آراءمنوعات

جاكيت المدرسة


بقلم…. مي مختار

عندما كنت ادرس بالصف الثالث الإعدادي اصاب امي لعنة الخبيث وعادت من خارج البلاد لتستقر هنا معنا انا وجدتي بعد أن تخلي عنها زوجها وتركها تواجه الخبيث في غربتها بمفردها، الغريب في المشهد استقبال جدتي لها فاتحه ذراعيها بعد انقطاع التواصل بينهما سنوات عقب مغادرتها واقلاعها وتركي صغيره، كنت اراقب الأحداث من حولي واحتفظ بها في ذاكرتي، لم يلحظ من حولي انني التقط بعيناي مشاهد لم يعلمون عنها شيئا واليوم وبعد أن تجاوزت الخمسين كلما كتبت ما لم يشاهدوه يتعجبون لكوني في قلب الأحداث ولا اتفوه بشيء ويشاهدون فيما اكتب هنا مشاهد لم تمر عليهم في حياتهم من قبل.
تلصصت على امي وهي تحكي ماساتها لجدتي وهي تجلس بالقرب منها فوق السرير النحاسي وانها لم تجد ملاذا الا بيت ابوها، بكت بحرقه، ولم تشاركها جدتي البكاء لكنها شاركتها الوجع، رافقت امي في جلسات علاجها الكيميائي، جلستان أسبوعيا، نصعد سويا سلم المستشفى معا في وهن وضعف مستنده على كتفي، تتألم وتنازع وانا اتحمل من أجلها واخفي دموعي التي علمتني جدتي الا اجاهر بها أمام احد حتى لا أبدو أمامهم ضعيفه ابدا، اتركها امام غرفة الكيماوي وانتظر بالخارج حتى موعد انتهاء الجلسه اتصفح احدي المجلات واتلقفها بعد انتهاء جلستها منهكه لا تقو حتى على الوقوف واعود بها للمنزل تعانق وجعها وتستسلم بعدها للنوم.
استأصل الطبيب ثديها وتساقطت خصلات شعرها الطويل وبعد تسعة أشهر كانت تغيب عن الوعي وتعود مره اخرى والزمنا الطبيب المعالج بدخولها المستشفى للعلاج والمتابعه، كنت اغدر مدرستي الي المستشفى اقضي معها باقي ساعات اليوم وجدتي ترافقها طول اليوم، اجلس بالكرسي القريب منها اراقب ملامح وجهها الشاحب الهزيل، لا أصدق انها امي، وشعرها الذي يتساقط فوق المخده بكثره، لازلت أتذكر عندما طلبت مني كوب الماء وعندما ناولتها اياه رفعت يداها بعيدا عن اتجاه صوتي ” امسكي ياماما اشربي”، لم ترى كوب الماء في يدي أدركت وقتها ان الخبيث قد نال من بصرها أيضا.
استمر حال امي هكذا شهرين متتاليين ولأول مره أرى جدتي لينة القلب برفقتها في المستشفى تطعمها وتبدل لها ملابسها المتسخه وتحممها وتعتني بنظافتها، أين كنت تخبئين مشاعرك ياجدتي كل تلك السنوات؟ ولما تنازلت عن قسوتك الان نحو امي؟ هل هو المرض؟ نعم هو كذلك ياجدتي، المرض أظهر مشاعرك الحقيقيه التي طالما حجبتيها عن وحيدتك سنوات، لم أراك تبكيها في حياتها ورايتك تبكيها يوم وداعها.
ذهبت للقاء امي بعد المدرسه في المستشفى كعادتي يوميا، وفتحت باب غرفتها ولم أجد جدتي ، أخبرتني الممرضه انها عادت للمنزل لإحضار ملابس لأمي، اقتربت منها على أطراف اصابعي حتى لا اوقظها من نومها وتركت جاكيت المدرسه فوق الكرسي بجوارها والشنطه اسفله، غادرت المكان وجلست بالمكان المخصص للزائرين خارج غرف المرضى، شعرت بالملل والرغبه لرؤية امي، فتحت باب الغرفه بهدوء وقعت عيناي عليها جالسه تحتضن جاكيت المدرسه وتشتم رائحته وتبكي بحرقه، هرولت نحوها ” ماما انا جيت اهو بتعيطي ليه”، جلست بجوارها، تنظر إلى ولا تراني، فقط تنظر نحو الصوت، هل رائحة ابنتها هي من ارشدتها نحو الجاكيت؟، اصاب الخبيث امي بالعمى، تلقفتها في حضني، هي من كانت بحاجه لهذا الحضن ليشعرها بالأمان، لا أنا.

زر الذهاب إلى الأعلى