وردت مفردات ومصطلحات في القرآن الكريم تحمل من المعاني من لا يصل إليها إلا كل ممعن للنظر في ذلك الكتاب الخالد ، وهي إن دلت على شيء فلا تدل إلا على أن هذا الكتاب من لدن حكيم حميد.
من بين تلك المفردات كلمة امرأة وزوجة وصاحبة وهي في الظاهر تدل على معنى واحد ألا وهو المرأة التي تشارك الرجل حياته عن طريق الزواج الشرعي ، لكن المتأمل في كتاب الله يجد أن لكل لفظ منهما معنى قائما بذاته يفهم من تدقيق النظر وتدبر الآيات ، وصدق الله العظيم عندما قال: (ليدبروا آياته).
ودونك ﺍﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ (اﻟﻤﺮﺃﺓ… ﻭﺍﻟﺰﻭﺟﺔ… ﻭﺍﻟﺼﺎﺣبة).
أولاً: ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ :
يأتي هذا التعبير إﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴدية ﺑﻴﻦ ﺍﻟرجل وزوجته فقط ، بينما لا يوجد بينهما انسجام أو توافق فكري أو محبة ، فتسمى ﺍلزوجة في هذه الحالة ب( ﺍﻣﺮﺃﺓ ) …
تأمل قول ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : (ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻧﻮﺡ) ، (ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻟﻮﻁ) ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ: ﺯﻭﺟﺔ نوح ولا زوجة لوط بسبب الخلاف الإيماني بينهما!!!
فهما نبيان مؤمنان وزوجة كل منهما غير مؤمنة !!! فسمى الله كلا منهما امرأة وليست زوجة.
وكذلك قوله تعالى: (ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻓﺮﻋﻮﻥ) . ﻷﻥ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻣﺮﺃﺗﻪ آﻣﻨﺖ فلم يتفقا في الإيمان فكانت امرأة وليست زوجة.
ﻭ ﻓﻀﺢ الله بيت ﺃبي ﻟﻬﺐ ، ﻓﻘﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻭﺍﻣﺮﺃﺗﻪ ﺣﻤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻄﺐ) ليدلل القرآن أنه لم يكن بينهما انسجام وتوافق!!!
ثانياً: ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ :
أما ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴدية وتوﺍﻓﻖ إيماني مع اﻧﺴﺠﺎﻡ ﻓﻜﺮﻱ ومحبة فإننا نجد التعبير القرآني يطلق عليها اسم: ﺯﻭﺟﺔ.
تأمل قول الله تعالى عن سيدنا آدم وأمنا حواء: (ﻭﻗﻠﻨﺎ ﻳﺎ ءاﺩﻡ ﺍﺳﻜﻦ ﺃﻧﺖ ﻭﺯﻭﺟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ) ، أيضا تأمل قوله تعالى عن أزواج نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: (ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻗﻞ ﻷﺯﻭﺍﺟﻚ ) ، وذلك ليدلل الحق جل جلاله على التوافق الفكري والانسجام التام بينه وبينهن.
ﻟﻜننا نجد أمرا ملفتا للنظر في قصة سيدنا زكريا وزوجه عليهما السلام ، فقد استخدم القرآن فيها لفظ امرأة تارة ولفظ زوجة تارة أخرى على الرغم من أن هناك توافق فكري وانسجام بينهما ، فما السبب؟!!!.
انظر قوله تعالى: (ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻣﺮﺃﺗﻲ ﻋﺎﻗﺮﺍً)…ولعل السبب في ذلك أﻧﻪ لما كان ﻫﻨﺎﻙ ﺧﻠﻞ ﻓﻲ العلاقة بينهما ﺑﺴﺒﺐ ﺍلإﻧﺠﺎﺏ.ﻓكانت شكايته ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ تعالى بوصفه إياها بأنها امرأته وليست زوجته !!!.
ولكن بعد أن رزقه الله ولداً منها وهو سيدنا يحيى عليه السلام اختلف التعبير القرآني. فقال الله تعالى: (ﻓﺎﺳﺘﺠﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻭﻭﻫﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻳﺤﻴﻰ ﻭﺃﺻﻠﺤﻨﺎ ﻟﻪ ﺯﻭﺟﻪ). فسماها الله تعالى زوجة وليست امرأة بعد إصلاح خلل عدم الانجاب !!!
ثالثاً: الصاحبة:
أما إذا تأملنا لفظ صاحبة فإننا نجد أن القرآن الكريم يستخدمها عند انقطاع العلاقة الفكرية والجسدية بين الزوجين ، لذلك فمعظم مشاهد يوم القيامة استخدم فيها القرآن لفظ (صاحبة).
قال تعالى : (ﻳﻮﻡ ﻳﻔﺮ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻭﺃﻣﻪ ﺃﺑﻴﻪ ﻭﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻭﺑﻨﻴﻪ). لأن ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ انقطعت بينهما بسبب الموت وأهوال يوم القيامة.!!!
ﻭﺗﺄﻛﻴﺪﺍً ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺻﺮﺍﺣﺔ: (ﺃﻧﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻭﻟﺪ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ ﺻﺎﺣﺒﺔ) ولم يقل: (ﺯﻭﺟﺔ) ﺃﻭ (ﺍﻣﺮﺃﺓ). لينفي ﺃﻱ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴﺪﻳﺔ ﺃﻭ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻄﺮﻑ الآخر نفياً قاطعاً ﺟﻤﻠﺔَ ﻭﺗﻔﺼﻴلاً.
ﻓﺴﺒﺤﺎﻥ من هذا كلامه وذاك بيانه وتعالى علوا كبيرا.