قال تعالى “هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذّكر أولوا الألباب” (إبراهيم: 52).ما أروع هذا القول وما أصدق قائله وما أشد تأثيره على من فقهه ووعاه بعد تدبره وتعقله ،
وإذا كان لهذا القول الكريم وقع على الأذان في كل وقت فلا شك أن وقعه يزداد قوة في أيامنا هذه ، تلك الأيام التي يعيش العالم فيها خوفاً وهلعاً غير مسبوقين من قوى لا تكاد ترى بالعين المجردة.
هذا وقد اقتضت حكمة الله البالغة أنه كلما طغى الناس وتجبروا وازدادوا بعداً عن خالقهم وظنوا أن قوتهم وحصونهم مانعتهم من الله سلط الله عليهم أضعف الكائنات لتشعرهم بضعفهم وتذكرهم بعجزهم وتردهم إلى القوي المتين ،
فهذا النمروز الذي بلغ به الكبر مبلغاً ادعى معه القدرة على الإحياء والإماتة سلط الله عليه بعوضة نالت منه ما لم تنله منه قوة الجيوش ،
كذلك فرعون الذي تمكن منه الغرور إلى درجة نسيى فيها نفسه فادعى أنه إله أغرقه الله على مرأى ومسمع من عدوه في لجة من ماء. هذا ومروراً بقوم عاد الذين أهلكوا بريح وقوم ثمود الذين بادوا بصيحة ، إلى غير هؤلاء وأمثالهم كُثُر الذين طغوا في بلاد الله فسلط الله عليهم أضعف مخلوقاته لتعلمهم بضعفهم وعجزهم.
ويزادا تأثرُنا بهذه الآية الكريمة متى وقفنا على الآية السابقة لها ألا وهي قوله تعالى: “ليجزي الله كلّ نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب”. لنعلم وليعلم العالم أن ما نحن فيه بسبب كسبنا ونتيجة أعمالنا وما يعفو عنه ربنا أكثر ، وصدق الله العظيم في قوله: “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير” (الشورى: 30).
ونحن كمسلمين إذا نظرنا لحالنا وجدنا بعدا عن الله ظاهرا ، فقد نهينا عن التدابر فتدابرنا ، ونهينا عن الخصام فتخاصمنا ، وعن الهجر فتهاجرنا ، وعن الفرقة فتفرقنا ، وعن الكذب فكذبنا ، وعن الغش فغششنا ، إلى غير ذلك من منهيات نهينا عنها ففعلناها.
بالطبع هذا الكلا لا ينطبق على الجميع فلا شك أن هناك فئة مؤمنة مخلصة أخلصت لوطنها ولدينها ودافعت عن أمتها وما زالت ولولا هؤلاء لوقع العذاب.
تعالوا معي لندلل على ما قلناه نحن نعيش أزمة حقيقية والمفروض علينا ديانة ووطنية أن نتكاتف ونتعاطف ونتراحم لكن المتأمل في الكثيرين يجدهم ما زالوا بعيدين فإذا نظرنا لمدى الالتزام بالتعليمات التى أصدرتها الدولة محافظة على الصالح العام وجدنا بعضا من الناس يخالفونها بل وربما دعوا غيرهم لمخالفتها وهذا بالطبع ليس من الدين في شيء ، فلا أحد يختلف على وجوب طاعة وليّ الأمر.
أما إذا نظرنا لحالنا في الأسواق تجد الكثيرين يشترون أكثر مما يحتاجون ولا يرد غيرهم على بالهم مما يعطون فرصة لقليلي الدين من التجار لإعلاء السعر على غيرهم فبدلا من أن تأخذنا المحنة إلى الإيثار أخذتنا إلى الأثرة ، كما أننا نرى من يحتكرون طعام إخوانهم ليستغلوا ظروفهم.
أهذا هو الإسلام ، من هنا جاء القول الكريم ليقول بصوت مرتفع مسموع: “هذا بلاغ للناس ولينذروا به….” قبل فوات الأوان.
كذلك إذا نظرنا لحال العالم وجدنا عجباً عجاباً ، رأينا الدول الأكثر غنيً تحرص كل الحرص على نزع قوت من الدول الفقيرة والعمل على زيادة فقرها وتجويعها وهي أغنى ما يكون عن ذلك ، أيضا وجدنا دولا قوية تضرب دولا ضعيفة ، ودولاً منّ الله عليها بالعلم والتقدم تزرع الجهل والتخلف في دول أخرى.
دمرت بلاد وخربت أخرى وقطعت أوطان وشتت مواطنون ، استعبد أحرار وسبيت حرائر ، ونهبت ثروات.
قديما كان يسرق من لا مال عنده ، أما أن يسرق الغني فهذا هو العجب.
والأسوأ من هذا كله أن يُزج بالأديان وسط هذا المعترك القذر من هؤلاء أو أولئك ، وأن يُتاجر بالعقائد. والأديان بالطبع بريئة من جميعهم.
إن الأديان ما جاءت إلا لتعلي من إنسانية الإنسان وللمحافظة على آدميته.
أخيراً ما أريد قوله إن هذا البلاغ جاءنا في الوقت المناسب لنعلم أن إلهنا واحد وربنا واحد فلما نختلف وعلى ما نتقاتل إن أرض الله كافية لنا جميعا ورزق الله كافٍ لنا جميعا ، “ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأموتا” (المرسلات: 25 , 26). “أليس الله بكافٍ عبده” (الزمر: 36) بلى هو الكافي. ولعل هذا البلاغ أن يكون بلاغ خير ونعود ويعود العالم إلى الله ولتعود الإنسانية إلى الإنسان ، وليوقن الجميع أن لهذا الكون إلها مدبرا حكيما قديرا لا تخفى عليه خافية يحصي أفعال العباد ثم يوفيهم إياها إن خيرا فخير وإن شرا فكذلك ، فم وجد خيرا فليحمد الله وإلا فلا يلومن أحد إلا
نفسه.
أحبتي في الله فهيا بنا لنعلن التوبة والأوبة لله ولنستغفره لما سلف منا فهو غافر الذنب قابل التوب رحمن رحيم لعله يغفر لنا ويدفع عنا البلاء ويكشف عن الوباء ويشفنا من كل داء.
“ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” ، “ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون”.