محمد داغر يكتب : أزمة كورونا.. والمسئولية المجتمعية

 

نستطيع أن نُؤكد اليوم ونحن نعيش ظرفاً استثنائياً جراء الجائحة كورونا أنَّ المسؤولية الاجتماعية لم تعد طرفاً مؤسسياً فقط بل ضرورة ومسؤولية أخلاقية فردية أيضآ وهو ربط قوي لما تقوم به الدولة من جهود.

مع ظهور فيروس كورونا على هذا النحو من الشراسة واجتياحه العالم وما يترتب عليه أزمات إقتصادية عالمية وإنهيار إقتصاديات دول كثيرة الفترة القادمة، فإنه لم يترك أى خيار آخر غير أن يتكاتف جميع المصريين من أجل مواجهة هذا العدو الغامض الذى يفتك بالبشر بلا هوادة.

ويسفر هذا الشعور العام عن ظهور شعور بأهمية الوقوف إلى جوار الدولة فى تلك الأزمة التى ربما لم تشهد البشرية لها مثيلًا من قبل، فالوقوف إلى جوار الدولة واجب مقدس ومساندة غير القادرين التزام أخلاقى وديني تفرضه العقيدة ويتطلبه العقل والمنطق خاصة فيما يتعلق بمبادئ التكافل والمسؤلية الاجتماعية التى تعد بمثابة صمام الأمان للمجتمع المصري الفترة القادمة.

إلى جانب المساهمة فى العديد من المبادرات الإنسانية التى يتنافس فيها المتنافسون من أجل تقديم المساعدات بجميع أنواعها وأشكالها المتعددة سواء كانت تلك المساعدات تتم بشكل فردى أو حزبي أو بشكل مؤسسي في القطاعات الحكومية والخاصة لنمر من هذه الأزمة.

وهذا الأمر الذى تزامن معه تعظيم فكرة الالتزام بالمسئولية الاجتماعية وتوعية المسؤلية الفردية التى هى بكل تأكيد ليست وليدة ظروف فيروس كورونا، ولكنها فقط تزايدت وأصبحت تمثل جزءًا لا يتجزًا من العمل العام في هذه الفترة.

خاصة أن الالتزام باعتبارات المسئولية الاجتماعية عمل قائم ويتم العمل بها منذ سنوات فى العديد من مجالات الحياة، وعلى وجه الخصوص فى مجالات الرعاية الطبية والاجتماعية المتعلقة بالفئات محدودة الدخل والفئة التى تعيش تحت خط الفقر.

ولعل التعريف الأبرز للمسئولية المجتمعية الذى يلقى انتشارًا واسعًا يتمثل فى أن المسئولية المجتمعية فى الأصل عبارة عن أشكال مختلفة من الأنشطة الإنسانية التطوعية الخدمية التى تقوم بها الشركات لتحقيق أهداف اجتماعية وليست مكاسب شخصية في الازمات بحيث يكون لتلك الأنشطة أثر إيجابى على المجتمع ككل والحياة العامة التى تعمل فيها تلك المؤسسات أو الشركات أو حتى الأفراد الذين يؤمنون بمبادئ المسئولية الاجتماعية.

هذا النوع من المبادرات يمكن أن يسهم وبشكل كبير فى تغيير مفهوم أنشطة المسئولية الاجتماعية، خاصة أن ما يمكن المساهمة به سواء كان عبارة عن مبالغ مالية أو أدوات طبية أو مواد غذائية، يصب فى صالح تخفيف العبء عن الدولة من ناحية.

وتقليل الآثار السلبية المترتبة على الأزمة والتى تؤثر بشكل مباشر فى الحالة المعيشية للفئات الأكثر احتياجًا، حيث إنه من الثابت أن المسئولية الاجتماعية تمثل للقطاع الخاص واجبًا إنسانيًا والتزامًا أخلاقيًا طوعيًا تجاه المجتمع بمختلف فئاته.

خلاصة الأمر أننا أمام تطور نوعى فى معنى المسئولية الاجتماعية بدايتآ من الأفراد ووصولآ إلى المؤسسات بقطاعاتها المختلفة، وهذا التطور وإن كان ناشئًا بقوة عن أزمة «كورونا»، فإنه سوف ينعكس بالإيجاب على المجتمع ككل. فاعتبارات المسئولية الاجتماعية وفى ظل تنوعها وتطورها، كفيلة بتغيير وجه الحياة فى المجتمع بالكامل ما بعد كورونا.

واللافت للنظر أن أهمية خدمة المجتمع وتنمية الشعور بالإحساس بالمسئولية المجتمعية، قد برزت بوضوح مع التحولات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التى تزامنت مع عصر ثورات المعلومات والاتصالات وأيضًا فى ظل الأزمات الكبرى التى من بينها بالطبع أزمة فيروس كورونا وتبعياته الفترة القادمة.

ومن وجهة نظري أظهرت أزمة كورونا مدى حاجتنا الاجتماعية إلى التعاون والتماسك والتكاتف لمواجهة الشدائد والأزمات، فالجميع فى مكان واحد وهو الوطن، يواجهون خطرا واحدا لا يفرق بين كبير ولا صغير ولا بين عالم وجاهل.

وفى ظل هذه الظروف فإن الخطأ أو الاستهانة أو التقصير غالبا ما يضر بصاحبه ومن حوله وبالتالي يؤثر على المجموعة وصولآ إلى تأثيره على الدولة، وأظهرت الأزمة كذلك الأثر المدمر لوجود ظاهرة الغثائية والغوغائية وعدم تحمل المسؤولية من فئة ليست بقليلة في الشعب المصري.

وإلقاء التبعات دائما على الغير، خاصة إذا كان هذا الغير هو الدولة وعلينا أن نتذكر فى السنوات الأخيرة مرت على مصر أحداث وتغيرات كثيرة ومتلاحقة استغلها بعضهم لتحقيق أغراض ومكاسب سياسية أو مالية واقتصادية واستغلت أيضا لخلق حالة صراع دائمة بين المواطن وبين الدولة.

كل هذه الانتهازيات التى لا تنتمى بحال إلى الأخلاق ولا إلى القيم، وهذه الأزمة أظهرت ما هو أخطر وأشد من كل ما سبق ألا وهو داء الاستهانة والاستهتار والتهاون والسخرية وروح السلبية الذى تعامل بها بعض المواطنين بغير وعى ولا فهم مع أزمة كورونا فأصبحنا بين مطرقة المغرضين الطامعين في مكاسب شخصية من وراء الازمة وسندان الغافلين المستهترين بالأزمة نفسها.

من وجهة نظري أيضآ إن أهم أسباب النجاح والتغلب على هذا الوباء وعبور الأزمة بسلام هي إيقاظ وعي الشعب بجميع فئاته ، بإحياء مفهوم المسؤولية المشتركة بين الجميع بلا استثناء، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : «كُلكُمْ راعٍ، وكُلكُمْ مسْئُولٌ عنْ رعِيتِهِ، الإِمامُ راعٍ ومسْئُولٌ عنْ رعِيتِهِ، والرجُلُ راعٍ فِى أهْلِهِ وهُو مسْئُولٌ عنْ رعِيتِهِ»

نحن جميعا فى وطن واحد والخطأ من بعضنا مهما كان صادرا عن حسن نية قد تكون نتيجته كارثية وخيمة على مصرنا الغالي خلال الفترة القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى