنصر البشري ليس فقط أداة تنموية، بل هو المحرك الأعمق لأي نهضة اقتصادية مستدامة.
الاستثمار في البشر هو تجهيز الأفراد بالمهارات والخبرات والصحة اللازمة للمشاركة في قوة العمل. ليس مسؤولية اجتماعية فحسب، بل هو أيضًا محرك رئيسي للنمو الاقتصادي. عندما يتم تجهيز الأفراد بالمهارات والخبرات والصحة اللازمة، فإنهم يساهمون في الإنتاجية الاقتصادية والإبداع.
الاهتمام بالعنصر البشري يعد استثمارًا طويل الأمد في الاقتصاد الوطني، وسيحقق عوائد مضاعفة لمصر سواء من خلال تعزيز الصادرات أو من خلال تحويلات العمالة المصرية بالخارج.
رأس المال الحقيقي والذي يصنع الفارق بين المؤسسات والدول هو رأس المال البشري، في ظل أن تنافسية المؤسسات والدول تعتمد كذلك استقطاب العناصر البشرية المؤهلة والمتميزة حتى تتمكن من تحقيق الأهداف المخطط لها على المدى القصير والطويل
أثبتت التجارب أن الفني المصري قادر على التعلم واكتساب الخبرات ، وإتقان اللغات الأجنبية، والمنافسة في الأسواق العالمية. ان تأهيل العمالة يمنحها قيمة مضافة، ليس فقط في دعم الصادرات، وإنما أيضًا في تصدير العمالة الماهرة إلى الخارج بما يدر عملة صعبة تعزز موارد الدولة.
تطوير العمالة المصرية يؤدي إلى تحسين جودة المنتجات، وتقليل الهدر والتكلفة، بما يرفع تنافسية الصادرات المصرية ويفتح أسواقًا جديدة. العامل المؤهل يساهم في رفع كفاءة الإنتاج وزيادة الصادرات بشكل مباشر.
وعلى الدولة اعتماد شهادات دولية معترف بها للعمال والفنيين المصريين بالتعاون مع الدول الصناعية المستقبلة للعمال مثل اليابان وألمانيا وكوريا والصين والهند وروسيا لأن ذلك سيمنحهم فرصا متقدمة في الداخل والخارج، ويساعد على تغيير الصورة الذهنية عن العمال والمهنيين المصريين.
تخسر الدول كثيرا نتيجة الإهمال فى الاستثمار فى البشر ، تجارب الدول التى تقدمت ونهضت أثبت أن الاستثمار في العقل البشري ومنتجاته هو أرقى أنواع الاستثمار، ومنه وإليه تعود سلسلة الابتكارات والاختراعات، التي تم تسخيرها لخدمة البشرية، تلبية لحاجاتها المتنوعة ، لتحقيق متطلباتها الحياتية، وبناء قواعد تنموية تكون الأساس في تحقيق تنمية مستدامة، يستفيد منها الجميع، مواطن وحكومة، واقتصاد بمجالاته المتنوعة.
رأس المال البشري له دور كبير فى زيادة معدلات نمو نصيب الفرد من الدخل الحقيقي . وهناك أثر معنوي إيجابي للإنفاق على التعليم ومعدل العمر المتوقع على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي
العلاقة بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي متلازمة ومترابطة ، نحتاج إلى طرح نموذج للاستثمار في رأس المال البشري بما يساهم في تحسين مستويات التنمية البشرية وبناء الفرد القادر على الانتقال من الاقتصاد التقليدي الى الاقتصاد المبني على المعرفة والتصنيع. وهو ما يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستويات التنمية الاقتصادية في مصر.
مصر تحتاج تعديلات فى الرؤية التنموية وزيادة الانفاق والاستثمار فى تنمية الإنسان و وتعظيم الإمكانات البشرية، ومخرجات العقل البشري حتى تستطيع تحقيق نتائج أفضل، للمساهمة في عملية التنمية المستدامة، بكافة مجالاتها الاقتصادية والخدمية، وحتى الاجتماعية والعلمية، خاصة أن العقل المصري مرن وقادر على التأقلم مع كافة التطورات، والمستجدات العلمية والتكنولوجية.
إن الاستثمار في الإنسان المصري هو في جوهره استثمار في استقرار الدولة المصرية ونموها المستدام وأمنها القومي، وهو الطريق لمحاربة الفقر ورفع مستوي المعيشة وتعزيز حقوق الإنسان وبناء سمعة قوية واقتصاد قادر على مواجهة التحديات.