محمد خليفة يكتب: التحول الرقمي وسلوك الموظف

في عصر يشهد فيه العالم تحولا رقميا هائلًا، تتجه الدول نحو تبني الحلول التكنولوجية الحديثة كجزء أساسي من استراتيجياتها في التحديث والتطوير ومن بين هذه الحلول، نجد خطط التحول الرقمي التي تشمل ميكنة الخدمات، وتطوير الأنظمة الإلكترونية وتوفير منصات إلكترونية تسهم في تسريع الإجراءات وتقليل البيروقراطية إلا أن هذه الخطط، التي قد تكون مثيرة للإعجاب على الورق، غالبا ما تصطدم بعائق غير مرئي لكنه بالغ الأثر، ألا وهو سلوك الموظف الذي لا يزال عالقًا في أساليب العمل القديمة، متأثرا بتوجهات وعقليات عفى عليها الزمن.
في هذا السياق، قد تمتلك المؤسسة أحدث المباني، وأنظمة رقمية متطورة، ومنصات إلكترونية، لكن في اللحظة التي يلتقي فيها المواطن بالموظف خلف الشباك، تتلاشى هذه المزايا الحديثة أمام عينيه. الموظف الذي لا يلتزم بمبادئ التطوير، الذي يرفض التدريب، الذي يرى في وظيفته عبئا بدلا من مسؤولية يكون قادرا على تحطيم كل الجهود المبذولة في التحول.
هذه الفجوة بين التحول الرقمي وسلوك الموظف تعد من أخطر التحديات التي تواجه خطط التحديث فالمؤسسات قد تكون قد استثمرت مليارات في تطوير الأنظمة الإلكترونية أو البنية التحتية، لكن هذه الأنظمة تظل عديمة القيمة إذا كانت القوى العاملة غير مؤهلة لاستخدامها بفعالية أو لا تمتلك الحافز الكافي لتقديم خدمة مهنية تلبي احتياجات المواطنين والأكثر إيلاما أن هذه الفجوة تتسبب في تدهور الصورة العامة للمؤسسة، بل وتمس مباشرة ثقة المواطن في قدرة الدولة على تنفيذ برامج الإصلاح والتطوير.
فسلوك الموظف العائق الأكبر أمام التطوير إن جوهر الأزمة يكمن في أن التطوير غالبا ما يركز على البنية التحتية والتكنولوجيا، بينما يتم إغفال العنصر الأهم في معادلة النجاح العنصر البشري فالموظف الذي يرفض التغيير، الذي يرى في منصبه مجرد مصدر للدخل لا أداة لتقديم خدمة مجتمعية، يمكنه بسهولة عرقلة أي محاولة للتطوير الموظف الراكد الذي يعطل سير العمل، سواء بسبب عدم اكتراثه أو بسبب ثقافة العمل البالية التي لا تدعمه في التعلم أو تحسين مهاراته، لا يعي أن دوره في التحول الرقمي لا يقتصر فقط على استخدام الأدوات، بل يتجاوز ذلك ليشمل فهما عميقًا لرؤية الدولة وأهدافها التنموية.
فالرقمية الحديثة تعتمد على الكفاءة البشرية في إدارتها، فحتى النظام الإلكتروني الأكثر تقدمًا لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية إذا لم يكن هناك موظف مدرَّب على كيفية استخدامه بشكل فعال. وبدون الموظف الذي يمتلك مهارات تقنية، وقدرة على التفاعل مع التحديات اليومية بمرونة، تتحول مشروعات التحول إلى مشاريع معطلة لا تحقق الفائدة المرجوة منها. بل يصبح المواطن الضحية الأولى لهذا التناقض، فيكتشف أن كل ما تم الإعلان عنه من تحديث وتطوير لا يتجاوز حدود الشعارات التي لا تجد لها أثرًا في واقع الحياة.
إن التحول الرقمي لا ينبغي أن يكون مجرد إدخال تكنولوجيا جديدة إلى المؤسسات الحكومية أو الخدمية، بل يجب أن يكون جزءًا من خطة شاملة تشمل العنصر البشري وهذا يتطلب إعادة تعريف دور الموظف داخل هذه الخطة الموظف لم يعد مجرد حلقة ضعيفة في السلسلة، بل هو العنصر الحاسم في نجاح أو فشل أي مشروع تطوير لذا، لا بد من العمل على تطوير ثقافة الموظف وتعزيز مهاراته، وزيادة وعيه بأهمية دوره في خدمة المجتمع.
إلى جانب ذلك، يحتاج الموظف إلى التحفيز المستمر ليكون على مستوى التحديات المتزايدة في بيئة العمل. والحوافز لا يجب أن تكون مقتصرة فقط على المكافآت المالية، بل يجب أن تشمل فرصًا لتطوير المهارات، والترقيات بناءً على أداء حقيقي في تقديم الخدمة، ووجود نظام متكامل للتقييم والمساءلة الذي يعزز من الأداء الجيد ويواجه المتراخين.
ويبدأ الحل من إدراك حقيقة أن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها أي خطة تطوير ناجحة. وهذا يتطلب التدريب المستمر يجب أن تكون هناك برامج تدريبية مستمرة للموظفين، بحيث يتم تأهيلهم لاستخدام الأنظمة الرقمية الجديدة، وتدريبهم على التعامل مع المواقف اليومية بكفاءة واحترافية.
إعادة تعريف دور الموظف من الضروري أن يفهم الموظف دوره في إطار رؤية الدولة للتحول الرقمي، بحيث لا يكون مجرد منفذ للمهام بل جزءًا أساسيًا من المنظومة التي تسعى لتحقيق التنمية.
ثقافة التغيير داخل المؤسسة من الضروري بناء ثقافة مؤسسية تشجع على التغيير، وتدعم الموظف في رحلة التطوير، بحيث يشعر الموظف بجدوى التغيير ويكون مستعدًا لتقديم أفضل ما لديه.
وفى الختام لا يمكن الحديث عن تطوير حقيقي في المؤسسات الحكومية والخدمية دون معالجة سلوك الموظف كعنصر أساسي في هذه المعادلة. فبغض النظر عن حجم الاستثمار في التكنولوجيا أو البنية التحتية، يبقى العنصر البشري هو العامل الحاسم وعندما نتعامل مع الموظف باعتباره شريكا في عملية التطوير، وليس مجرد منفذ للأوامر، سنتمكن من تحطيم الحواجز التي تحول دون تحقيق رؤية التحول الرقمي وعندها فقط سيختفي الموظف الراكد منتهي الصلاحية، ليحل محله موظف جديد يمتلك الأدوات اللازمة لنجاح الدولة في تحقيق طموحاتها التنموية.
كاتب المقال: محمد خليفة… مستشار التطوير المؤسسي وإدارة المخاطر.
محمد خليفة يكتب: التحول الرقمي وسلوك الموظف








