Site icon بوابة العمال

يوسف عبداللطيف يكتب: نزاهة الانتخابات ميزان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة

أوجة نداء لاستعادة الثقة في انتخابات مجلس النواب حيث كشفت مسارا سياسيا مرتبكا يتطلب يقظة شعبية وتشريعات رادعة تحمي القسم الدستوري وتصون حق الناس في برلمان يمثل ضمير الوطن ويعيد الثقة في العملية الديمقراطية.

انتخابات مجلس النواب لم تعد مجرد محطة سياسية عابرة بل تحولت الى مرآة تعكس علاقة المجتمع بالسلطة وميزان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

وكلما توتر هذا الميزان زادت الحاجة الى صوت صريح يضع النقاط فوق الحروف بعيدا عن التجميل وبعيدا عن الادعاء بان كل شيء على ما يرام.

نحن امام لحظة تحتاج جرأة وصدق مع النفس قبل ان نكون صادقين مع غيرنا، فقد كشفت الاحداث التي رافقت انتخابات مجلس النواب عن تراكم مشكلات ممتدة من الماضي للحاضر مشكلات لم تولد فجأة لكنها انفجرت حين بدأ الناس يقلبون في محاضر الفرز ويلتقطون مشاهد من أمام اللجان وينقلون الوقائع لحظة بلحظة على صوت الهواتف والكاميرات.

وربما كان ما حدث اشبه باختبار حقيقي لمعنى الثقة المفقودة ولقدرة المؤسسات على التعامل مع النقد والطعون والوقائع التي تجمعت من محافظات عديدة.

لقد تابعت مثل ملايين المصريين اخبار الغاء نتائج بعض الدوائر وما تبعها من طعون قانونية ومحاولات لتفسير الفارق الكبير بين اللجان الفرعية واللجان العامة.

وكما تابع الجميع خرجت تصريحات رسمية تطلب التحقيق واعادة الفحص وتعلن ان كل ادعاء موثق سيخضع للتدقيق، لكن الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها ان تراكم الاخطاء في انتخابات مجلس النواب لم يكن صدفة ولا حدثا معزولا بل هو خلاصة مسار طويل تجاهل تحذيرات كثيرة وظن ان تجاهل الشكوى كاف لانهاء المشكلة بينما الواقع كان يسجل كل شيء بالصوت والصورة.

انا واحد من الذين يرون ان ازمة انتخابات مجلس النواب ليست فقط في واقعة تزوير هنا او خطأ في محضر هناك بل في غياب ثقافة سياسية تحترم حق المواطن في الشك قبل الاقتناع وفي النقد قبل المديح.

نحن في بلد يعشق السياسة اكثر مما يظن البعض لكن هذا العشق يتحول الى غضب عندما يشعر الناس ان صوتهم لا وزن له وان اصواتهم تسجل بطريقة غير التي وضعوها في الصندوق، وحين نصل لهذه النقطة يصبح الكلام عن ثقة المواطن في العملية الانتخابية مجرد امنية لا تتحقق بالشعارات وانما باجراءات واضحة وشفافة.

ومن هنا اقول بصراحة ان ما تابعناه من فضائح ومشاكل في انتخابات مجلس النواب يعيدنا الى السؤال الاهم كيف نبني نظاما انتخابيا يحترم عقول الناس ويحاسب من يخون القسم الدستوري خيانة لا تقل خطورة عن اي جريمة ضد الوطن.

القسم الدستوري ليس بروتوكولا شكليا يتلوه المسؤول امام الكاميرات ثم يضعه على الرف بل هو عقد شرف بينه وبين الشعب عقد يفترض ان يحمي حقوق الناس ويحفظ المال العام ويضمن عدم الانحراف عن الواجب.

ولان خيانة هذا القسم تصبح اخطر عندما تكون داخل مؤسسة تشريعية فان العقوبة ينبغي ان تكون بمستوى خطورتها.

لهذا احلم ومعي كثيرون باصدار تشريع واضح يجرم حنث اليمين الدستوري لاي نائب او وزير او محافظ تشريعا يعطي المواطن الحق في تحريك الدعوى الجنائية بنفسه دون انتظار موافقة جهة ما تشريعا يجعل العقوبة السجن المؤبد المشدد خمسة وعشرين سنة مع مصادرة الاموال والثروات بلا اي مجال للتصالح.

قد يبدو الكلام حادا لكن ما يهدد الدول ليس القسوة في العقوبة بل التساهل الذي يفتح الباب للفوضى واهدار الحقوق.

قد يقول قائل ان المشكلة ليست في التشريعات بل في تطبيقها. وانا اتفق مع هذا القول لكنني ارى ايضا ان وجود قانون صارم وواضح سيجعل كل مسؤول يفكر الف مرة قبل ان يضع توقيعه على مستند غير قانوني او قبل ان يتدخل في مسار انتخابات مجلس النواب لصالح مرشح بعينه. الردع ضرورة وليس رفاهية خاصة عندما نتعامل مع مؤسسة تمثل عصب الدولة وصوت الشعب.

لقد راقبت اداء بعض المرشحين وكيف تحولت الانتخابات في دوائر عديدة الى سباق نفوذ لا سباق برامج. هذا المشهد لا يمكن فصله عن تراكم اخطاء الماضي ولا عن غياب قواعد حقيقية تسمح بالمنافسة العادلة.

وعندما يتكرر الغاء النتائج في اكثر من دائرة فهذا يعني ببساطة ان الخلل بنيوي وليس حالة فردية، واذا استمرت هذه الممارسات دون اصلاح جاد سنجد ان انتخابات مجلس النواب تتحول الى طقس شكلي لا يعبر عن ارادة الناس.

ربنا خلق الشعوب لكي تعبر عن نفسها لا لكي تكون جمهور صامت. ومصر تستحق ان ترى برلمانا يليق بتاريخها السياسي لا مجرد مقاعد يشغلها من يملك نفوذا او دعما اداريا.

وما يجعلني اكتب اليوم بهذه النبرة هو انني ارى فرصة لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل ان نتورط اكثر في دوامة من فقدان الثقة. فالمجتمع لا يبنى بالصمت بل بالوضوح، والوضوح يعني الاعتراف ان انتخابات مجلس النواب في صورتها الحالية بحاجة لاعادة بناء شاملة.

نحن على ابواب مرحلة سياسية تحتاج شجاعة والتزام ومعنى جديد للمحاسبة. والبرلمان القادم لن يكون امتدادا طبيعيا للماضي الا اذا اخترنا تجاهل كل ما حدث.

اما اذا قررنا ان نفتح صفحة جديدة فسنحتاج الى دستور محترم وقسم محترم ورجال ونساء يعرفون ان خدمة الوطن ليست وظيفة بل رسالة ومسؤولية اخلاقية.

اخيرا انا اكتب هذا المقال ليس لاثارة ضجيج ولا لجلد الذات بل لانني مؤمن ان حب الوطن يعنى ان نكشف عيوبه قبل ان نحتفل بانجازاته. ما حدث في انتخابات مجلس النواب يجب ان يكون جرس انذار لا جرس احتفال.

والاصرار على اصلاح العملية السياسية ليس رفاهية بل واجب على كل مواطن يريد ان يرى مصر اكثر قوة واكثر شفافية واكثر قدرة على مواجهة المستقبل بثقة حقيقية لا بثقة مصطنعة.

Exit mobile version