منذ آلاف السنين ظل تابوت العهد أحد أكثر الرموز الدينية إثارة للجدل في تاريخ الإنسان. فهو في نظر المؤمنين أقدس أثر على وجه الأرض، وفي نظر المؤرخين لغز مفقود تتقاطع حوله الأسطورة مع العقيدة، والبحث العلمي مع السياسة.
وقد ذكر فى اسفار العهد القديم وفى سفر الخروج خصوصا أن التابوت صُنع بأمر إلهي لموسى عليه السلام ليحمل ألواح الشريعة التي كتب الله فيها الوصايا العشر. وقد صُنع من خشب السنط المغشى بالذهب الخالص من الداخل والخارج، وله غطاء ذهبي تعلوه صورتان لملكين من الكروبيم. وكان بنو إسرائيل يحملونه في حلهم وترحالهم، ويعتبرونه رمزًا لحضور الله بينهم وبركة نصرهم في الحروب.
أما في القرآن الكريم فقد ورد ذكره في قوله تعالى:
«إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون»،
أي أن التابوت كان آية إلهية تبعث الطمأنينة في القلوب، وعلامة على تأييد الله لقائده المختار طالوت في معركته ضد جالوت.
التابوت في التاريخ
وضع تابوت العهد في قدس الأقداس داخل هيكل سليمان، ولم يكن يُسمح لأحد بدخوله سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في العام. ثم اختفى أثره تمامًا بعد سقوط القدس على يد نبوخذنصر ملك بابل عام 586 قبل الميلاد. ومنذ ذلك الحين لم يُعرف له مكان، وتحول إلى رمز ضائع تتنازعه الروايات.
ولكن يبقى السؤال الاهم أين اختفى التابوت
تقول إحدى الروايات إن النبي إرميا خبأ التابوت في مغارة بجبل نبو في الأردن قبل دمار الهيكل، تنفيذًا لأمر إلهي بأن لا يُرى حتى يجتمع الله بشعبه من جديد.
أما الكنيسة الإثيوبية فتؤكد أن التابوت نُقل إلى أكسوم على يد منليك الأول ابن الملك سليمان وملكة سبأ، وأنه لا يزال محفوظًا داخل كنيسة السيدة مريم صهيون، ولا يُسمح لأحد برؤيته سوى كاهن واحد يكرس حياته لحراسته.
وفي الفكر الإسلامي يرى بعض المفسرين أن التابوت اختفى بأمر من الله وسيعود في آخر الزمان كعلامة من علامات النصر الإلهي، وربما يكون ظهوره مقترنًا بظهور المهدي المنتظر.
ان التابوت في اليهودية يرمز إلى العهد الإلهي الذي يربط الله بشعبه، وعودته تعني استعادة النبوءة وبناء الهيكل الثالث.
وفي المسيحية يمثل التابوت العهد القديم الذي تممه المسيح بدمه، أما في الإسلام فهو أثر من آثار النبوة يحمل السكينة والرحمة، ويذكّر بأن القوة الحقيقية هي في الإيمان لا في السلاح.
وما بين الأسطورة والسياسة تحول تابوت العهد في العصر الحديث إلى محور اهتمام سياسي وديني.
فبعض الجماعات ترى في البحث عنه خطوة تمهيدية لبناء الهيكل في القدس، بينما يعتبر آخرون أن القصص حوله تخفي وراءها أطماعًا جيوسياسية. وفي المقابل، يرى بعض الباحثين أن التابوت قد يكون وعاء لتكنولوجيا قديمة مفقودة، استخدم في زمن الأنبياء لتجليات خارقة للطبيعة.
وفى النهاية مهما اختلفت التفسيرات، يبقى تابوت العهد أكثر من مجرد صندوق ذهبي. إنه رمز للعلاقة بين السماء والأرض، بين الإيمان والسلطة، وبين القداسة والفتنة. وإن كتب له أن يظهر يومًا، فلن يكون مجرد اكتشاف أثري، بل حدثا يعيد رسم خريطة العقيدة والسياسة في العالم كله.

