سماح عبد الحليم تكتب : كعبٌ عالٍ

متململًا من طول الوقوف على قدميه في تلك الحافلة المزدحمة أخذ يغير من وضعية جسده لتغيير نقاط الارتكاز وتخفيف الضغط عن القدمين. لولا أهمية تلك المقابلة في تغيير واقعه ما خرج من بيته في هذا الجو الحار والزحام الخانق هكذا دار بخلده. يجب الحصول على تلك الوظيفة فهو الأجدر بها ولديه من المؤهلات والخبرة ما سيقنع أصحاب الشأن بقبوله بلا منافس. حاول الاستطراد في تفكيره ولكن

فجأة وجد جسده يندفع بقوةٍ إلى الأمام مع صوت صرير مزعج لعجلات الحافلة التي توقفت فجأة بلا سابق إنذار لتفادي الاصطدام بالسيارة الأمامية التي انحرف بها صاحبها فجأة في مسار الحافلة، لم يكن اندفاع جسده وصوت الصرير المزعج هما العرضان الجانبيان لهذا التوقف فقط بل كان الأسوأ على الإطلاق ذلك الألم الرهيب الذي شعر به عندما انغرس كعبٌ عالٍ في مشط قدمه اليسرى إثر اندفاع جسد صاحبته نحوه بعد اختلال الاتزان الجماعي الذي تعرض له كل ركاب الحافلة؛

صرخَ عاليًا وهو يدفع الفتاة بعيدًا عنه ويرفع قدمه المصابة عن الأرض مرتكزًا على دعامات المقعد المواجه له، كان الألم لا يطاق مما جعله يطلق لعناتٍ متتالية للكعوب العالية ومن اخترعها ومن يرتدينها؛

أشفق عليه باقي الركاب وإن كان أغلبهم متذمرًا مما أصابه جراء هذا الاندفاع المباغت وهذا التخبط بين الأجساد،
“أعتذر بشدة يا أستاذ ولولا تقديري لما أنت فيه من ألم ما سمحت لك بهذه التصرفات العدوانية ”

قالت بصوتٍ متوتر خجول
ابتعدي عني لا أريد سماع صوتك وإلا كسرتُ لك هذين الخنجرين اللذينِ تعتلينهما، صاح فيها والألم يجعل رؤيته مصطبغة باللون الأحمر القاني.
انكمشت خوفًا منه واندفعت تنزل من الحافلة عندما وصلت إلى محطتها أخيرًا لتهرب من ذلك الموقف المحرج .

نزل من الحافلة وهو يجر قدمه اليسرى خلفه ويعرج بطريقة مؤلمة،توجه لأقرب صدلية للحصول على إسعافات أولية تخفف من وطأة الألم، هاله منظر أصابعه المتورمة والغارقة في الدماء وهذا الثقب متوسط العمق في ظهر القدم فازداد حنقه وصب جام لعناته على تلك الفتاة وكعب حذائها الذي أطاح بحلمه وطموحه في الحصول على الوظيفة التي كان يمني النفس بها،

جمع شتاته ثم أكمل طريقه نحو مقر الشركة المذكور بالجريدة وعندما وصل بمعاناة انتظر دوره في المقابلة وقد فقد ثقته بالفوز ولكنه تمسك ببعض الأمل في أن يتفهم المسؤولون طبيعة الحادث ويمنحوه فرصة.، نادت السكرتيرة اسمه لتخرجه من دائرة الصراع النفسي وتدخله حلبة صراعٍ واقعيّ آخر، دلف إلى المكتب وهو يحاول التماسك وعدم العرج في سيره ولكن محاولاته باءت بالفشل وخاصة مع تلك الدهشة التي ترتسم على وجهه ذلك الجالس على المكتب. .

تأمله المسؤول بهدوء ثم سأله عن سبب عرجه الواضح وكيف يريد الحصول على الوظيفة بهذه العاهة؟
لا يا سيدي أنا لست أعرج بل أُصيبتْ قدمي في حادث بسيط وأنا في طريقي إليكم وهي إصابة سطحية ستشفى خلال أيام قليلة بإذن الله.

لم يبد على ملامح المسؤول الاقتناع فأخذ يُقلِّب في الأوراق ويقرأ السيرة الذاتية التي استحوذت على اهتمامه وبدأ الاهتمام يزحف على نبرته وهو يسأله عن المُدد التي قضاها في تلك المشاريع التي شارك بالعمل فيها فأخذ يجيب بحماسٍ وقد بدأ الأمل يتسرب إلى نفسه مرة أخرى .
رائع، قالها المسؤول بعدما انتهى من تصفح الملف ومابه من شهادات خبرة وسيرة ذاتية.

هل يعني هذا أنني سأحصل على الوظيفة عندكم؟ سأل بلهفةٍ لم يستطع إخفاءها.
يؤسفني أن تكون إجابتي لا
لماذا يا سيدي ؟!! ألم تتأكد بنفسك أنني سائق معدات ثقيلة ذو خبرة؟ وشاركت في العديد من المشاريع القومية وأنني لست أعرَج وأن ما أصابني اليوم شيءٌ عابر سيزول سريعًا.

بلى تأكدت ولكن المطلوب هو سائقون مستعدون للعمل اعتبارًا من الغد فنحن مرتبطون بجدول مواعيد يجب ألا نتخطاه وإلا تعرضنا لشروطٍ جزائية لسنا على استعدادٍ لتحمُّلِها.

هل يعني هذا عدم قبولي ؟
مط المسؤول شفتيه بأسفٍ قائلًا: “اترك لنا أوراقك وعنوانك فربما احتجنا لك في يومٍ ما فنحن بحاجة لأمثالك في مشاريعنا باستمرار”.

تحامل على نفسه وقام منكسرًا تاركًا له العنوان وبعض الأوراق وخرج يجر قدمه وخيبة أمله وراءه، وعقله لا يزال يُردد لعناته على تلك الفتاة واليوم الذي رآها فيه وعلى كل امرأةٍ ترتدي الكعب العالي المُدبَّب، وتمنى أن يراها مرة أخرى كي يحطم رأسها كما حطمَتْ حُلمَه بالعمل في هذا المشروع القومي العملاق، بعدما لاح له الأمل أخيرًا بعد طولِ ركودٍ في المشاريع القومية الكبرى، فمن زمنٍ لم يطلبه أحد إلا في بعض الأعمال الخاصة المؤقتة.

استأنف طريق عودته للمنزل وقد أنهكه المجهود المُضاعف في السير والتفكير السلبي معًا، قصد حجرته وألقى جسده المكدود على سريره وأخذ يتأمل سقف الحجرة وهو يُساءل نفسه عن الخطأ الذي ارتكبه كي يعاقبه الله بالحرمان من الوظيفة ويجعله يُعاني ألمًا نفسيًا وبدنيًا لا يُطاق؟!!

دخلت أمُه الحجرة وقد بدا عليها القلق بعدما لاحظتْ ملامِحه المرهقة المتألمة.
-ماذا بك يا حبيبي لماذا لم تمرَّ عليَّ في المطبخ كعادتك عند المجيء؟! ….ولماذا لم تناديني عند عودتك؟
لا شيء يا أمي أنا فقط مرهق من المشوار وأريد أن أرتاح قليلًا.

لو لم تحصل على الوظيفة فلا بأس، الدنيا لن تنهار ولن نموت من الجوع، ربنا سيعوضنا خيرًا فلا تيأس.
-كتم غيظه ورغبته الشديدة في الاعتراض قائلًا وطالما سيعوضنا الله خيرًا فلماذا لم يوفقني في هذه الوظيفة ويختصر الوقت والتعب؟!! ولكنه تراجع على مضضٍ حتى لا يُغضِب أمه وتبدأ في درسٍ طويل عن الإيمان بالقضاء والقدر والغيبيات؛ وهو غير مستعدٍ لهذا الجدال الطويل لذا قال باقتضابٍ إن شاء الله

يا أمي،
اتركيني الآن أرتاح قليلًا فأنا مرهق وبحاجة للنوم.
حسنًا يا ولدي دعني أخلع عنك حذاءك.
“لا لا دعيني أتولى هذا الأمر”

قال مفزوعًا
-ماذا حدث يا ولدي ولماذا فَزِعتَ هكذا؟! لقد انتقل فزعك إليَّ
-لا شيء يا أمي ولكن قدمي بها إصابة بسيطة وأردتُ التعامل معها بنفسي.
-ما الذي أصاب قدمك يا كبدي، ولماذا تخفي الأمرَ عني؟! دعني أرَ الإصابة لأطمئن.
وبرفق شديد خلعت حِذاءه وهو يتلوى من الألم ثم ضربت صدرها بلوعة عندما وجدتِ الدماء تغطي الضمادة والتورم بادٍ على مشط القدم،
-يا ربي!!، ما الذي أصاب قدمك يا بني؟
حكا لها بغضبٍ ما حدث في الحافلة وكان سببًا في ضياع فرصة العمل منه وعن رغبته بالانتقام من تلك الفتاة إذا رآها ثانية.

قالت بهدوءِ وبصوتٍ يواسيه “لا أحد يعلم أين الخير”
تنهد بضيق وقال مختصرًا الحوار:” نعم لايعلم أحد أين الخير”، ثم وضع الوسادة على رأسه معلنًا انتهاء رغبته في الكلام.

مرَّت الأيام رتيبةُ الإيقاع وهو يتأمل قدمه التي بدأتْ تتعافى تدريجيًا ويزول ما بها من ألمٍ وتورُّم وقد حرص على عدم إرهاقها في أي عملٍ يؤخر شفاءها.

لم يمض الأسبوع الثاني حتى بدأ المشاركة في مباريات كرة القدم مع شباب الحي، وقد استعاد الشعور بالانتعاش والحيوية و تناسى صدمته الأخيرة مستسلمًا للأمر الواقع، وبدأ يُمارس روتينه السابق بالعمل مع أحد المقاولين الذي يستدعيه من حينٍ لآخر عندما يستجدُ أمرٌ يستلزم استخدام معداته الثقيلة.

وبينما هو على هذا الحال فوجيء في أحد الأيام بخطابٍ من شركة المقاولات العملاقة تطلب منه المجيء لتسلم إحدى الوظائف بعدما أصبحت شاغرة؛ لم يصدق عينيه من الدهشة والفرحة، واختلطت ضحكاته بصرخات أمه المتفاجئة عندما حملها فجأة من أمام الموقد.

أخيرًا يا أمي تحقق حلمي وسأكون موظفًا بشركةٍ عملاقة تمنح مرتبات ضخمة.
ربنا يكمل فرحتك يا بني ويعوضك خير.

في الصباح ارتدى أجمل ملابسه واصطحب أوراقة ثم أشار لأولِ سيارةِ أجرة تمر به(لا يُلدغ مؤمنٌ من جحرٍ مرتين) هكذا حدَّث نفسه.

كان الأمل والتفاؤل يسرِّعان معدل نبضاته ويجعلان من عينيه جوهرتين تم صقلهما حديثًا.
في مقر الشركة استقبله المسؤول نفسه بحفاوةٍ وهو يتأمل خطواته النشيطة التي محتِ الصورة السابقة من ذهنه،
قال له المسؤول بلهجةٍ متعجبة :
أنت حقًا محظوظ وبالتأكيد هناك من يدعو لك بالخير، لا أستبعد أن تكون الأم بطبيعة الحال.

– أمي لا تتوقف عن الدعاء لي رغم أنها حزنتْ بعض الوقت لعدم تسلمي الوظيفة، ولكن لماذا أصبح هناك مكانٌ شاغر بعد شهرٍ كامل ؟
أنت محظوظ لإنك لم تتسلم الوظيفة في وقتها ؛ لقد انقلب الحفَّار منذ يومين على سائقه وتوفِّيَ في الحال فتباطأ العمل؛ لذا قمننا بإعادة فحص أوراق المتقدمين لشغل الوظيفة؛ ووقع اختياري عليك لما لمسته من خبراتٍ سابقة.

في طريق عودته قرر ركوب الحافلة وبداخله رغبة شديدة برؤية الفتاة مرة أخرى والاعتذار لها عما سببه لها من إحراج وألم نفسي عندما دفعها بعيدًا وصبَّ عليها بركانَ لعناته، ولكنه لم يجدها فعاد إلى منزله وسارع بتقبيل رأسَ أمه ويدها ثم دخل فتوضأ وصلى العصرَ بخشوعٍ وتسليم، كما أخذ يدعو الله أن يصادف الفتاة مرةً أخرى ليعتذر منها وأيضًا لسببٍ آخر بدأ بالتنامي داخله، فبعد انقشاع غشاوة الغضب عن عقله بدأت صورة الفتاة تتمثل من جديد أمام ناظريه بملامحها العذبة وصوتها الرقيق وهذا الأدب الواضح على مظهرها وتصرفاتها حينما تفهمتْ ردة فعله الغاضبة تجاهها ، وتذكر كيف بدأ الإعجاب بها يزحف إلى عينيه لولا أن توقف فجأة مع توقف عجلات الحافلة.
في اليوم التالي خرج في التوقيت نفسه الذي خرج فيه منذ شهر ليركب الحافلة نفسها فربما كانت الفتاة موظفة وتداوم على الذهاب إلى مقر عملها يوميًا ، جلس بجوار باب الصعود وبدأ المراقبة بتحفزٍ متمنيًا أن يحالفه الحظ برؤيتها قبل أن يسافر في الغد لموقع عمله الجديد، فهو لا يدري متى سيعود مرة أخرى، بدأت المحطات تتوالى وعندما لاحتْ له محطة نزولها انتهى أيُ أملٍ لرؤيتها، وبدأتْ الحافلةُ بالتحرك

فحانت منه نظرة أخيرة إلى المحطة ولدهشته الشديدة وجد الفتاة تتحرك مُغادرةً المحطة إلى وجهةٍ غير معلومة فقفز من مقعده صارخًا في السائق أن يتوقف وانطلق كالصاروخ خارجًا ليلحقَ بها، بعدما أدرك أنها صعدت إلى الحافلة من باب النزول وليس الصعود وجلستْ خلفه فلم يرها.

يا آنسة انتظري لو سمحتِ.
التفتت بدهشة واستنكار إلى مصدر الصوتِ الذي تجرأ على النداء عليها في الطريق العام، ظهر في عينيها الخوف وتراجعت خطوات للخلف وهي متحفزة للفرار إذا بدر منه أي سلوك عدواني، قرأ في عينيها ما دار بخلدها فابتسم برقة وطمأنها بصوتٍ مهذب بأنه لا يضمر لها أي شر.

لا تقلقي لقد شفيت قدمي تمامًا ولا أحمل لك أي ضغينة.
ماذا تريد مني إذًا؟
أريد أن أشكرك
-وهل ما حدث يستوجب الشكر؟!!
أريد أن نجلس قليلًا لأشرح لك الأمر
بدأتْ تتململ في وقفتها وقالت بحدةٍ أنا مرتبطة بمواعيد عمل وإذا تأخرت فسيخصمون من راتبي لذا مضطرة إلى المغادرة .
أسرع يحثها على البقاء قليلًا ليعرف بعض التفاصيل عنها ليسهل التواصل معها مرة أخرى. ولأنها كانت ما تزال خائفة ومتوجسة من موقفه لم تبد أي تعاون مبدئي. واستمرت في طريقها متجاهلة كلماته ومهددة إياه بأنه لو تعرض لها ستضطر إلى الصراخ وجمع الناس حوله ولن تكون قدمه فقط ما سيؤلمه حينها.
رسمت كلماتها البسمة في داخله ولكنه تضايق من استهلاكها مجهوده ووقته فقرر ألا يضغط عليها بمحاولاته وتركها تسير إلى عملها وتتبعها عن قربٍ حتى عرف البناية التي صعدت إليها وعندها اقترب من حارس البناية وتعارف عليه وعلم منه أنها تعمل بأحد مصانع الملابس الجاهزة بالدور الثالث وأن العمل ينتهي بعد ست ساعات كاملة؛ انتابته الحيرة في كيفية إقناعها لبدء الحوار معه وأخذ يفكر ماذا سيفعل خلال الساعات الست وهل يعود لمنزله ثم يرجع مرة أخرى لرؤيتها بعد نهاية عملها؟ وهل ستتجاوب معه أم ستثير المشاكل؟ وأخيرا جاءته فكرة جريئة راقتْ له فشرع ينفذها.

بعد انتهاء ساعات العمل بدأت الفتيات ينصرفن وهي معهن وعند باب البناية تفاجأتْ بصوتِ امرأة يحاورها
– مساء الخير يا بنيتي.
– مساء النور يا سيدتي هل تعرفينني؟!!
ابتسمت المرأة بطيبةٍ وقالت نعم أعرفك ولو عرفتك من شهر لا أدري ما كنت سأفعله بك ولكن اليوم يختلف الأمر كثيرًا.
– لا أفهم معنى كلماتك يا سيدتي وأحتاج بعض التوضيح.
_أنا أم الشاب الذي دهستي قدمه بكعبك العالي منذ شهرٍ في الحافلة.
لقد كان قضاءً وقدرًا ولم أتعمد ذلك، رََّتْ بتوترٍ وتحفز خشية أن يكون كلام الأم مقدمة لأي تصرف عدواني.
– لا تخافي يا بنيتي فأنا لا أضمر لك أي شر بل على العكس أنا أدين لله ثم لك بالجميل.

عدنا مرة أخرى للألغاز، أنت ترددين نفس كلام ابنك العجيب. لو أنك أعطيته الفرصة لشرَحَ لك الأمر ولما اضطُر إلى إحضاري هنا كي أحدثك بلسانه.
ما الذي تريدون توضيحه لي؟
بدأتِ الأمُ في شرح الأمر لها والدهشة ترتسم تدريجيًا على ملامحها من القصة العجيبة ثم انفرجتْ أساريرُها أخيرًا عندما علمت بأنه حصل على الوظيفة وحمِدتْ الله على انتهاء القصة بنتيجة إيجابية.

والآن ما هو المطلوب مني ؟
كانت هذه هي اللحظة المناسبة لكي تستدعي الأم ولدها لينضم للحوار فقالت بلهجة حانية مطلوب أن نتعرف بك وبأسرتك بصورة أوسع.
ارتبكت الفتاة عندما باغتتها الكلمات واستهلكت بعض الوقت لتستوعب المعنى المبطن بين الحروف فتصاعد الدم إلى رأسها مرورًا بخديها وهي تتحاشى النظر إلى عينيه اللتين بدأتا تفحصان ملامحها بروية وهيام ؛ فتلعثمت كلماتها فلم تدر ما هو الرد المناسب؛ ابتسمتِ الأم وقد فطنت بخبرتها أنها فتاة طيبة الأخلاق سوية النشأة مما شجعها لمؤازرة ابنها في الارتباط بها.
سافر الابن في اليوم التالي لاستلام العمل بينما تولتْ أمه مهمة التعارف و إنهاء إجراءات الخطبة، وبعد أسبوعين من استلام العمل حصل بالكاد على إجازة يومين لشراء الشبكة وحضور حفل الخطبة وفي طريق عودته راودته فكرة شراء هدية لخطيبته فظل يفكر في شيء مناسب يكون ذكرى جميلة تربطهما،
في منزل العروس بدا الجميع في غاية السعادة وقد توافقت الأسرتان وتقاربت النفوس واستعرض الجميع الشبكة الذهبية الجميلة وهنأوا العروسين وتمنوا لهما حياة زوجية سعيدة.

انتحى العريس بعروسه ليخبرها أنه أحضر لها هدية ففرحت وانتابها الفضول لمعرفتها، أخرج من علبة فخمة زوجًا من الأحذية الحريمي ذات الكعب العالي المدبب وأهداه لهاً قائلًا: ” أعلم أنه لا يمكنك الاستغناء عن الكعب العالي في حفل الخطوبة فهو يناسبك لذا قررت شراء هذا الحذاء لك”،
نظرت إليه بدهشة وقالت كنت أظن أنك تكره الأحذية ذات الكعب العالي المدبب!!
ربما لحظة دهسك لقدمي راودني هذا الإحساس ولكن بعد تتابع الأحداث غيرت فكرتي
ابتسمت بسعادة وقررت ارتداء الحذاء للتجربة فكان لدهشتها يلائم قدميها تمامًا فتساءلت كيف عرفت مقاسي بهذه الدقة، نظر إلى أمه من فوق كتفيها وهو يبتسم قائلًا لي وسائلي الخاصة يا حبيبتي.

ابتسمت بسعادة وهي تشكره بشدة وقالت غدًا سأرتديه مع فستان الخطبة الذي سنختاره سويًا من محلات تأخير السوارية .
في الصباح شرعا في اختيار الثوب المناسب لها بصحبة الحذاء الجديد، وقع اختيارها على ثوبٍ رقيق فأحبت تجربته، خرجت إليه من الغرفة ترتدي الفستان والحذاء ذو الكعب العالي الذي منحها طولًا وقوامًا أنيقًا ساحرًا، امتلأت عيناه بالإعجاب والهيام وتقدم منها فاردًا ذراعية ليمسك يداها ويدور معها في حركة رومانسية معبرًا عن سعادته بها ولكن طول الفستان لم يسمح لها بتلك الحركة فبدأ يلتف على ساقيها مما عرقلها وكادت تسقط فأسرع نحوها ليحافظ على توازنها ولكن حركة أقدامها العشوائية وهي تحاول استعادة اتزانها لم تكن في صالحهما حيث انغرس كعب حذائها في قدمه اليمنى هذه المرة فانطلقت تأوهاته عاليًا مصحوبةٍ بلعناته للأحذية عالية الكعوب ومن اخترعها ومن يرتدينها.
تمت

زر الذهاب إلى الأعلى