طارق الصاوى يكتب : الإخلاص سبيل النجاح والخلاص من فتن الدنيا وعذاب الآخرة
أحدثت وسائل الإتصال ولا سيما شبكة الإنترنت وعلى وجه الخصوص مواقع التواصل الإجتماعى عند الناس قدرا كبيرا من حب الظهور والشهرة والمراءه وابتغاء رضا الناس وإعجابهم .
مما اضاع علي الكثير من الناس الأجر والثواب وجعل اعمالهم هباء منثورا لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ماكان خالصا لوجهه الكريم لا شريك له فيه ، ومما أبعد الناس عن سبل التوفيق والنجاح التى لا تكون إلا بعون الله ومراده تعالى .
وترى الكثير من الناس هذه الأيام تود لو ان جميع اعمالها وخطواتها ولحظاتها تصور وتذاع عبر شبكة التواصل الإجتماعى فترى أحدهم كلما عمل عملا ظاهره الخير صور وأنزل على صفحته الشخصية سمعة و رئاء الناس وابتغاء الظهور بمشاهد ترضى الناس او تعطيه قدرا يبتغيه عندهم .
وقد تسرب هذا الداء في هذه الأيام إلى العبادات بل إلى أعظم النسك مثل الحج والعمرة ، فبالله عليكم ماذا يريد هذا الذى ينشر على صفحته او جروب يشارك به صورة له بجانب الكعبة او بالمسجد النبوى او أي مكان يظهر للناس ويؤكد لهم انه قد أدى فريضة الحج أو العمرة .
فماذا يريد بذلك من الناس وماذا يقدم الناس له مقابل ذلك إلا أن يقولون له يا حاج فلان ، وقد اضاع عظيم الأجر والثواب وان يعود طاهرا من المعاصي والذنوب كما ولدته امه ، ووالله أعلم رجلا يحج البيت في كل عام غالبا منذ اكثر من ١٥ سنة مارأيت له صورة فى الحج أبدا.
وقس على ذلك الكثير من الأعمال التي يضيعها الناس هباء منثورا بما زين الشيطان لهم بغية عطاء الناس وانساهم الإخلاص لله الذى يقبل به العمل ويضاعف به الأجر والثواب ويوفق العبد به فى عمله وقوله حتى رأينا من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى التي تقيم الحفلات المصورة لتوزيع البطاطين والأطعمة والأشربة على الفقراء وينشرون صورهم على مواقع التواصل غير عابئين بفضح الفقير وإذلاله بهذه الصور لأنهم لا يبتغون بعملهم هذا وجه الله اصلا إنما يبتغون الشهرة والظهور عند الناس بمظهر الصالحين وكأنهم لا يعلمون ان الأصل فى إخراج الصدقة والزكاة ألا تعلم شمالك ما تنفق يمينك .
ولا يجوز الجهر بها الا في حالات ضيقة محددة تهدف إلى التشجيع والحث والدعوة لمن حولك أن يبذلوا من اموالهم فى سبيل الله ويكون جامع الصدقة حينها من العاملين عليها او احد المتطوعين لجمعها لإصالها للفقير أما عند إعطاءها للفقير مباشرة وجب إخفاؤها عن بقية الناس.
فالإخلاص لله تعالى هو أعظم عبادة يمكن أن يقوم بها الإنسان، فالمؤمن عندما يوحد خالقه ولا يتخذ معه أي إله آخر يكون قد بلغ أعلى مراتب الإخلاص لدينه ولخالقه ، فمفهوم الإخلاص هو السبب الرئيسي لقبول العمل من المؤمن ، وبغير الإخلاص يكون العمل مردودا على صاحبه.
ويروى أن رجلا كان يحب امرأة من قريش آمنت برسول الله وهاجرت معه إلى المدينة فسافر الرجل خلفها إلى المدينة يريد الزواج منها فلما جاء الى المدينة أسلم وحسن إسلامه وصار من الصحابة ، فسئل النبى عن هجرة هذا الصحابي الذي جاء المدينة من اجل امرأة ثم آمن بالمدينة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه المشهور الذي يتصدر اغلب كتب الحديث في باب إخلاص النية الذي جعله المصنفين في علم الحديث أول الابواب في كتبهم .
فقال صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته إلي ماهاجر إليه.
وناخذ من هذا الحديث الجامع إشارتين هما خلاصة الأمر في قبول العمل ومضاعفة الأجر ، وهما أن العمل لا يكون صالحا مقبولا عند الله إلا بتحقيق شرطين هما ” الصواب والإخلاص ” ، فمهما زاد الإخلاص فى عمل ليس من الصواب فلن يقبل وكثير من المخلصين ضاع عملهم هباء بل حملوا من الأوزار ماحملوا لأنهم علي خطأ وخالفوا الصواب.
وكذلك فإن الصواب مهما زاد فى العمل فلن يصلح بغير إخلاص لله واصوب الاعمال علي الإطلاق تكون وبالا على أصحابها بغير إخلاص ، وقد اوضح ذلك رسولنا صلوات الله وسلامه عليه في حديثه الذى بين فيه أن اول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة في ظاهرهم عند الناس وفق اعمالهم انهم ” عالم ، ومنفق ، وشهيد ” .
ولكن هذا تعلم وعلم ليقال عالم وتلك انفق وتصدق ليقال جواد منفق وذاك قاتل وقتل ليقال شجاع وقد قيل اي نالوا مقصدهم من العمل فى الدنيا وضاع عليهم ثواب الآخرة وضاعت اعمالهم هباء منثورا وكانوا اول ماتسعر بهم النار يوم القيامة.
نسأل الله ان يعيذنا وإياكم منها وما يقرب إليها من قول وعمل ونسأله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والخلاص من فتن الدنيا وعذاب الآخرة.
بقلم : طارق الصاوي المستشار الاعلامي لجمعية الطرق العربية