حين نتحدث عن الأتمتة في الموانئ والنقل البحري، فإننا لا نتحدث عن المستقبل البعيد، بل عن واقع بدأ يغير شكل المهنة نفسها ، رافعات تعمل بالتحكم عن بُعد، وسفن ذكية بلا طواقم كاملة، وأنظمة رقمية تتخذ قرارات كانت يوما حكرا على الإنسان.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أين يقف العامل وسط هذا التحول؟ الأتمتة ببساطة هي استخدام التقنية والذكاء الصناعي لإنجاز الأعمال بشكل ذاتي، دون تدخل مباشر من الإنسان، اعتمادا على الخوارزميات والروبوتات.
هي تطوير في الأداء، لكنها في الوقت نفسه تحول ثقافي واقتصادي يستدعي وعيا عميقا بأبعاده الاجتماعية حتى لا يتحول إلى مصدر قلق وفقدان للأمان المهني.
في مؤتمر “الناس قبل الربح” الذي استضافته لشبونة مؤخرا، اجتمعت النقابات العالمية لتدق ناقوس الخطر، مؤكدة أن التطور التقني لا يمكن أن يكون على حساب البشر.
فالعامل ليس رقما يُستبدل، بل هو قلب الصناعة وروحها، ولا يمكن لميناء أن يعمل بكفاءة دون خبرته وحضوره الإنساني.
أما في مصر، فلنا نموذج مختلف ، فالدولة المصرية تؤمن بأن التنمية الحقيقية لا تكتمل إلا حين يشعر العامل بالأمان، وأن التكنولوجيا يجب أن تُدار بعقل إنساني يوازن بين التقدم والعدالة.
وبينما يخشى العالم من “غزو الآلة”، تسعى مصر بخطى ثابتة إلى تحقيق التوازن بين التحديث وحماية العاملين، مستندة إلى رؤية وطنية تضع العدالة الاجتماعية والأمان الوظيفي في صدارة أولوياتها، خاصة في قطاعات استراتيجية مثل النقل البحري.
إننا في النقابة العامة لأعمال النقل البحري ننظر إلى الأتمتة باعتبارها فرصة ومسؤولية في الوقت ذاته ، الفرصة تكمن في رفع كفاءة العمل وتقليل المخاطر، أما المسؤولية فتكمن في صون حقوق العمال وتوفير برامج تدريب حقيقية تُعيد تأهيلهم للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، لسنا ضد التطوير، لكننا ضد أن يدفع العامل وحده ثمن هذا التطوير.
الموقف الدولي اليوم واضح، الاتحادات النقابية، وعلى رأسها الاتحاد الدولي لعمال النقل (ITF)، تطالب بربط كل خطوة في الأتمتة بضمانات اجتماعية وتشريعية تُحافظ على فرص العمل.
و الواقع أن هذا ما نسير عليه في مصر أيضا، من خلال شراكة متوازنة بين الدولة، والإدارة، والنقابات، تضع الإنسان في قلب معادلة التحديث.
إن مستقبل النقل البحري لا يجب أن يُقاس فقط بعدد الآلات التي تعمل، بل بقدر العدالة التي نحافظ بها على عمالنا ، فالتكنولوجيا قد تُبحر بنا أسرع، لكنها بلا عدالة لن تصل بنا إلى بر الأمان.
أحمد حلمي أمين صندوق النقابة العامة لأعمال النقل البحري ورئيس اللجنة النقابية بهيئة قناة السويس بالسويس

