لا شك أن كل مسلم ينشد الشهادة في سبيل الله لما لها من منزلة سامية ودرجة عالية بها يستحق صاحبها معية النبيين والصديقين ، لكن ينبغي علينا أن نطرح سؤالاً لكل من ينشد تلك المنزلة فحواه: لماذا تريد الشهادة والقتل في سبيل الله؟.
ألأنك تريد القتل فقط؟ أم تريد المنزلة والأجر؟ أم تريدهما معاً؟.
لا ريب أن الإجابة المتوقعة هي: لأنه يريد الأجر والمنزلة.
وهنا نقول: إن الأجر والمنزلة يبلغهما وينالهما كل من سأل الشهادة بصدق وإن مات على فراشه.
هذا ما بينه لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذي رواه النسائي وابن ماجة: “عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﺒﺮ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﺎﺩ ﺟﺒﺮا، ﻓﻠﻤﺎ ﺩﺧﻞ ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺒﻜﻴﻦ ﻭﻳﻘﻠﻦ: ﻛﻨﺎ ﻧﺤﺴﺐ ﻭﻓﺎﺗﻚ ﻗﺘﻼ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻭﻣﺎ ﺗﻌﺪﻭﻥ اﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ، ﺇﻥ ﺷﻬﺪاءﻛﻢ ﺇﺫا ﻟﻘﻠﻴﻞ، اﻟﻘﺘﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﺒﻄﻦ ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﺤﺮﻕ ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﻐﺮﻕ ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﻤﻐﻤﻮﻡ – ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻬﺪﻡ – ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﻤﺠﻨﻮﻥ ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﻤﺮﺃﺓ ﺗﻤﻮﺕ ﺑﺠﻤﻊ ﺷﻬﻴﺪﺓ”. ومعنى المرأة تموت بجمع إما أن تموت وهي حامل ، أو تموت وهي بكر.
ومن هنا نقول: إذا كان القتل في سبيل الله تعالى شيء جميل إلا أن الأجمل منه الحياة في سبيل الله ، ولن ينال أحد الشهادة في سبيل الله تعالى إلا إذا عاش في سبيله ، ومن ثمّ فإن دعوتنا للمسلمين أن يحرصوا على أن يحيوا وفق منهج الله وأن يعيشوا في سبيله إذا أرادوا منزلة الشهادة ، تلك المنزلة التي لا ينالها إلا من عاش في سبيل الله.
والحياة في سبيل الله تعالى تعني أن يحيا المسلم صادقاً أميناً ، عفيفاً ، مخلصاً ،صالحاً ، مصلحاً ، ناصحاً ، وحريصاً على أن يسلم الناس جميعاً من لسانه ويده.
والمتأمل في كتاب الله تعالى يجد ما يؤكد صحة ذلك ، اقرأ مثلاً قول الله تعالى: “ﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺮﺿﻰ ﻭﺁﺧﺮﻭﻥ ﻳﻀﺮﺑﻮﻥ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻳﺒﺘﻐﻮﻥ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ اﻟﻠﻪ ﻭﺁﺧﺮﻭﻥ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ” (المزمل: 20). فقدم هنا الذين يضربون في الأرض الذين يبتغون من فضل الله أي الذين يعيشون ويحيون في سبيل الله على من يقتلون في سبيله لنعلم أن الحياة في سبيل الله أهم من الموت في سبيله وأن الحياة في سبيل الله تعالى هي التي تؤهل للشهادة في سبيله.
أيضاً قول الله تعالى: “ﻓﻤﻦ ﺁﻣﻦ ﻭﺃﺻﻠﺢ ﻓﻼ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻻ ﻫﻢ ﻳﺤﺰﻧﻮﻥ” (الأنعام: 48). لترى أن الذين لا خوف عليهم في الدنيا ولا حزن لهم في الآخرة هم الذين عاشوا مؤمنين وصالحين ومصلحين في دنياهم أي عاشوا في سبيله تعالى وهذه هي نفس المنزلة التي أعدها الله تعالى لمن قتل في سبيله ، اقرأ قوله تعالى: “ﻭﻻ ﺗﺤﺴﺒﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﺃﻣﻮاﺗﺎ ﺑﻞ ﺃﺣﻴﺎء ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻬﻢ ﻳﺮﺯﻗﻮﻥ * ﻓﺮﺣﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﺁﺗﺎﻫﻢ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻪ ﻭﻳﺴﺘﺒﺸﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻠﺤﻘﻮا ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﻢ ﺃﻻ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻻ ﻫﻢ ﻳﺤﺰﻧﻮﻥ (آل عمران: 169 ،170). فهؤلاء لاخوف عليهم ولا هم يحزنون وأولئك كذلك ، فهم على درجة واحدة.
ما أريد قوله: إن من أراد أن ينال الشهادة في سبيل الله تعالى فعليه أن يحيا في سبيله ، أما أن يريد الإنسان الشهادة ثم يحيا بعيداً عن سبيل الله تعالى فهذا والله هو العجز الذي لطالما حذرنا رسولنا الكريم منه ، ففي الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ رضي الله عنه ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻘﻮﻱ، ﺧﻴﺮ ﻭﺃﺣﺐ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻀﻌﻴﻒ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ اﺣﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻌﻚ، ﻭاﺳﺘﻌﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺗﻌﺠﺰ…”. فالمراد بالقوي هنا قوي الإيمان الذي يعينه إيمانه على الحياة في سبيل الله تعالى ، كما أن المراد بالضعف هنا والعجز الضعيف العاجز عن الحياة في سبيله. وهذا ما كان يستعيذ منه رسولنا كثيراً ، حيث كان يكثر من دعائه ربه بقوله: “اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺰ ﻭاﻟﻜﺴﻞ، ﻭاﻟﺠﺒﻦ ﻭاﻟﻬﺮﻡ، ﻭﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻤﺤﻴﺎ ﻭاﻟﻤﻤﺎﺕ، ﻭﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻋﺬاﺏ اﻟﻘﺒﺮ”.
وقد بين لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن العاجز من تمنى منازل الأبرار والشهداء ولم يعش على منوالهم ولم يسر في دربهم في الحديث الشريف الذي رواه الحاكم في مستدركه “ﻋﻦ ﺷﺪاﺩ ﺑﻦ ﺃﻭﺱ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: اﻟﻜﻴﺲ ﻣﻦ ﺩاﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻋﻤﻞ ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮﺕ ، ﻭاﻟﻌﺎﺟﺰ ﻣﻦ ﺃﺗﺒﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻮاﻫﺎ ، ﻭﺗﻤﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ”.
ولعلنا جميعاً نتفق على أن العاجز الكسول لن ينال منازل الشهداء أبداً ، ولن ينالها إلا الرجال(الرجال تعني الرجال والنساء معاً) المجدون المخلصون لدينهم ووطنهم وأمتهم.
رزقنا الله وإياكم منازل الشهداء ودرجات الأبرار وجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في مقعد صدق عند مليك مقتدر .