السفير صالح موطلو شن: الأتراك يقدرون احتضان مصر للشاعر محمد عاكف أرصوي

كتب: محمد حربي
أكد السفير صالح موطلو شن- سفير جمهورية تركيا بالقاهرة: أن الأتراك يقدرون احتضان مصر للشاعر محمد عاكف أرصوي؛ موضحا أن النشيد الوطني التركي” نشيد الاستقلال”؛ الذي كتبته، يمثل نهضة الأمة التركية، وعودتها القوية إلى الساحة التاريخية. جاء ذلك بمناسبة حفل التأبين؛ الذي أقيم، في الذكرى التاسعة والثمانين لرحيله؛ حيث حضر الحفل أكثر من مئة ضيف، من بينهم ممثلون عن الأوساط الثقافية والفنية المصرية، وطلاب معهد يونس إمره، وصحفيين مصريين.

وقال السفير صالح موطلو شن، في كلمته خلال الحفل:إن الكفاح الوطني لم يكن كفاحاً مسلحاً فحسب، بل انتصر أيضاً بالإيمان والقوة الروحية؛ موضحاً أن النشيد الوطني، الذي كتبه محمد عاكف أرصوي ، هو النص الذي يعكس هذه الروح بأقوى صورة.
وأوضح شن، أن عاكف حافظ على روح الوحدة والمقاومة لدى الشعب من خلال تجواله في الأناضول خلال سنوات الكفاح الوطني وإلقائه الخطب في المساجد، وأن قصيدته “إلى شهداء جناق قلعة”، وهي من أهم أعماله، ترمز إلى النضال الملحمي للأمة التركية في جناق قلعة خلال الحرب العالمية الأولى.

وأشار شن، إلى أن النشيد الوطني يمثل نهضة الأمة التركية وعودتها القوية إلى الساحة التاريخية، وأن ما كتبه محمد عاكف أرصوي لا يزال ينير مستقبل الأمة التركية بهذا العمل حتى اليوم؛ لافتاً إلى تقديرهم وشكرهم لمصر لاستضافتها واحتضانها للشاعر محمد عاكف أرصوي.

وكان معهد يونس إمره؛ قد قدّم خلال الحفل، عرضًا شاملًا عن حياة محمد عاكف أرصوي ، وعالمه الفكري، وأعماله، والسنوات التي قضاها في مصر. وكجزء من البرنامج، أُلقي النشيد الوطني التركي وقصيدة “إلى شهداء جناق قلعة” باللغتين التركية والعربية.

ومن الجدير بالذكر، أن محمد عاكف أرصوي، كان قد قضى نحو عشر سنوات من حياته في مصر؛ حيث أقام في مدينة حلوان خلال تلك الفترة. وقد درّس اللغة والأدب التركيين في جامعة القاهرة، وأقام علاقات وثيقة مع أبرز الأوساط الثقافية والفنية والسياسية في مصر.
وخلال رحلات أرصوي، بين حلوان والقاهرة؛ فقد أمضى بعض الوقت في مقهى الفيشاوي بخان الخليلي، ولا يزال المنزل الذي سكنه آنذاك قائماً في حلوان حتى اليوم؛ كما زار عاكف أسوان والأقصر في مصر، وكتب قصائد شعرية عنهما، وكان من أقرب أصدقاء محمد عاكف أرصوي في مصر عباس حليم باشا، حفيد محمد علي باشا ووزير الأشغال العامة السابق في الدولة العثمانية.
وقد وُلد محمد عاكف أرصوي في العشرين من ديسمبر عام 1873م بمدينة إسطنبول؛ حيث نشأ في أسرة علمية؛ إذ كان والده، الشيخ محمد طاهر أفندي، من مدرّسي مدرسة الفاتح، وكان له الأثر البالغ في توجيه ابنه منذ صغره نحو العلوم اللغوية والدينية. وفي سن مبكرة تعرّف محمد عاكف على اللغات وعلوم الدين، فقد تعلّم العربية والفارسية والفرنسية. وكان عاكف يعبّر عن مكانة والده في تكوينه العلمي بقوله: «كان أبي وأستاذي في آنٍ واحدٍ، وكل ما أعلمه تعلمته منه»، حيث بدأ والده بتعليمه اللغة العربية منذ تلك المرحلة المبكرة. وفيما بعد، أتمّ دراسته في مجال الطب البيطري، غير أنّ اهتمامه بالأدب لم ينقطع؛ إذ اهتمّ عاكف بالأدب وانشغل به خلال سنوات دراسته، كما واصل هذا الاهتمام في فترة عمله في ميدان التعليم.
وتتجلّى قيمة محمد عاكف أرصوي لدى الأمة التركية، دون شك، ليس في المستوى الأدبي الرفيع لقصائده فحسب، بل كذلك في كونه ممثلًا صادقًا للوجدان الوطني. كانت أشعاره، التي جسدت روح الاستقلال والصمود الاجتماعي لجيل كامل، مصدرًا للمعنويات وتعزيزًا لمشاعر الوحدة لدى المجتمع خلال فترات النضال والكفاح..
ومن أشهر أعمال أرصوي هو «نشيد الاستقلال»، الذي اعتمده البرلمان التركي في 12 مارس 1921 كنشيد وطني، ليصبح رمزًا لصراع الأمة التركية من أجل الحرية والاستقلال؛ حيث يتجاوز هذا العمل كونه نشيدًا وطنيًا، ليصبح تعبيرًا أدبيًا عن التضامن المجتمعي وعن الإيمان الراسخ والعزيمة الثابتة للأمة التركية.
ومع بداية عام 1923؛ كان قد قضى محمد عاكف أولًا الشتاء في مصر، ثم استقر فيها إقامة دائمة في سنواته الأخيرة، وخلال تلك الفترة، كان أبرز ما اهتم به عاكف بعد ترجمة القرآن الكريم، هو تدريس اللغة التركية والأدب التركي في كلية الآداب بجامعة القاهرة. وفي أواخر عام 1933، نشر في القاهرة كتابه السابع والأخير من سلسلة “صفحات” تحت عنوان “الظلال”. وتعد سنواته في مصر مرحلة مهمة، سواء من حيث عمله الأكاديمي كعضو هيئة تدريس في الجامعة، أو من حيث التحولات التي شهدتها مسيرته الأدبية وإنتاجه الفكري.
وقد تُرجمت بعض قصائد عاكف إلى اللغة العربية أثناء حياته. ففي عام 1932، نشرت مجلة “المعرفة” في مصر قصيدتيه «نشيد الاستقلال» و*«البلبل»* مع ترجمتهما إلى العربية، وتبعتها قصيدتا «إلى شهداء تشاناق قلعة» و*«في الأقصر»*. ومن بين أعماله الأخرى، نجد «آصم» (Âsım).
ولا يًعد محمد عاكف ليس مجرد شاعر؛ بل يُعتبر “الشاعر الوطني” الذي عبّر عن القيم الوطنية والأخلاقية للأمة التركية