Site icon بوابة العمال

الدكتور حسام الدين مصطفى يكتب: مصر تمضي نحو الأتمتة بروح إنسانية وعدالة اجتماعية

 

لم تعد الأتمتة مجرد مصطلح تقني يتردد في المؤتمرات الاقتصادية، بل أصبحت واقعًا يفرض نفسه على كل مهنة، خصوصًا في قطاع النقل البحري والموانئ، الذي يشهد سباقا محموما نحو التحول الرقمي والميكنة الشاملة.

إن الأتمتة، في جوهرها، تهدف إلى تسريع الأداء وتقليل الأخطاء البشرية، لكنها  في غياب الرؤية الاجتماعية العادلة قد تتحول إلى أداة لإقصاء العمال وتهديد مستقبلهم المهني.

ومعنى الأتمتة ببساطة أنها انتقال المهام من يد الإنسان إلى يد الآلة، اعتمادا على الذكاء الاصطناعي والبرمجيات المتقدمة، بحيث تؤدي الماكينات أعمالًا كانت حكرا على البشر، كالمناولة، والمراقبة، والإدارة. لكنها ليست عدوا، إنما أداة تحتاج إلى توجيه إنساني ورقابة اجتماعية كي تظل في خدمة الإنسان لا على حسابه.

لقد تابعنا عن كثب ما تناقشه المنظمات والاتحادات النقابية الدولية، وعلى رأسها الاتحاد الدولي لعمال النقل (ITF)، بشأن خطورة التحول الآلي على العمالة البحرية، والدعوات المستمرة لإحداث توازن بين التطور التكنولوجي وحقوق العاملين.

وفي هذا السياق، جاءت قمة “الناس قبل الربح” التي عُقدت في لشبونة لتطلق صرخة عالمية دفاعا عن الإنسان أمام موجة الذكاء الاصطناعي والروبوتات التي تقتحم الموانئ دون ضوابط اجتماعية كافية.

أما في مصر، فالوضع أراه مختلفا، إذ تسعى الدولة بكل مؤسساتها إلى تحقيق معادلة دقيقة بين التطوير والتأمين الاجتماعي ، فالرؤية الوطنية تضع العامل في قلب عملية التحديث، وتؤكد أن التكنولوجيا وسيلة للتمكين لا للإقصاء.

ورغم أن العالم يعيش حالة من “رعب الآلة”، إلا أننا في مصر على يقين بأن التطور يسير في اتجاه أكثر أمانا وإنصافا، بفضل سياسات تحافظ على العدالة الاجتماعية والأمان الوظيفي في القطاعات الحيوية، ومنها النقل البحري، الذي يحظى باهتمام خاص من القيادة السياسية.

فبينما تتسارع دول العالم نحو الميكنة الكاملة بلا ضمانات كافية، تمضي مصر بخطى ثابتة نحو الأتمتة بروح إنسانية وعدالة اجتماعية، تجعل العامل شريكًا في التطوير لا ضحية له.

من موقعنا كنقابة عامة للنقل البحري، لا نقف ضد التطور، بل ندعو إلى توظيف التكنولوجيا لخدمة العامل لا لاستبعاده.

نؤمن أن الموانئ الحديثة تحتاج إلى عمال مهرة قادرين على التعامل مع الأنظمة الذكية، ولكن في إطار تدريب وإعادة تأهيل شامل يضمن استمرار فرص العمل ويحافظ على كرامة العامل ودخله.

لقد آن الأوان لوضع ميثاق وطني للنقل البحري الذكي، يُلزم كل جهة مشغلة بتطبيق الأتمتة التدريجية المتوازنة، مع حماية حقوق العمال عبر التشاور الدائم مع نقاباتهم.

إن مستقبل الصناعة البحرية يجب أن يُبنى على الشراكة بين العقل البشري والتقنية، لا على إحلال الآلة محل الإنسان.

وفي ختام رؤيتي، أؤكد أن ما نطالب به ليس إبطاء التطور، بل ضبط سرعته باتجاه العدالة ،فالأتمتة لا يجب أن تكون نهاية دور العمال، بل بداية لدور جديد أكثر معرفة وأكثر عدلًا.

الدكتور حسام الدين مصطفى رئيس النقابة العامة لأعمال النقل البحري

Exit mobile version