يأتي عيد العمال هذه المرة في ظروف بالغة الصعوبة في كل دول العالم بسبب تداعيات إنتشار ڤيروس كورونا وعدم إستقرار قطاعات العمل والإنتاج نتيجة الخطوات الإحترازية التي إتخذتها الحكومات للحفاظ على صحة العمال وعدم نقل العدوى ، الأمر الذي أدى لنقص موارد الإنتاج وتراجع إقتصاديات الدول وبالتبعية تراجع دخل أغلب المواطنين .
رغم ذلك ظل الوضع في مصر أحسن حالاً بفضل الله أولاً ثم بفضل الخطوات الوقائية الإستباقية التي إتخذتها الدولة والعمل في خطين متوازيين الأول يعتمد على تقليص التكتلات البشرية في أغلب المنشآت مع مراعاة عدم التأثير على العملية الإنتاجية، الخط الثاني يتمثل في كيفية تأمين صحة العاملين من حيث الإلتزام بتنفيذ الأساليب الوقائية وإتباع التعليمات .
كالعادة كان عمال مصر على مستوى المسئولية وعند حسن الظن وظهر معدنهم الأصيل في مواجهة هذه المحنة بوعي وإدراك جنباً إلى جنب مع جيش مصر الأبيض الذي تحمل هو الآخر المخاطر والمصاعب للحفاظ على أمن مصر القومي متمثلاً في ثروته البشرية والأيدي العاملة المنتجة.
على مر الزمن كان عمال مصر وتنظيماتهم النقابية يكتبون تاريخاً نضالياً ويضربون أروع الأمثال في الإنتماء والوطنية منذ أن تحملوا مشقة وعناء بناء وتشييد أعظم الحضارات الإنسانية على ضفاف النيل ، تلك الحضارات العريقة التي علمت العالم كله، مروراً بحفر قناة السويس عام ١٨٥٦ التي راح ضحيتها مايقرب من ١٢٠ ألف عامل ،ماتوا،وأستشهدوا لتبقى مصر ويبقى شعب مصر ثم كان نضالهم ضد الإستعمار وأعوانه ومواجهة العدوان ،فكان أبطال القوات المسلحة يقاتلون على الجبهة وعمال مصر يبنون القلاع ويشيدون السدود والمصانع والمدارس والجامعات ،فكانت يد تبني ويد تحمل السلاح ، بل إمتد كفاحهم ونضالهم ودفاعهم عن وطنهم الغالي ودعم القوات المسلحة الباسلة في معركتها ضد العدو الإسرائيلي فتبرع عمال مصر بأجر يوم من كل أسبوع للمجهود الحربي أثناء حروب الإستنزاف لتحرير الأرض والعرض وهو ما حدث بالفعل في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ ، ثم كان دورهم الوطني البطولي يوم ٣٠يونيو عام٢٠١٣ عندما إحتشدوا بالملايين في كل مواقع العمل والميادين لطرد قوى الشر وخفافيش الظلام والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية الذين أرادوا لمصر السوء و الهلاك وإختطاف الوطن ، وهاهم يواصلون كفاحهم.
نضال وكفاح وبطولات عمال مصر وتنظيماتهم النقابية ودعمهم لمسيرة التنمية ووحدة الوطن لفت نظر الزعيم الخالد جمال عبد الناصر فأراد أن يكرم هذا القطاع العريض فقرر أن يتحول الإحتفال بعيد العمال إلى لقاء يجمع الدولة المصرية متمثلة في رئيس الجمهورية ووزير القوي العاملة وعمال مصر وتنظيماتهم النقابية يتحدث فيه إلى الشعب يطرح خلاله موقف الدولة من بعض القضايا والأحداث الإقليمية والدولية والداخلية ويلقي الضوء على أهم إحتياجات وملامح المرحلة ودور العمال وكيفية تأمينهم وكان ذلك في الأول من مايو عام١٩٦٤ ليصبح هذا المشهد تقليداً يحرص عليه كل الرؤساء كنوع من أنواع التقدير .
رغم الظروف الحالية التي يمر بها العالم والإلتزام بعدم عقد المؤتمرات واللقاءات وإستشهاد مجموعة من أنبل جنود الأرض أمس في جنوب مدينة بئر العبد إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد حرصه على إلقاء كلمة لعمال مصر في عيدهم .
حرص الدولة على تكريم العمال وممثليهم من قيادات التنظيم النقابي لم يكن من فراغ لكن تقديراً لدورهم الوطني .
لذا بات من الضروري في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الإتحاد العام لنقابات عمال مصر بسبب عدم وجود موارد مالية أدت لعدم الوفاء بإحتياجات وحقوق العاملين التابعين لمؤسساته ووجود بعض الخلافات التي ألقت بظلالها على مستقبل التنظيم النقابي وهو أمر جديد وغريب أيضاً على هذا التنظيم الوطني العريق أن تتدخل الدولة للم الشمل ودعم إتحاد العمال مادياً ومعنوياً تقديراً لتاريخه النضالي والوطني وهذا أقل مايمكن أن تقدمه الدولة لتنظيم وقطاع ضحي براحته وجهده من أجل بلده، وبات ليس أمام قيادات العمال إلا أن يتحدوا وأن يتغلبوا على خلافاتهم ، فالوطن غالي وهو الآن في أمس الحاجة إلى كل جهودهم المخلصة ونحن نعلم أن هؤلاء القيادات وطنييون ،مخلصون، يقدرون قيمة الوطن ويلبون نداءه إذا طلب.
أعلم أن ما أشرت إليه قد لايعجب البعض وقد يعتبره البعض تدخلاً غير مقبولاً أو تجاوزاً لكنني أعتبر ذلك وفاءاً مني لقيادات تحملت الكثير من أجل وطنها والحفاظ على مكتسبات عمالها ،ووفاءاً وتقديراً لمن يعملون بمؤسسات هذا التنظيم خاصة أن تاريخ وكفاح ونضال العمال وممثليهم وقياداتهم علمنا أن قوة التنظيم النقابي والعمالي تكمن في وحدته وإستقلاله وأن الخلافات داخل التنظيم لا يجب أن تمتد أو تتسع بل تظل خلافات في الرأي لا خلافات في الرؤى والمسار لأن الهدف مشترك والطريق واحد .
كل عام وعمال مصر وقيادات تنظيماتهم النقابية بخير وكل عيد عمال ورئيسنا وجيشنا وشرطتنا وإعلامنا وصحفيينا وجيشنا الأبيض وكل شعب مصر بخير وربنا ينصر مصر على خفافيش الظلام وقوى الشر ويوحد صف عمالنا وقياداتهم ويصلح حالهم وحالنا…آمين.